من قاعة الاجتماعات بالطابق الأول في فندق شيراتون أديس أبابا، خرج الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس السوداني عمر البشير ورئيس الوزراء الأثيوبي هايلي ميريام ديسالين متشابكي الأيدي أمام عدسات كاميرات المصورين، بعد ساعتين ونصف الساعة جمعت الزعماء الثلاثة، في مباحثات مغلقة دامت ساعة و45 دقيقة، ثم جلسة موسعة حضرها أعضاء الوفود الثلاثة واستغرقت ساعة إلا ربعاً. السعادة علي وجوه الزعماء الثلاثة، بدت طبيعية، لم ترسمها اعتبارات دبلوماسية، وإنما كانت انعكاساً لنتائج المباحثات. أشد المتفائلين خارج القاعة من مسئولين ورجال إعلام، لم يكن يتصور أن تسفر القمة عن حدوث اختراق ملموس يبدد الأجواء غير المواتية التي ظللت دول حوض النيل الشرقي الثلاث، بعد الجمود الذي اعتري الدراسات الفنية. كل ما كان يأمله الجميع أن يؤدي التقاء القادة إلي تهيئة مناخ ودي يسهم في تحريك الجمود. ■ ■ ■ أمام القاعة.. استشعر الرئيس السيسي شغف رجال الإعلام، بالحصول علي أي معلومة عما جري في لقاء ال150 دقيقة. وعلي غير عادته في أعقاب الاجتماعات الرسمية.. تحدث الرئيس لرجال الإعلام من الدول الثلاث ووكالات الأنباء العالمية، قائلاً: »كونوا مطمئنين تماماً»، وكررها ثلاث مرات. ثم أضاف الرئيس: لا ضرر لأي أحد. مصلحة مصر هي مصلحة لإثيوبيا والسودان، ومصلحة إثيوبيا هي مصلحة لمصر والسودان، ومصلحة السودان هي مصلحة لمصر وإثيوبيا. هناك قادة يتحلون بالمسئولية اجتمعوا وتكلموا بصوت واحد، ونحن الثلاثة نتكلم كدولة واحدة. وسئل الرئيس: هل انتهت الأزمة؟ فرد قائلاً: لا توجد أزمة. كونوا مطمئنين. وعقب الرئيس البشير: مفيش أزمة. ■ ■ ■ من وسط الزحام.. غادر الزعماء الثلاثة المكان، وسط تهنئة الحضور. وسألت اللواء عباس كامل مدير مكتب الرئيس والقائم بأعمال رئيس المخابرات العامة: هل حققت المباحثات قدر النجاح الذي نراه؟ قال: كانت أكثر من إيجابية، بل رائعة، وكانت أجواؤها ودية للغاية. أمام المصعد كان يقف وزير الخارجية سامح شكري ووزير الري د.محمد عبالعاطي، استعداداً للمغادرة، فقد كان موكب الرئيس يستعد للتوجه إلي المطار. قال وزير الخارجية: ناقشنا القضايا العالقة في مسألة »سد النهضة» واتفقنا علي الإنتهاء من حسم المسائل الخلافية التي تعوق الدراسات الفنية في غضون شهر من الآن. أعادت عبارة الرئيس السيسي لشعوب مصر والسودان وإثيوبيا: »كونوا مطمئنين تماماً» للأذهان، ما قاله خلال مؤتمر »حكاية وطن» للمصريين عن سد النهضة: »اطمئنوا». هذا الرجل يعني ما يقول. ■ ■ ■ عشية القمة الثلاثية.. التقي البشير وديسالين في مباحثات وصفت بالإيجابية، وأكدا في بيان مشترك عقب المباحثات بأن البلدين يقطنهما شعب واحد له مصلحة واحدة. ليل السبت الماضي، وفي اليوم الأول لزيارته للعاصمة الإثيوبية، عقدت قمة مصرية سودانية بين الرئيسين، وظهر من تصريحات السفير بسام راضي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أن غيوم الشتاء التي اعترت علاقات البلدين قد تبددت. قال السفير راضي إن اللقاء اتسم بالمصارحة والمكاشفة وسادته الأخوة، وأكد الرئيسان علي خصوصية العلاقة بين البلدين الشقيقين والروابط التاريخية التي تجمعهما. وسألت الوزير سامح شكري عن أهم نتائج القمة الثنائية، فقال أنه تمت مناقشة جميع الموضوعات علي مسار العلاقة الثنائية وشواغل البلدين بكل صراحة، وتم الاتفاق علي تشكيل لجنة مشتركة تضم عدداً من وزراء البلدين للتعامل مع القضايا الثنائية وتجاوز أي عقبة قد تواجهها. وأضاف شكري أن عودة السفير السوداني إلي القاهرة ستتم قريباً. من الواضح أن القمتين المصرية السودانية، والسودانية الإثيوبية، ومن قبلهما قمة القاهرة بين السيسي وديسالين يوم 18 يناير الحالي، قد مهدت الطريق وهيأت الأجواء، لإنجاح القمة الثلاثية التي انعقدت أمس في مقر إقامة الرئيس السيسي بفندق شيراتون أديس أبابا. ومن واقع المشهد، وتصريحات الرئيس السيسي تحديداً، يبدو أن قضية »سد النهضة» عادت إلي مسارها المأمول، حيث لا ضرر ولا ضرار. وقبل مغادرته أديس أبابا.. قال الرئيس السيسي للصحفيين المصريين أن هناك لجنة علي أعلي مستوي وآلية