مَرَّت مصرنا الغالية بالعديد من مراحل العبور إلي بر الأمان، غير أن العبور الأكثر شهرة والذي يذهب إليه الذهن للوهلة الأولي هو عبور خط بارليف في السادس من أكتوبر 1973م الموافق العاشر من رمضان 1393ه. أما ما يمكن أن نطلق عليه العبور الثاني فهو العبور بمصر إلي بر أمان جديد في الثلاثين من يونيه 2013م بعد أن اختطفت جماعة الإخوان الإرهابية الوطن وحاولت توظيفه لصالح تنظيمها الإرهابي الدولي وخدمة أهدافه ومصالحه، فقيض الله لمصر ابنًا بارًّا من خيرة أبنائها هو السيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي الذي لبي نداء الشعب والوطن معًا حاملاً روحه علي كَفّهِ فداءً لهذا الوطن، فسدد الله خطاه ووفقه لإنقاذ هذا الوطن من براثن الجماعة الإرهابية الغادرة ومكرها الخبيث. أما العبور الثالث الذي نحتاج إليه ويجب أن تتضافر الجهود من أجله ولا يقل أهمية عن العبورين الأولين، بل إنهما لا يكادان يكتملان إلا به، فهو العبور بالوطن اقتصاديًّا في مواجهة التحديات وكل محاولات الحصار الاقتصادي من الخارج واصطناع الأزمات أو العمل علي تأجيجها من قبل الخونة والعملاء أنصار الجماعة الإرهابية ومن يدورون في فلكهم من المأجورين والمستخدمين في الداخل، وهذا العبور العظيم يحتاج إلي تضافر الجهود في العمل والإنتاج والإتقان، والصبر والتحمل وترشيد الاستهلاك، والوعي بالمخططات التي تستهدف إسقاط الدولة أو إرباكها، وأن نكون يدًا واحدة في مواجهة الفكر الإرهابي والجماعات الإرهابية فوحدة الصف سبيل النجاة، حيث يقول الحق سبحانه : » وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَي شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ » (آل عمران : 103-105)، ويقول سبحانه : »وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ » (الأنفال : 46)، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : » الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ » (صحيح البخاري)، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) » مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَي مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَي لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّي » (رواه مسلم). كما يجب أن نكون علي وعي تام بحروب الجيل الرابع التي تقوم علي عمل كتائب الجماعات الإرهابية لنشر الفوضي والشائعات والأكاذيب والمغالطات وقلب الحقائق دون وازع من دين أو خلق أو ضمير إنساني حي، وأن نعد شبابنا الوطني علي مواجهة هذه التحديات الإلكترونية بتسليحهم بالعلم والخبرة اللازمة في هذا المجال باعتباره واحدًا من أكثر وسائل الاتصال تأثيرًا وبخاصة لدي الشباب. العبور الجديد يتطلب أن نعي مسئولياتنا جيدًا علي مستوي الأفراد والهيئات والمؤسسات، وأن نعمل علي الوفاء بها وإنجازها علي الوجه الأكمل والأمثل، وبأقل كلفة ممكنة، وبروح وطنية متدفقة متأهبة للعطاء والإسهام في صناعة العبور الجديد. العبور الجديد يتطلب أن نعمل جميعًا علي كل المستويات علي تحقيق العدالة في جميع جوانب حياتنا، وأن يتم تمكين الكفاءات وبخاصة الكفاءات الشابة، والذي يُعد المؤتمر الوطني الأول للشباب الذي عُقد بمدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوبسيناء خطوة جادة في اتجاه تمكين الشباب من المشاركة في القيادة والإسهام فيها بصورة فعالة. وأثناء عودتنا من هذا المؤتمر وعلي متن طائرة مصر للطيران في طريقنا إلي القاهرة كان حديثي مع السيد/ طارق عامر رئيس البنك المركزي حول ما يمكن أن يسهم في تحقيق هذا العبور الثالث، فأكد لي من واقع تجربته وخبرته الطويلة أننا في حاجة إلي العبور نحو تحقيق الكرامة الوطنية والاستقلال الحقيقي ونحن ماضون بقوة في هذا الاتجاه في ظل السياسة الوطنية الحكيمة التي ينتهجها السيد رئيس الجمهورية، غير أننا جميعًا ينبغي أن ندرك أن هذا الاستقلال وتلك الكرامة الوطنية إنما يحتاجان إلي ثمن من الصبر والتحمل والتضحية وقوة الإرادة، وأن يتحول المجتمع كله إلي طاقة هائلة متدفقة عملاً وإنتاجًا، مع ترشيد استهلاكنا حتي نحقق التوازن في المعادلة الاقتصادية علي النحو الذي يؤهل مجتمعنا لمزيد من التقدم والازدهار وهو ما نؤمله بإذن الله تعالي ثقة فيه سبحانه ثم في عزيمة المصريين في القريب العاجل إن شاء الله » وَمَا ذَلِكَ عَلَي اللَّهِ بِعَزِيزٍ». ولا شك أن أي اقتصاد إنما يقوم علي عنصرين أساسيين، هما زيادة الإنتاج وترشيد الاستهلاك، وقد حثنا ديننا الحنيف علي الأمرين معًا، فقال سبحانه في شأن ضرورة السعي والعمل : » فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» (الملك : 15)، وقال سبحانه : »فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَي جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا » (النساء : 103)، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »مَنْ أَمْسَي كالًّا مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ أَمْسَي مَغْفُورًا لَهُ» (المعجم الأوسط)، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتي يغرسها فليغرسها» (رواه أحمد)، ويقول عليه الصلاة والسلام : » مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» (صحيح البخاري)، وفي جانب ترشيد الاستهلاك يقول الحق سبحانه : » وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ » (الأعراف : 31)، ويقول سبحانه : » وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا» (الإسراء : 26-27).