رغم الأزمات الشديدة التي تعاني منها مصر في الوقت الراهن من بطالة وانقطاع كهرباء ونقص السولار وربما تصل لانعدام المياه ، إلا أنه على ما يبدو أن هذه المشاكل لا تمثل أولويات لمجلس الشورى الذي بيده السلطة التشريعية في البلاد ، رغم أن تلك المشاكل تعتبر جوهرية مقارنةً بموضوعات أخرى يتطرق إليها المجلس . وكالعادة كلما يقوم مجلس الشورى بمناقشة أحد الموضوعات أو عرض بعض الآراء لابد أن يثير حالة من الجدل ربما لعدم أهمية هذا الموضوع مقارنة بأشياء أخرى ، أو يكون الموضوع في حد ذاته محل خلاف مثل قانون السلطة القضائية . وهذا ما حدث بالفعل عندما قام نائب بالشورى بضرورة إلغاء فن الباليه وكأن هذا هو الشغل الشاغل والذي أصبح من أولويات الشورى رغم ما يعانيه الشعب المصري من مشاكل كثيرة، ، فمن الواضح أن النواب لا يرون المخاطر التي تحيط بنا ويبحثون خطر فن الباليه. فقد طالب دعا النائب جمال حامد عضو مجلس الشورى (الغرفة الثانية من البرلمان المصري) عن حزب النور الذراع السياسي للدعوة السلفية، خلال اجتماع للجنة الثقافة والإعلام والسياحة بالمجلس، إلى ضرورة إلغاء فن الباليه من مصر، معتبراً إيّاه "فن العُراة الذي ينشر الرذيلة والفُحش بين الناس′′. وأضاف حامد "إنني لست ضد الفنون بشكل عام، ولكن فقط ضد العُري باسم الفن، وتحت شعارات ثقافية". ويتخذ عدد كبير من النواب والقادة الإسلاميين مواقف متشدِّدة إزاء الفنون والفنانين، حيث شهدت الساحة الإعلامية في مصر سجالاً بين فنانين ومعارضي الفن، بقدر ما شهدت الساحة القضائية دعاوى أقامها فنانون ضد قادة إسلاميين بتهم السب والقذف . الأكثر خطراً وتسبب ذلك في الهجوم على نواب الشورى ، حيث يرى مراقبون أنه من الأجدى بدلا من مناقشة هذا الموضوع أن يسارع مجلس الشورى بعقد جلسة استثنائية لبحث ما يجرى في إثيوبيا من تحويل مجرى النيل والذي يستدعى أن تجتمع الجهات المختلفة للبحث عن كيفية مواجهة هذا الأمر، خاصة أن قرار إثيوبيا بتحويل مجرى النهر جاء في أعقاب زيارة الرئيس مرسى لإثيوبيا. كما يرى المراقبون انه من الطبيعي أن تجتمع كل مؤسسات الدولة ومجلس الأمن القومي، وتتحرك الخارجية والدفاع والمخابرات لدراسة الأمر والرد عليه، هذا هو المتوقع من أي نظام سياسي، أن يتعامل مع الحدث بلا تهويل أو تهوين، ويخرج للناس ليشرح ويفسر ، بدلا من الموضوعات التي لا تسمن من جوع. لكن ما جرى أن مجلس الشورى لم يجد ما يغير برنامجه، بل إن نائب الشورى جمال حامد عن حزب النور ترك كل هذا ولم يجد فيما يجرى حول منابع النيل خطرا، وتفرغ للمطالبة بإلغاء فن الباليه، واصفا إياه بفن العراة الذي ينشر الرذيلة والفحش بين الناس. ويرى محللون انه يبدو أن نواب الشورى اكتشفوا اننا انتهينا من كل مشكلاتنا، وصعدنا إلى مصاف الأمم الكبرى والدول العظمى، والدليل أن الكثير من السادة النواب تركوا القضايا المهمة والعميقة وتفرغوا لفتح مناقشات هزلية وعبثية تشبه ما كان البيزنطيون يناقشونه، قبل أن يجتاح العثمانيون بيزنطة، كانوا يناقشون عدد الملائكة الذين يمكنهم الوقوف على سن الإبرة. فالنواب لم ينشغلوا بالانفلات الأمني والفقر والبطالة وأحوال المستشفيات المتردية، وهى أمور أكثر خطراً من فن الباليه. "تكفين المرأة" من جانبها علقت فاطمة ناعوت الكاتبة الصحفية على طلب جمال حامد بمنع فن رقص الباليه، قائلة "وجهت رسالة لحامد على تويتر قلت له فيها، نحن نراك بعيوننا فبأي عضو من جسدك ترانا". وعن تكفير بعض المشايخ لها قالت "أشعر بالأسى من تكفير البعض لي، لكن لم يكفرني رمز ديني معروف ولم يسئ لأسمى شخص مهم ذات قيمة لدرجة أني لا ألتفت لهذه الفتاوى". كما علق سيد عبد العال رئيس حزب التجمع قائلاً :"إن الإسلاميين دائمًا يبرهنون للمواطن المصري على مدى انشغالهم بكل ما يخص المرأة، ومحاولاتهم المستمرة بكيفية تكفين المرأة ووأدها في فترة حكمهم للبلاد، وإبعادها عن الحياة السياسية". ووجه رسالة لجمال حامد قال له فيها: "ما تتفرجش انت على الباليه وريحنا"، مشيرًا إلى مدى الانحطاط الفكري الذي وصل له القائمون على السلطة التشريعية في مصر في الفترة الحالية. وتابع عبد العال: دائمًا يخرج علينا الإسلاميون لمواجهة المرأة، وفي ذات