ماذا جرى خلال اليوم الأخير فى حكم مبارك؟ هل حدثت صفقة بين المجلس العسكرى والإخوان؟ أين الحقيقة فى علاقة أمريكا بجماعة الإخوان؟ هل كان الفريق أحمد شفيق هو الفائز فى انتخابات الرئاسة الأخيرة؟ ما القصة الحقيقية وراء قرار الكتور محمد مرسى بإقالة المشير طنطاوى والفريق سامى عنان؟ ماذا عن سيناريوهات المستقبل وعلاقة الجيش بالإخوان؟ الإجابة عن هذه الأسئلة المهمة والمصيرية يتضمنها كتاب «الجيش والإخوان.. أسرار خلف الستار» للكاتب الصحفى الكبير مصطفى بكرى، يصدر الأسبوع المقبل عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة فى 450 صفحة، وتنشر «الوطن» -باتفاق خاص- عددا من الفصول المهمة منه. كان يوم الثانى عشر من أغسطس 2012 يوماً حاسماً فى تاريخ حكم مصر على يد أول رئيس مدنى للجمهورية جرى انتخابه بعد نجاح الثورة وسقوط نظام مبارك. كان كل شىء يمضى طبيعياً فى القصر الجمهورى، لم يكن هناك شىء مختلف يلفت الانتباه. فى هذا اليوم نشرت مواقع التواصل الاجتماعى تصريحاً للدكتور «ياسر على» المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية قال فيه: «إن الحد الأقصى لإعلان اسم نائب واحد لرئيس الجمهورية على الأقل هو مطلع الشهر المقبل وفقاً للإعلان الدستورى». وفى اليوم ذاته عقد الرئيس محمد مرسى بحضور رئيس الوزراء وعدد من الوزراء اجتماعاً مع المحافظين، تم خلاله مناقشة العديد من القضايا والمشكلات، خصوصاً أزمة الكهرباء وتحديد مواعيد قطعها فى بعض المناطق للتخفيف من حدة الضغط على المحطات، بعد أن تفاقمت المشكلة إلى حد كبير وباتت تهدد استقرار البلاد. لاحظ المتابعون للاجتماع أن هناك تعمداً لإطالة فترة الاجتماع، الذى استمر لنحو خمس ساعات تقريباً، مع أن القضايا الرئيسية تمت مناقشتها فى وقت قصير. كان الرئيس يخرج ثم يعود مطالباً المجتمعين بالاستمرار فى مناقشة المشكلات التى يعانيها المواطنون مع رئيس الحكومة والوزراء المعنيين. فى الوقت نفسه كان المشير طنطاوى قد دعا أيضاً إلى اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى الحادية عشرة صباحاً، وذلك لمناقشة آخر تطورات الأوضاع فى سيناء فى ضوء التحقيقات والعمليات العسكرية التى تجرى فى المناطق المختلفة. حضر غالبية أعضاء المجلس الأعلى، وإن كان البعض قد تخلف عن الحضور، وكان من أبرز الذين لم يحضروا هذا الاجتماع الفريق «مهاب مميش» قائد القوات البحرية، الذى لم يتمكن من الحضور بسبب وجود أعطال ومعوقات فى الطريق من الإسكندرية إلى القاهرة، ففضل الذهاب إلى منزله بالقاهرة، وأبلغ اعتذاره للأمين العام لوزارة الدفاع لإبلاغ المشير. وكان اللواء «عبدالفتاح السيسى» (عضو المجلس الأعلى، مدير المخابرات الحربية والاستطلاع) حاضراً هذا الاجتماع وظل موجوداً حتى الثانية ظهراً.. كانت الأعصاب مشدودة بسبب ممارسات ومواقف الرئيس، وأيضاً تداعيات حادث رفح ورفض الرئيس الإعلان عن النتائج الأولية للتحقيقات فى هذا الحادث. منذ البداية تحدث اللواء «حسن الروينى» (عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة) مبدياً اعتراضه على قرار الرئيس مرسى بمنع أعضاء المجلس ممن هم فوق سن الخدمة من حضور اجتماع المجلس الأعلى مع الرئيس مساء الجمعة 9 من أغسطس 2012. قال «الروينى»: إن الإعلان الدستورى المكمل يعطى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحده سلطة القرار، وما جرى هو تجاوز لذلك! لم يكن اللواء الروينى وحده صاحب وجهة النظر تلك، كان هناك آخرون قد أبدوا اعتراضهم على قرار الرئيس ووجهوا اللوم إلى المشير طنطاوى لاستجابته لهذا القرار. حاول البعض أن يحذر المشير من خطورة المرحلة المقبلة، إلا أن المشير كان يستمع إلى هذه الآراء فى صمت، ثم حاول أن يهدئ من مشاعر الغضب، مؤكداً أن هذا الأمر لن يتكرر مرة أخرى، وأنه وافق على مطلب الرئيس، لأنه لم يُرِد أن يخلق أزمة بين المجلس العسكرى ورئيس الجمهورية.