شفافة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القمة.. وأضاف مجدداً: اطمئنوا. في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، سيجتمع وزراء الخارجية والري بالدول الثلاث في اللجنة رفيعة المستوي التي شكلها القادة الثلاثة للانتهاء خلال شهر من حسم المسائل العالقة في الإطار الفني التي تعترض الدراسات الفنية. توجيهات محددة صدرت من الزعماء، قوامها التأكيد علي المصلحة المشتركة وعدم الإضرار بأي دولة. وكلف الرئيس السيسي اللجنة رفيعة المستوي وكل الفرق التفاوضية بالالتزام بتوجيهات القادة، والتغلب علي أي عقبات في إطار الفهم الدقيق للمصلحة المشتركة. وتم الاتفاق علي تبادل الدراسات الوطنية التي وضعتها كل دولة بشأن »سد النهضة» لتكون إطاراً للفهم المتبادل وتحقيق مصالح الدول الثلاث، وأخذ مصلحة كل دولة في الاعتبار. ■ ■ ■ النجاح غير المتوقع للقمة الثلاثية، سبقه بأربع وعشرين ساعة، نجاح دبلوماسي في حكم المفاجأة، هو إجماع القادة الأفارقة علي اختيار مصر رئيساً للاتحاد الإفريقي في الدورة المقبلة الحادية والثلاثين التي تبدأ في يناير المقبل ولمدة عام. الخبر سار. منذ أربع سنوات كانت مصر وهي العضو المؤسس لمنظمة الوحدة الإفريقية، خارج الاتحاد الإفريقي. كانت عضويتها مجمدة. بهدوء.. استعادت مصر عضويتها بالاتحاد الإفريقي، في قمة مالابو بغينيا الاستوائية وشارك الرئيس السيسي في أعمال هذه القمة بعد 17 يوماً من توليه الرئاسة. علي مدي السنوات التالية، كانت مصر حاضرة في كل المحافل الإفريقية، وتعددت زيارات الرئيس السيسي إلي دول القارة، واستقبلت القاهرة رؤساء إفريقيا علي مدي أكثر من ثلاث سنوات مضت. وتولت مصر رئاسة لجنة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية المعنية بقضية المناخ، وكانت صوت أفريقيا في قمة باريس الدولية للتغيرات المناخية. كما انتخبت ثلاث مرات رئيساً للجنة الأمن والسلم الإفريقي، آخرها في هذه الدورة وترأس الرئيس السيسي مساء السبت الماضي اجتماع اللجنة بحضور 7 من القادة الأفارقة. ■ ■ ■ فكرة ترشح مصر لرئاسة الاتحاد الإفريقي كانت علي مكتب الرئيس منذ نحو 6 شهور، وزكاها الرئيس السيسي برغم ما تضيف إليه شخصياً من أعباء في المشاركة في المحافل القارية وكذلك المحافل الدولية باسم أفريقيا ابتداء من يناير المقبل. ومنذ نحو شهر، أجرت الخارجية المصرية في تكتم، اتصالات مكثفة مع دول الشمال الإفريقي التي تضم ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا بجانب »الجمهورية الصحراوية» التي تتولي عمادة دول شمال أفريقيا في الاتحاد الإفريقي. وقوبل المطلب المصري بالترشح لرئاسة الاتحاد بموافقة دول الشمال التي يحل عليها الدور في تولي رئاسة الاتحاد الإفريقي خلال الدورة المقبلة. وبينما كانت الجلسة المغلقة الأولي لقمة أديس أبابا الإفريقية منعقدة ظهر أمس بمشاركة الرئيس السيسي لمناقشة إصلاح هياكل الاتحاد الإفريقي إدارياً ومالياً، تسربت الأنباء عن اجماع القادة الأفارقة علي اختيار مصر لرئاسة الدورة المقبلة الحادية والثلاثين، وانضمامها في هذه الدورة إلي الترويكا الإفريقية التي تضم الرئيس السابق »تشاد» والرئيس الحالي »رواندا» والرئيس القادم »مصر». نجاح مصر في الحصول علي رئاسة الدورة المقبلة للاتحاد الإفريقي، واكب حصولها في ديسمبر الماضي علي رئاسة الدورة الحالية لمجموعة ال77+ الصين. ■ ■ ■ العام المقبل يشهد نشاطاً مصرياً واسعاً بعد تنصيبها رئيساً للاتحاد الإفريقي في قمة أديس أبابا القادمة خلال يناير المقبل. في ربيع 2019.. تستضيف مصر القمة الثانية لدول التجمعات الإفريقية الثلاث، بعد قمة شرم الشيخ الأولي التي انعقدت عام 2016. وتسعي مصر إلي استضافة القمة الإفريقية في منتصف 2019، التي جرت العادة علي عقدها في صيف كل عام بإحدي العواصم الإفريقية، بخلاف قمة أديس أبابا السنوية. ومن المقرر أيضاً أن تشارك مصر في قمة العشرين بوصفها رئيساً للاتحاد الإفريقي والتي ستنعقد باليابان العام المقبل. ■ ■ ■ المتأمل لنجاحات السياسة الخارجية والدبلوماسية المصرية خلال أقل من 4 سنوات مضت، يدرك قدر الجهد الذي بذل للخروج بمصر من حالة العزلة والتشرنق إلي مرحلة الانطلاق والتمدد.