الوقت يناقضون أنفسهم، ويتزوجون أكثر من امرأة، مطالبًا القائمين على مجلس الشورى بضرورة النظر لاحتياجات المواطن البسيط، والعمل لمصلحة الدولة بعيدًا عن أفكارهم المريبة بشأن المرأة. معارك «البكيني والخمور» أما أحمد خليل مساعد رئيس حزب النور للشئون الثقافية قال تعليقًا على تصريحات جمال حامد :"إن هناك محاولات من بعض الإعلاميين تشتاق إلى معارك البكينى والخمور التى استنفذت طاقة الشعب المصري من قبل، ولم نستفد بها مثقال ذرة على أرض الواقع". وحول إذا كان تصريحات النائب تعبر عن رأى الحزب أم لا، أضاف:"لن ندخل فى مثل هذه الحروب على الإطلاق، ولن نتكلم كلمة، ولن ننجر إلى أي معارك". وتابع:" اللى مهتم ب"الباليه" يتكلم يناقش النائب جمال حامد، باعتبار أنه نائب عن الشعب، وليس نائبًا عن حزب النور فقط". نائب سلفي: لم أتحدث عن "الباليه" خلال جلسة الشورى أمس "ومش أنا اللي أقول الفن يتلغي أو لأ" إلا انه بعد ردود الافعال السابقة ، نفى النائب جمال حامد مطالبته بإلغاء فن الباليه خلال اجتماع لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشورى أمس، ووصفه بفن العُراة. وأضاف حامد ل"صدى البلد"، أنها كانت جلسة مناقشة الموازنة العامة للجنة، قائلاً: "مش أنا اللي أقول الباليه يتلغي أو لا". الاوبرا خارج الخدمة وبالتزامن مع الدعوة لإلغاء فن البالية ، دخلت دار الأوبرا المصرية على خط الصراع على أخونة الدولة المصرية بعد وصول جماعة الأخوان المسلمين إلى الحكم، حيث تحوّلت لذروة الأحداث بعد وقوع عدة حوادث متتالية صدمت المثقفين وانتهت بتعليق نشاط المبنى التاريخي والغاء الحفلات وإعادة أموال تذاكر الحفلات للجمهور. والبداية كانت مع قرار وزير الثقافة - الذي يرفض جموع المثقفين توليه الوزارة - قراراً بإنهاء انتداب الدكتور ايناس عبد الدايم رئيسة دار الأوبرا والتي تتمتع بحب العاملين لها، وترشيح آخر خلفاً لها ليعتذر المرشّح للمنصب ويصبح المنصب شاغراً، فيما قرّر العاملون التضامن مع عبد الدايم التي تلقت القرار قبل ساعات قليلة من توجهها الى مجلس الشورى لمناقشة الميزانية المالية الجديدة لدار الأوبرا. وعقب عرض أوبرا عايده الذي انتهى أمس، أعلن العاملون إغلاق دار الأوبرا إلى أجل غير مسمى مطالبين بعودة الدكتور إيناس عبد الدايم إلى منصبها، وإقالة الوزير علاء عبد العزيز علماً بأن عدداً كبيراً من المثقفين والفنانين التشكيليين تضامنوا معهم. السلفيون والكباريهات وكان نواب سلفيون بمجلس الشورى قد استعدوا لشن حملة على قرار حكومة قنديل بشأن مد عمل الملاهي الليلية "الكباريهات" من سنتين إلى 3 سنوات، مؤكدين أن ما حدث يتعارض مع مواد الدستور التي تقضى بعدم السماح بأي عمل يخالف الشريعة الإسلامية ويعطل المادة الثانية من الدستور التي حارب التيار السلفي من أجل وضعها في الدستور. واعتبرت مصادر إسلامية، أن المبررات التي خرجت خلال الأيام الماضية لتبرير قرار الحكومة بمد رخصة "الكباريهات" بعد انخفاض حركة السياحة بالبلاد بسبب الحالة الأمنية "مجرد تبريرات واهية"، رافضين تصريحات أحد مسئولي غرفة المنشآت السياحية بوزارة السياحة، التى أكد فيها أن قرار الوزارة بتمديد تراخيص الكباريهات ومحال الخمور ما هو إلا محاولة للحفاظ على استمرار العمل بتلك الأماكن، والحفاظ على أرزاق العاملين بها وأن الوزارة تتساهل حاليا مع أصحاب المحال التي تتجاوز فترة إغلاقها العامين، حيث توافق على استمرار ترخيص المحل رغم مخالفة ذلك للقانون وهو القرار الذي استفاد به أصحاب المحال، التى أُغلقت منذ ثورة يناير حتى الآن، حيث تنص اللوائح على سحب ترخيص المنشأة السياحية، التى تغلق أبوابها لمدة عامين متتاليين، إلا أن الوزارة تقدر تماما التعثرات، التى يواجهها أصحاب تلك المحال، خاصة فى ظل تدهور السياحة والعملة الصعبة لتخوفهم من انعدام الأمن. وجاء القرار الحكومي رغم مطالبة الدكتور عبد الآخر حماد مفتي الجماعة الإسلامية بمصر، الرئيس محمد مرسي، بإغلاق الملاهي الليلية والكباريهات نهائياً، مشدّداً على أنها تخالف الشريعة الإسلامية . ومن هنا نجد أن السلطة التشريعية المتمثلة الآن في مجلس الشورى تحتاج لإعادة ترتيب الأولويات في ظل الأوضاع الحالية .