عندما أدي الفنان الرائع والممثل العملاق عزت العلايلي شخصية الملك خوفو قلت إنه إذا كان هناك دليل واحد يثبت ما كتبه الراحل العظيم أنيس منصور عن تناسخ الأرواح فهو عزت العلايلي الذي لبس شخصية خوفو أو لنقل أن روح الملك قد حلت في جسد العلايلي ليحكي لنا قصة أعظم زمن من حضارة مصر.. زمن الإنجاز المعجز والانطلاقة الحضارية غير المسبوقة. قام العلايلي بدور الملك خوفو المأخوذ من رائعة الأديب العالمي نجيب محفوظ »عبث الأقدار» والتي استندت علي أحداث البردية الفرعونية الشهيرة »وستكار» والتي وردت بها قصة خوفو والسحرة. أعاد محفوظ تخيل أحداث زمن بناء الهرم الأكبر وكأثري قمت بمراجعة كل تفصيلة كتبها محفوظ ولم أستطع أن أجد هفوة واحدة يمكن أن نأخذها عليه! وقد أسند إخراج العمل إلي خالد بهجت وكتب السيناريو محمد الغيطي؛ وقد فوجئت بالعلايلي يقول لي علي الهاتف إنه لن يقوم بالدور إلا بعد أن أقوم أنا بمراجعة السيناريو وإبداء الرأي العلمي فيه! وبالفعل ونزولا علي رغبة صديقي العزيز قمت بالمراجعة وطلبت أن يتم إسناد الديكور والملابس للفنان المبدع محمود مبروك. وكنت أتواجد يومياً أثناء التصوير وأجمل ما شاهدته لحظة دخول خوفو (عزت العلايلي) داخل الهرم ليتحدث عن كتابه الذي سوف يتركه للأجيال القادمة. أتمني أن يعاد عرض هذا المسلسل مرة ثانية لكي نري عظمة بناة الأهرام وعظمة فنان مبدع استطاع أن يتربع علي عرش السينما المصرية بأدوار يستحيل أن يؤديها غيره نذكر منها السقا مات؛ الأرض؛ التوت والنبوت؛ الطوق والأسورة؛ المواطن مصري. وهو من الفنانين القلائل الذين يقومون بعمل دراسة شاملة حول الشخصية التي سيقومون بها وبالطبع تأتي تلك الخطوة بعد الاقتناع التام بالعمل الذي سيظهرون به احتراما وإعلاء لقيمة الفن ودوره في المجتمع. تمتد معرفتي بالفنان العظيم عزت العلايلي منذ اليوم الذي حضرت فيه العرض الأول لمسرحية »أهلاً يا بكوات» علي خشبة المسرح القومي؛ وقد كتبت عن العمل من قبل وقلت أخيراً ظهر علي خشبة المسرح القومي عمل يعيد للمسرح أمجاده بعمل محترم هادف وله رسالة مهمة للمجتمع وكان العمل ينتقد الأوضاع الجديدة الفاسدة بمجتمع مادي يستتر وراء عباءة المغالاة الدينية وانهيار التعليم وتحقير العلم في مقابل إعلاء الجهل وكان مشهد النهاية بعد العودة من عصر المماليك إلي الزمن الحديث والمنادي ينادي »تبرعوا لبناء مسجد في شبرا» من المشاهد العبقرية. بعدها توطدت صداقتي بعزت العلايلي وكنا نلتقي يوميا في رمضان لممارسة رياضة المشي قبل الإفطار وكان في بعض الأحيان ينضم إلينا العملاق الراحل محمود مرسي ويأخذنا الحديث في كل شئ سياسة؛ أدب ؛ فن؛ آثار. ولا أخفي سراً أنني كنت في أحيان كثيرة أندهش لآراء ونظريات العلايلي ومحمود مرسي التي لا تأتي إلا من خبراء متخصصين. ولاحظت أيضاً مدي عشق عزت العلايلي للفراعنة وخاصة اهتمامه بشخصية الملك أخناتون أول الملوك الموحدين من زمن الفراعنة؛ وأكاد أجزم أننا كنا سننبهر بأداء العلايلي لشخصية أخناتون لو كان قدر لهذه الشخصية أن تخرج إلي النور في عمل محترم. حصل عزت العلايلي علي العديد من الأوسمة والجوائز عن أدواره المتميزة ولكن يبقي أهم وسام علي صدره هو حب الناس وعشقهم لفنه في مصر والعالم العربي.