"الإرهاب لا دين له ولا وطن.. والتطرف لا يقتصر علي مجتمعات أو دول بعينها".. كم قلنا وأكدنا وأكد غيرنا هذا الكلام.. وها هي الأحداث العديدة تؤكد ذلك. بالطبع اهتزت ضمائر كل من يحمل ذرة من إنسانية للحادث البشع الذي وقع بمسجدين في نيوزيلاندا.. وراح ضحيته حوالي 50 شخصا من المسلمين المسالمين العزل.. متطرف يميني أبيض البشرة أسود القلب والفكر.. إرهابي ارتكب جريمته بدم بارد وتلذذ بالتشفي في الضحايا وتصوير جريمته وبثها للعالم.. هو هنا لا يمثل دينا.. فمعتقده أن أي جنس في بلده غير البيض أعداء يستحقون القتل.. مسلمين كانوا أو مسيحيين أو يهودا.. وهو ليس الأول الذي يرتكب مثل تلك الجريمة النكراء.. فهل يصدق بعدها العالم محاولات إلصاق الإرهاب بالإسلام والمسلمين؟! وكما أن المتطرفين المسلمين يغذي نار تطرفهم ويحولهم إلي إرهابيين خطاب أهوج مشوه.. فإن هؤلاء العنصريين يغذيهم أيضا خطاب مماثل سواء كان سياسيا أو إعلاميا في نيوزيلاندا وغيرها من الدول.. خطاب يشوه الحقائق.. ويحارب الإنسانية.. مستندا إلي مفاهيم يتم تحريفها.. وكما يصور هذا الفكر المنحرف للمتطرفين المسلمين ان من يخالف فكرهم خارج عن ملتهم يستحق القتل حتي لو كانوا من نفس دينهم.. فهو كذلك في الغرب.. اليمين العنصري المتطرف يصور أن التواجد الأجنبي من غير البيض مهدد للحضارة والمبادئ الغربية ويجب سحقهم سحقا.. وها هي النتيجة.. جريمة ارهابية بشعة. وما اروع البيان الذي أصدره فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر حول الحادث الذي ادان المذبحة المروعة.. وأهم ما جاء فيه تأكيده أن تلك المذبحة "الإرهابية الشنيعة" التي حرص منفذها علي تصويرها وبثها علي الهواء للعالم كله, لا تختلف كثيرا عن مشاهد قطع الرقاب المروعة التي ارتكبتها عصابات داعش الإجرامية, فهما فرعان لشجرة واحدة رويت بماء الكراهية والعنف والتطرف.. صدق بيان شيخ الأزهر.. إنها نفس الشجرة الخبيثة لعنها الله ولعن من يرعاها ويغذيها في كل مكان. الآن يحق لنا ان نتساءل ونقارن بين موقفنا في بلادنا من هذا الإرهاب وما ندفعه من ثمن له وبين موقف الدول الغربية من ارهاب ذويهم.. فنحن نبذل أقصي جهد حكومة ومؤسسات دينية ومواطنين عاديين لنطهر أنفسنا من دنس الإرهاب والمتطرفين والإرهابيين منا.. لا نكابر ونصفه بمسماه الحقيقي ونحاربه عسكريا وأمنيا ونحاول تغيير وتصحيح مفاهيمه دينيا.. ورغم ذلك نوصف دائما بأن ديننا يحض علي الإرهاب وتدفع دولنا وحكوماتنا وشعوبنا ثمنا لذلك.. أما الغرب فيطلق المسميات المختلفة علي جرائم ارهابييهم من قبيل جريمة صعبة أو يمين متطرف رغم انه الإرهاب بعينه.. والأزهر الشريف في بيانه عن الحادث دافع عن المسيحية والسيد المسيح وهذا حق.. لكن الغرب يبحث عن أي جرائم ونقائص ليلصقها بديننا الحنيف.. ولم تفعل حكوماته أي شيء لتوقف الاعتداءات العنصرية المتزايدة ضد المسلمين وفي جريمة نيوزيلاندا ورغم بشاعتها خرج علينا برلماني هناك وبدلا من ان يقول خيرا أو يصمت دافع عن الجريمة باتهامه الإسلام بانه دين يحض علي العنف!! وهذه جريمة اخري في رأيي. وحتي في مواجهة جريمة نيوزيلاندا متوقع ان ندفع ثمنها أيضا.. فبكل تأكيد فإن جريمة هذا الفرع من الشجرة الخبيثة سيكون لها مردود لدي الفرع الآخر لدينا من الدواعش ومن هم علي شاكلتهم.. ولانها منافسة دموية بين الفرعين.. فنتوقع ردا ارهابيا.. لن يقتصر الرد علي نيوزيلاندا أو اوربا التي قد لا تطولها جماعات الإرهاب لكنه قد يكون داخل احدي دول المنطقة وفي مقدمتها مصر.. ولن يفرق الرد المتوقع بين مسلم أو مسيحي.. الإرهاب بفضل دماء شهدائنا الأبرار في الحرب عليه وبفعل جهودنا يتراجع ويترنح في بلادنا.. في حين ان سياسة غض الطرف عن ارهاب اليمين المتطرف بأوروبا تزيده اشتعالا بدماء زكية تسيل وهم ساجدون.. الان بعد تلك الجريمة وبعد بيان الأزهر الذي دافع فيه عن المسيح والمسيحية أعتقد أنها فرصة لفتح حوار حقيقي بين الأديان لتتحد في مواجهة ارهاب نكرر أنه لا دين له.