أصفون المطاعنة قرية ذات امتداد عريق منذ العصر الفرعوني وصولا للفتح الاسلامي الذي كانت به قبلة للعلماء، وواحدة من مراكز العلم البارزة في صعيد مصر ، حصل منها ابن بطوطة وغيره علي العلم ، بها من الأثار الإسلامبة والفرعونية خلدت في كافة الكتب عبر كل الأزمنة ، وقد حظيت قرية أصفون المطاعنة علي الدوام بتأثير ثقافي واجتماعي وسياسي يفوق كثيراً حجم سكانها. فقد وقّع أهل أصفون عريضة أُرسلت لوفد سعد يعلنون فيها دعمهم لمطالبه وتأييدهم لثورة 1919، وأنجبت قرية أصفون - المطاعنة وزيراً للخارجية وقادة للاسلحة بالجيش المصري، ولم تبخل يوماً بتقديم الشهداء والأبطال في كل معارك الوطن، كما لم تتوقف لحظة عن انجاب عالم الأزهر والقاضي الشرعي والعالم الفذ والمثقف الجاد والأكاديمي البارز. وحظيت بتمثيل شبه دائم في برلمانات مصر المتعاقبة وربما كانت القرية الوحيدة التي مُثلت بثلاثة نواب في برلمان واحد في أكثر انتخابات مصر هذه مقدمة كان لا بد منها .. لنعرّف بالقرية .. وليدرك من يقرأنا أننا لا نتحدث عن كياناً مستحدثاً أو امتداداً عشوائياً بل عن جزء أصيل من تاريخ مصر وتطورها، ولأنها كذلك، فإن حالها شاهدٌ على حال مصر عموماً ، دروب أصفون العريقة تعيش قرية أصفون المنكوبة على شبكة لمياه الشرب منذ السبعينات لكنها تهالكت تماما الآن فلم تعد تفي بحاجة أكثر من 40 الف نسمة ، وكانت النتيجة غرق ثلث مساحة القزية على الاقل ، طفو المياه بمئات المنازل، (50 سم في بعض المناطق) ، تهديم أكثر من 17 منزل، وتهجير سكانها ، إخلاء عشرات الاسر لمنازلهم اما بسبب الانهيار فعلياً او خوفهم من حدوث ذلك في أي لحظة ، إخلاء عشرات الأسر من الدور الارضي إلي الادوار العليا ، استمرار عشرات الأسر في الحياة في ظروف غير آدمية لقلة الحيلة، تركيب بعض الأسر القادرة لما يسمى "ياسون" لطرد المياه لباطن الأرض بتكلفة عالية، رفع بعض الأسر القادرة لمنازلهم لمستوى أعلى وبقاء الازمة تهددهم في اي وقت ، و الأمر لم يقف عند هذا الحد ، مشكلة الشبكة المتهالكة تحوّلت الى كارثة محققة باختلاط مياه الشرب بمياه المجاري. وسجلت الاصابة بفيروس سي والالتهاب الكبدي والفشل الكلوي نسبة تصل من 30% الى 40% بين الأهالي حسب تأكيدات المهتمون بالأمر، كما تجتاح القرية موجات اعتيادية من مرض الحمة التيفودية العتيق! لم يكفوا الأهالي منذ سنوات طويلة عن الشكوى، وطرقوا جميع الأبواب الممكنة مطالبين المسئولين بإنقاذهم من كارثة تحصد أرواحهم ، تمكنوا أخيراً من إدراج القرية ضمن المرحلة القادمة (5-6) لمشروع الصرف الصحي. المشروع الذي يجري العمل بمرحلته الحالية (4) في مركز اسنا منذ 15 عام ولم ينتهي حتى الآن! جمع الأهالي في 2014 مبلغ 600 الف جنيه، واشتروا قطعة أرض خصصوها للمشروع، وهم مستعدون لجمع المزيد من التبرعات، وبذل المزيد من الجهد ولكن ماذا لو بدأ المشروع غداً ؟ هل يمكن للأهالي احتمال الكارثة 15 عام اخرى ؟ مَن مِن ال 40 الف مواطن سيبقى على قيد الحياة ليحظى بفرصة أن يحكي لأحفاده حكاية الالتهاب الكبدي والفشل الكلوي الذي اجتاح قري مصرية وحصد ارواح شبابها في بدايات القرن الحادي والعشرين، كما حكي لنا أجدادنا عن اجتياحات الكوليرا والملاريا وحصادها لأرواح أهل القرية في بدايات القرن العشرين؟ وأخيرا لا يدري الأهالي كيف تُسمع أصواتهم لمسئول أعلى من رئيس مجلس مدينة لا يملك صلاحية توجيه الموازنات، ولا يفهمون كيف لمحافظ أن يقبل الاستمرار في منصبه محافظاً على شعب من المرضى والمنكوبين، ولا يعنيه غير تأمين الولاءات السياسية ، وكيف ينتظر بذل الجهد من شباب يواجهون مخاطر موت محقق في كل لحظة.