تداخلت كل تفاصيل الأشياء أمام عيني بينما ظهرت واضحة جلية تتصدر المشهد بقوة »راحوا الحبايب».. صدفة كانت أم تدبيرا من القدر.. لا أعلم.. لكنها بدت وكأنها صرخة عجز صاحبها عن كتمانها وآثر أن يصل صداها للجميع فترغمهم علي الإنصات لها.. ثبتها بإحكام علي سيارته مثلما يفعل أصحابه في هتافهم الصامت الواشي بهمومهم وأوجاعهم وتهكمهم وحكمة السنين ..لكنه كان أكثر شجنا وألما وحزنا.. مثلما حالي الآن وأنا أتوقف أمامها.. كنت في طريقي لوداعها الأخير.. أكاد أصرخ مثله »راحوا الحبايب».. أقف عاجزة بينما أنظر لوجهها الصامت ..أحتضنها بقوة تخيلت للحظة أن قربي ووجودي سيهب لقلبها الحياة.. أدفن رأسي وأرهف السمع أكاد أشعر بالنبض أنظر إلي وجهها فأفيق من وهمي ويطعنني المصير »راحوا الحبايب».. أهرب إلي صورتها النابضة بالحياة تتداعي بوجهها الممتلئ حبا وحنانا وطيبة.. أكاد أسمع صوتها.. تطمئنني. تزيل همي.. تمسح أحزاني.. تحيل دمعي ضحكات مجلجلة.. تضمني بفرحة.. أبوح لها بأسراري.. تحفظ تفاصيلي.. تقرؤني من صوتي فتدرك ألمي، فرحي، شقائي، أحلامي، تشاركني إياها بقلب لا يعرف الكلل.. الخالة والدة كما يقولون وهي أصدق مثال علي صدقهم.. أُما كانت وصديقة.. أمي التي لم تنجبني لكنها من اختارت اسمي وأول من حمل ابنتي.. أمي التي ورثت عنها سمات أكثر مما ورثته عن أمي التي حملتني.. ورثته من جينات حبها الفريد الذي تكنه أمي لها.. كانت الأقرب والأحب والأثيرة لقلبها.. »راحوا الحبايب» وتركوني.. أعود واحتضنها بقوة مرة ومرات وفي كل مرة أحملها رسالة.. إحداها إلي أمي وأخري لجدتي وثالثة لأبي أتخيل لقاء أرواحهم فرحتهم سكينتهم نعيمهم في دار خير من دارهم لا مكان فيها لظلم أو قهر أو عجز أو مرض.. أدعو لهم بالرحمة والمغفرة والفوز بالجنة ورضا الرحمن.. أتوقف عن الدعاء لأحتضنها أخيرا أطيل كثيرا علّي أشحن نفسي بدفء عله يكفيني ما تبقي لي من عمر ويحميني من قسوة الأيام بعد رحيل الأحباب.