لا شك أن القرار الظالم الجائر الذي أصدره الرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل إنما هو قرار جائر وظالم ومجحف بحق أمتنا ومقدساتنا، وقد تأصل هذا الظلم وتعمق باستخدام الفيتو الأمريكي ضد مشروع القرار الذي تقدمت به مصر بشأن القدس، وفي الوقت الذي نسجل فيه تقديرنا للتحرك المصري والموقف المصري نؤكد أن القدس عربية وستظل عاصمة لفلسطين العربية، وهذا موقفنا الثابت والذي نلقي الله عليه ونعمل بكل ما وسعنا من جهد وإمكانات لتحقيقه، وهو ما أكدته منابرنا علي مدار جمعتين متتابعتين في جميع مساجد مصر وما اعتمدناه استراتيجية دعوية ثابتة، كما أعلنا عن اعتماد مقرر دراسي في جميع مراكز الثقافة الإسلامية بالأوقاف يطبق من الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي الحالي. علي أن هذا القرار الجائر الظالم يجب أن يوقظ الأمة من سباتها، وأن يضعها أمام مسئولياتها واستشعارها مجتمعة لحجم التحديات الجسام التي تواجهها، وبما ينبغي أن يكون حدًا فاصلا بين مرحلتين، الأولي : مرحلة الضعف والتفتت والانكسار وقد آن لها أن تَدْبر وتولّي، والأخري : مرحلة البناء والعزة والنصر وهي القادمة إن شاء الله تعالي، لأن الأمة لم تتوحد لعقود مضت مثلما توحدها قضية القدس الآن، فهذه الأمة قد تمرض ولكنها لا تموت ولن تموت أبدا بإذن الله تعالي، وستعود قوية عزيزة بالجهد والعمل والعرق ووحدة الصف. وستظل مصرنا الأبية درع الأمة وسيفها وحصنها المنيع الذي تتحطم علي صخرته أطماع المتربصين بقضايا أمتنا، وستظل أكبر داعم للقضية الفلسطينية والحفاظ علي مقدساتنا، شاء من شاء وأبي من أبي. ونؤكد أن اتخاذ أي خطوات تجاه انتقاص حقوق أمتنا وسيادتها في القدس مسجدًا أو مدينة إنما يغذي العنصرية والتطرف والإرهاب، ويولد كراهية وأحقادًا ربما لا يمحوها الزمن تجاه العدو الصهيوني وكل القوي الداعمة له في محاولة بسط سيادته علي القدس، ويدفع إلي جنوح نحو التطرف لا يمكن أن يقف خطره عند حدود منطقتنا. ومن ظن أن أمتنا يمكن أن تفرط في أرضها أو مقدساتها فهو واهم، فالأقصي في أعماق وجدانها، فهو أولي القبلتين، وثالث الحرمين، ومَسري النبي محمد (صلي الله عليه وسلم) ومعراجه إلي السماوات العلي، ولا تشد الرِّحال بعد المسجدين إلا إليه، حيث يقول النَّبِيّ (صلي الله عليه وسلم) : (لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَي ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ (صلي الله عليه وسلم)، وَمَسْجِدِ الأَقْصَي)، وصلاة فيه خير من خمسمائة صلاة فيما سواه عدا المسجدين المسجد الحرام والمسجد النبوي، وقد بارك الله عز وجل فيه وحوله، وقال سبحانه : »سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَي الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»، وفي ذلك توجيه للمسلمين بأن يعرفوا منزلته، ويستشعروا مسئوليتهم نحوه فهو خط أحمر لا يجوز المساس به ولن يُسمح بذلك. وإن قرار إعلان القدس عاصمة لإسرائيل يخالف كل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية ويزيدنا إصرارا وتمسكا بحقوقنا المشروعة بالقدس عاصمة لدولة فلسطين العربية، والحقوق الثابتة لا تسقط بالقرارات الأحادية الجائرة، غير أن الظلم والطغيان يفتح أبواب العنف والكراهية ويغذي التطرّف والإرهاب ولا يخدم السلام العالمي الذي نسعي إليه، مؤكدين أن حقوق الأمم والدول والشعوب لا تسقط بالتقادم ولن تسقط إن شاء الله، وستسترد أمتنا كامل أرضها وحقوقها ومقدساتها طال الزمن أو قصر، ونأمل أن يكون ذلك بأيدينا لا بأيدي غيرنا »وما ذلك علي الله بعزيز». غير أن الأدهي والأمر والأخبث هو ذلكم التوقيت الذي صدر فيه هذا القرار الجائر الظالم الذي استغل ما أصاب كثيرًا من دولنا العربية من تفكك وتفتت وضعف بفعل الإرهاب الأسود الذي صنعه أعداؤنا من الغزاة المستعمرين الجدد لتحقيق أهدافهم ومطامعهم في منطقتنا، لإعلان هذا القرار الظالم الجائر، ولا أظنها مصادفة أن يتوافق ذلك مع مرور مائة عام علي وعد بلفور المشئوم، كما لا أظنها مصادفة أن يأتي هذا الإعلان في هذا التوقيت ليشغل الرأي العام العربي والإسلامي والإعلامي عن نقل فلول وبقايا ومقاتلي وكتائب الإرهابيين من سوريا وغيرها إلي حدودنا لتهديد أمننا واستقرارنا، ولكن نقول لهم هيهات هيهات، إن مصر التي تحطمت علي أسوارها وحصونها أحلام التتار والغزاة والمستعمرين قديمًا وحديثًا ستتحطم علي أبوابها أحلام وأوهام المخططين لتفتيت منطقتنا وإفشال دولها بمشيئة الله تعالي، وكما كان في ثبات مصر وصمودها منطلقًا لإعادة بناء الأمة العربية بعد سقوط أكثر دولها في أيدي التتار، وكما كان دورها عظيمًا في دعم حركات الاستقلال والتحرر من ربقة الاستعمار في العصر الحديث؛ فإن صمود مصر ونهضتها وتقدمها سيكون باعثًا لنهوض كثير من دول منطقتنا من عثراتها وإعادة بنائها وإعمارها بإذن الله تعالي.