«ياسر على» طالب الإعلاميين بالانصراف من «الاتحادية» فوراً.. وأبقى على طاقم الفنيين بالتليفزيون المصرى كانت الأجواء تنذر بحدث ما، وكانت كل المؤشرات تقول إن تهديدات الإخوان بإصدار إعلان دستورى جديد يلغى الإعلان الدستورى المكمل، هى تهديدات جادة، وإن الرئيس يتبنى هذا الموقف، وهو أمر حتماً سيقود إلى الصدام. بعد جدل طويل حول مواقف الرئيس من الإعلان الدستورى المكمل، والمخاوف من تردى الأوضاع والعلاقة ما بين المجلس العسكرى ورئيس الدولة.. انتقل الاجتماع إلى القضية التى كانت تشغل الجميع فى هذا الوقت، وهى قضية الحملة العسكرية على أوكار الإرهابيين فى سيناء وآخر نتائج التحقيقات التى تجريها النيابة العسكرية حول حادث رفح.. لقد طالب أعضاء المجلس العسكرى فى هذا الاجتماع بضرورة إعلان الحقائق كاملة على الشعب، خصوصاً أن المؤشرات الأولية تؤكد مشاركة عناصر «فلسطينية» تنتمى إلى تنظيمات متشددة فى ارتكاب هذا الحادث جنباً إلى جنب مع العناصر الأصولية التكفيرية الموجودة فى منطقة «جبل الحلال» و«المهدية» داخل سيناء. لقد تساءل البعض عن أسباب رفض الرئيس إعلان نتائج التحقيقات، وطالبوا المشير بضرورة إعلان نتائج هذه التحقيقات حتى تبرئ القوات المسلحة ساحتها أمام الشعب وأمام التاريخ. وعد المشير بطرح الأمر على الرئيس مجدداً، وقال إن اللواء عبدالفتاح السيسى طلب ذلك من الرئيس مرسى وحذر من خطورة التكتم على نتائج التحقيقات، لا سيما بعد إعلان القوات المسلحة فى وقت لاحق أنها ستعقد مؤتمراً صحفياً للإعلان عن هذه النتائج. فى الثانية ظهراً انتهى اجتماع المشير مع أعضاء المجلس الأعلى، رن جرس الهاتف.. كان المتصل على الجانب الآخر هو الرئيس محمد مرسى. - قال الرئيس: علمت أنكم كنتم فى اجتماع للمجلس العسكرى، هل هناك جديد عن الوضع فى سيناء؟ - أجاب المشير: نحن نتابع الأمر، والتحقيقات كشفت عن تورط جهات عديدة داخل قطاع غزة بالاشتراك مع بعض عناصر المنظمات التكفيرية فى سيناء، ونحن جاهزون لإعلان الحقائق التى تم التوصل إليها. - قال الرئيس: هذا موضوع سنناقشه معاً فيما بعد.. ما يهمنى الآن أن رئيس الحكومة أبلغنى أنه يحتاج إلى مليار ونصف المليار دولار فوراً لإنهاء مشكلة قطع الكهرباء، وبعض الاحتياجات الخاصة بالمواد البترولية.. أرجو توفير هذا المبلغ وبشكل عاجل من ميزانية القوات المسلحة. - قال المشير: هذا أمر صعب.. لقد سبق أن منحنا الحكومة أكثر من 7 مليارات دولار قبل ذلك لدعم الاحتياطى الاستراتيجى من العملة الأجنبية، بل قمنا أيضاً بدفع مبالغ أخرى إليها. - قال الرئيس: لكن الحكومة تحتاج هذا المبلغ فوراً.. عموماً أرجو أن تحضر إلى الرئاسة لمناقشة كيفية تدبير هذا المبلغ، وأرجو أن يحضر معك الفريق سامى عنان واللواء «محمود نصر» (المسئول عن الشئون المالية بالمجلس الأعلى)، لنصل إلى حل يرضى كل الأطراف، وياريت اللواء محمود نصر يجيب معاه أبواب الميزانية الخاصة بالقوات المسلحة. - قال المشير: متى نحضر؟ - الرئيس: موعدكم الساعة الثالثة والربع عصراً. كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد أنهى اجتماعه للتو، طلب المشير اللواء محمود نصر للحضور إلى مكتبه، حيث يوجد مكتب اللواء محمود نصر بالقرب من مكتب المشير فى الدور الثانى فى مبنى وزارة الدفاع. واللواء محمود نصر، هو من العقليات الاقتصادية المتميزة، لديه عمق فى الفهم والرؤية الاقتصادية يتعدى الكثيرين من خبراء الاقتصاد، وكان هو أيضاً من أبرز الداعين لاستقالة أعضاء المجلس العسكرى بعد تسلم الرئيس للسلطة على الفور. أبلغ المشير طنطاوى اللواء محمود نصر بمطلب الرئيس مرسى، فقال اللواء محمود نصر: ولكن هذا المبلغ غير متوافر الآن، وقطعاً لا يمكن كسر الوديعة الدولارية للقوات المسلحة، التى هى مخصصة لمواجهة أى طارئ أو احتمالية قطع المعونة الأمريكية عن مصر. - قال المشير: ليس أمامنا خيار. فهم اللواء محمود نصر الرسالة، وذهب على الفور إلى مكتبه لإعداد الأوراق المطلوبة عن موازنة القوات المسلحة، وعندما أبلغ المشير الفريق سامى عنان باللقاء مع الرئيس تساءل الفريق: وما علاقتى أنا بالأمور المالية لكى أحضر هذا اللقاء؟! - قال المشير: الرئيس كان مُصرّاً على حضورك. لم يكن أمام رئيس الأركان من خيار آخر، فأبدى موافقته على الحضور جنباً إلى جنب مع المشير واللواء محمود نصر. مرسى يسلم طنطاوى قلادة النيل قبل ساعات من إقالته