إن ما أثارني فيحكاية تعرض فتاتي عربة »الهامبورجر» لهجمة شرطة المرافق في إطار تفعيل القانون في دولة سيادة القانون.. ليس في اهتمام مجتمع التواصل الاجتماعي أوتدخل الرئيس من أجل ايجاد حل لقضيتهما علي هامش مؤتمر الشباب بالاسماعيلية.. وأنما الذياثارني بحق هو إصرار الفتاتين علي اقتحام سوق العمل الخاص البسيط سعياً إلي كسب لقمة العيش الشريفة والكريمة. هذه المبادرة الشبابية الرائدة تتماشي وتتجاوب مع العديد من المقالات التي كتبتها ومازلت أواصل الترويج لمضمونها بأن لا حل لمشاكل مصرالاقتصادية إلا بإقبال الشباب عليالعمل وبذل الجهد والعرق بحثا عن لقمة العيش واثبات الذات. لابد ان يدرك هذا الشباب وعلي ضوء التجارب في الدول المتقدمة ان كل مشروع كبيرسواء كان صناعيا أو خدمياً بدأ فردياً صغيراً. أي مبادرة بهذه الصورة تحولت بالعزيمة والاصرار والفكر الخلاق والايمان بقدسية وتعاظم الجهد إلي مصنع عملاق أو شركة كبيرة تمتد شهرتها إلي كل مكان. في هذا الاطار فإن علي الدولة رعاية مثل هذه المشروعات التي تتم بمبادرات فردية وتشجيعها. يمكن أن يتم ذلك من خلال تخصيص مواقع علي أسس تخطيطية وجمالية وبما لا يتعارض مع القوانين أو النظام العام. في هذا الشأن كان قد سبق لي الاشارة الي أن النهضة الهائلة للدولة الالمانية صناعياً واقتصادياً والتي تحظي دوماً باعجابنا كمصريين.. كانت ومازالت وليدة هذا الفكر الخلاق القائم علي الجهود الفردية. النجاح والتقدم لهذه المبادرات يرتبط بشكل بتوافر الجرأة والعزيمة والاصرار والانضباط. ان الشاب الالماني الذي يعيش الطموح والرغبة في حياة كريمة راغدة لا يهتم حتي وبعد حصوله علي أي شهادة جامعية بنوعية العمل الذي يمارسه عن هواية وأنما يتركز اهتمامه علي قيمة هذا العمل وما يمكن أن يحصل عليه من عائد مادي. ان سنده في الاجادة والتجويد هو أن طموحه لا يقف عند حد وأن لا عائق لايمانه بامكانية الارتقاء والتطور وصولا لتحقيق آماله وأحلامه. هذا الفكر وهذا السلوك المتغلغل في هذا الشاب الالماني هو محور الخلاف بينه وبين الشباب المصري والذي ينتهي بتجسيد الخلاف بين ألمانيا ومصر. هذا المثل الالماني الرائع لم يعد هو وحده الغاية الآن وانما امامنا شباب الصين وكوريا الجنوبية وكل دول جنوب شرق آسيا الذين تحولوا الي نمور اقتصادية وصناعية من خلال البذل والعطاء الشبابي. ان الناتج لهذا الجهد الشبابي وبرعاية الإدارة الحكيمة للدولة كان وراء ما حققته هذه الدول من تقدم وارتفاع في مستوي المعيشة. إن التوصل إلي الرخاء والازدهار لايتم ولا يتحقق بالخطب والشعارات والطبطبة والنفاق لدور الشباب وتفنن الدولة في تدليلهم.. ولكن هذا الهدف يتحقق بخوض هذا الشباب لكل ميادين العمل والانتاج بلا حظورات أو فكر يقوم علي المظهريات والجمود المجتمعي. يجب ان يعلم هذا الشباب ويدرك أنه لن يصل إلي ما يذهب إليه خياله من أحلام من خلال الجلوس في المقاهي فيانتظار ان يحمل إليه »بابا نويل» ما يأمله ويتمناه. هذه الثقافة لابد ان تتغير وتتبدل من خلال نظم التعليم ومؤسسات الاعلام والسينما التي عليها استعادة فلسفة الافلام القديمة التي تدعو إلي تقديس العمل والتي كان الفنان حسين صدقي رائداً فيها. إذا كنا حقاً نحب مصر حقيقة ونسعي لحياة أفضل لابنائنا فإنه لا أمل ولا وسيلة لتحقيق ذلك بترديد الأغاني والشعارات التي ثبت أنها بلاجدوي.. وأنما يجب علينا جميعاً أن نعمل علي تغيير اسلوب حياتنا وسلوكنا وفكرنا ونشارك في الدعوة إلي تبني الإيمان بالعمل والانتاج والترويج لكل مايساعد علي تبني هذا التوجه. علينا ان نعظم بأن الصغير لابد أن يكبر بالعزيمة والثقة والإصرار ويحقق العائد المأمول علي اساس أن لكل مجتهد نصيباً.