لم أكن أعلم أن الأيام تمر هكذا سريعاً.. إن صوتها مازال في أذني هامساً بكل كلمات ومعان بسيطة جدا وجميلة جدا.. إنها مازالت تتكلم بكل بساطة وبلا تكلف وبتلقائية جميلة محببة كأنها تحكي حكاية بسيطة وصغيرة وقصيرة ولكنها مهمة جدا إنها تحكي حياتها.. وأقول في كتابي (سعاد حسني أيام الشهرة والألم) إنها كانت لا تخفي شيئا، بل تسترسل علي سجيتها ولا تخفي شيئا أبداً، وكأنها تكلم صديقة لها مع إنها كانت تقابلني لثالث مرة ولكنها لا تستطيع أن تكون غير سعاد حسني تتكلم ببساطة وبتلقائية وكأنها تكلم صديقة لها. وأكتشف أنها هكذا مع كل الناس لا تستطيع أن تخفي شيئا. إنني أتحدث عنها كأنها موجودة بيننا وكأنها لم ترحل وكأنها مازالت هي هي سعاد بتلقائيتها وبساطتها وحبها للحياة والناس. كانت تحكي لي عن حياتها مع زوج أمها وكيف كانت تحمل لها ألما لم تستطع أن تخفيه عن إخوتها، كانت تحكي لي أنها لم يهمها أن تكون مشهورة بقدر أن تكون محبوبة، كانت تحكي لي أنها لم تقبل أي دور لم تحبه.. كل دور مثلته كانت تجد جزءا من نفسها فيه. لم تخف عني ألمها حينما حاصرها الألم والحياة الصعبة والشهرة العريضة. لم تكن تحب أن يناديها الناس إلا باسمها سعاد حسني، ولم تكن تري أنه يمكنها أن تعيش باسم أو بوجدان آخر. كانت تحكي لي عن أيام الشهرة وأنها مليئة بالألم ولم تكن مليئة بالسعادة. كانت سعاد ويصعب عليَّ أن أقول كانت، فقد ماتت صغيرة ولم تتخط الخمسين إلا بقليل ولكن أعتقد أن هذا العمر كان كافيا جدا لأنها عاشت الألم بعينه وعاشت الشهرة مع الألم شيء بغيض يكاد يزهق الروح وهي عاشت عمرها بلا دموع، كانت تضحك ولا تبكي ويبدو أن البكاء كان يريح البشر بعض الشيء ولكنها كانت تضحك في وجه الناس لأنها تعتقد أن الإنسان لابد أن يخفي مشاعره حتي لا يضايق الآخرين. رحم الله سعاد حسني، لقد عاشت لغيرها ولم تعش لنفسها أبداً. والرحمة للميت والحي أيضا، لأن سعاد مازالت حية بيننا بفنها وشخصيتها الآسرة التي اجتمع عليها ليس المصريون فقط، ولكن كل العرب أيضا، ولقد تذكرت بعض كلمات سعاد لي حين كتبت مذكراتها، وأريد أن أشركك عزيزي القارئ معي في ذكرياتي: اعتراف: »طفولتي كانت لحظات ألم» قلب مفتوح: »عبدالحليم في حياتي فوق خط الحب»، »تعلمت من عبدالحليم أن الفن ذكاء». حب: »علي بدرخان.. رقيق جدا.. حازم جدا.. عنيد جدا». ثقة: »حينما بدأت لم أذكر أني شقيقة نجاة». فضل: »صلاح جاهين أبي الروحي، وأعطاني دائما دفعة قوية»، وبعد، كثيراً ما أحسست أثناء حواري معها، أن سعاد ابنتي، رغم فارق السن الصغير، وربما وصل إليها هذا الإحساس، فقد قالت لي مرة: »انت شكل ماما وأدتيني البروفيل.. زيها بالضبط !» وأخيرا أقول: كل سنة وانت طيبة يا سندريللا.. فيوبيلك الماسي يحل خلال أيام وأنت تضيئين حياتنا حتي الآن.