تحديد تعريف بعض المصطلحات يضبط التعامل معها، فعندما أثيرت قضية زراعة الأعضاء البشرية في التسعينيات من القرن الماضي، أحيطت بلغط كبير وبخاصة فيما يتعلق بنقل الأعضاء من متوفي إلي حي، حيث اختلف المعنيون بهذا الموضوع بتعريف الموت، حيث راح البعض يقول إن الموت الإكلينيكي موت كامل، لأنه إذا تم نزع الأجهزة من جسد المريض، سيموت فورا، ثم ظهرت حالة ولادة لسيدة كانت حاملا وأصيبت بغيبوبة وموتٍ إكلينيكي، وتم وضعها علي الأجهزة الطبية من تنفس وتغذية بمحاليل وتقوية لضربات القلب وما شابه ذلك، وعند موعد الولادة وضعت طفلة كاملة النمو، وبصحة جيدة! فانقلبت الموازين، ولم يجرؤ أحد بعد هذه الواقعة الربانية، أن يصف الموت الإكلينيكي بأنه موت كامل، فكيف يمكن لميتة أن تلد! وبناءً علي ذلك خرس من كانوا يريدون أن يتاجروا في أعضاء الذين يدخلون في غيبوبة. وأعتقد أن ظاهرة الفساد التي انتشرت، والتي من وجهة نظري هي سبب كل المصائب والكوارث، وأي شيء ضار بالبلد وبأولاد البلد.. هي نتيجة طبيعية لعدم وضع تعريف قانوني للفساد. البعض يذهب إلي أن الفساد يقتصر علي أن يقوم شخص بسرقة أموال، أو يختلس عهدة أو أي شيء يتعلق بالمادة.. ولكن مفهوم الفساد أوسع بكثير من ذلك، فالتقاعس عن العمل فساد، والترقية دون وجه حق فساد، وعدم الالتزام بقواعد ونظام العمل فساد، والتجاوز في استخدام السلطات فساد، وإصدار قرار غير مناسب وغير مدروس فساد، والتستر علي أي خطأ فساد، وعدم قول الحق فساد، ونشر الشائعات فساد، والأخبار الكاذبة فساد، واستخدام النفوذ سلطة أو مالا فساد، وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب فساد، وإلقاء القاذورات في الشارع فساد، وترك العمل أثناء فترة العمل الرسمية فساد، وعدم الالتزام بإشارة المرور فساد، والإصرار علي ركوب المصعد فوق الحمولة فساد، والتجاوز في السرعة أثناء القيادة فساد، والإهمال فساد، والغش في الإنتاج أو في أي شيء فساد. إذن فكل ما تقوم به ويضر الآخر هو فساد، وقد تكون هناك صور للفساد يجرمها القانون، ولكن ليس علي أنها فساد، ولكن بمسمي آخر "كمخالفة" أو "شهادة زور" أو "تكدير الرأي العام". ولكن هناك صورا أكثر لا يجرمها القانون ويعتبرها سهوا أو خطأ غير مقصود، فتتفاقم، وتتعاظم ويترتب عليها كوارث. أطالب بوضع تعريف محدد جامع مانع للفساد، لا يفرق بين مخالفة واختلاس، فكسر الإشارة قد يؤدي إلي إزهاق روح وهي أغلي من كنوز الدنيا.. والمتهم إن كان واحداً أو أكثر في حادث تصادم قطاري الإسكندرية الذي أودي بحياة 49 وإصابة أكثر من مائة لن يحكم عليهم القاضي بأكثر من 10 سنوات؛ لأن القانون يغل يده عن إصدار حكم بإعدامهم، وهذا ما شاهدناه في حوادث القطارات السابقة، ففي حادث البدرشين الذي قُتل فيه 18 مجندا وأصيب 118، السائق طلع براءة، وفي حادث منفلوط الذي قُتل فيه 50 طفلا، عامل المزلقان المخطئ حكم عليه ب10سنوات فقط، وفي حادث قطار دهشور حكم علي سائق القطار المخطئ ب3سنوات فقط في دهس 29 شخصا، وفي حادث قطار الصعيد الذي راح ضحيته 361 شخصا كل المتهمين طلعوا براءة، وفي حادث قطار قليوب كان الحكم السجن عاما علي 14 موظفا بهيئة السكك الحديدية بعد إدانتهم بقتل 66شخصا. القانون يغل يد القضاة.. والحل هو وضع كل المهملين والذين تتسبب أخطاؤهم في الإضرار بالآخرين تحت طائلة الفساد وتوقيع أقصي عقوبة عليهم ليكونوا عبرة للآخرين، فكل شخص يجب أن يتحمل نتيجة فشله وخطئه. المجتمع لن ينصلح حاله إلا بعد أن يقوم كل شخص بواجبه علي أكمل وجه، وإذا كان اليابانيون ينتحرون عندما يخطئون، فإن ديننا يمنعنا من القيام بهذا السلوك، ولكنه لا يمنعنا من تغليظ العقوبة علي كل مهمل ومقصر مهما كانت درجة تقصيره. آخر كلمة معظم النار من مستصغر الشرر