مشكلة الأغلبية الساحقة من سكان هذا البلد، أى جحافل الفقراء والبائسين (لوكانت مشكلة واحدة فقط) هى أن هذه الجحافل كانت أيام نظام المخلوع أفندى وولده مجرد موضوع للأغانى والمواويل، ثم صارت فى عهد «جماعة الشر» الفاشية التى ورثت هذا المخلوع بالعافية والتزوير، مجرد «موضوع» أيضا، ولكن للتفاهة والهيافة والكلام الفارغ، فضلا عن خطب الجمعة.. على أساس أن الأغانى عموما مكروهة أو ربما حرام أصلا! كان نظام مبارك يصنع البؤس والعدم كل صباح، ثم لا يخجل أن يغنى للفقراء فى المساء والسهرة، وأظن أن كثيرين ما زالوا يتذكرون مثلا غنيوة «الألف قرية» الفقرية التى اكتشفها المحروس نجل المخلوع (ضمن سلسلة اكتشافاته الجغرافية)، وقد ظل هذا الأخير مع فرقة المليارديرات الحرامية أتباعه يقرفوننا ويصدعون رؤوس أهالينا بالرغى والثرثرة عن هذه القرى وأهلها الغلابة لمدة خمس سنوات كاملة حتى تفجرت فى وجوههم ثورة عارمة تشققت حناجر ملايين المشاركين فيها بالهتاف للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، بيد أن هذه الثورة بشعاراتها وأهدافها النبيلة سرعان ما تعرضت لعملية سطو علنى مسلح بالتآمر والخداع والبلطجة، ما جعل أولى ثمارها تسقط فى حجْر حلف خطير تقوده «جماعة الشر» قوامه جماعات وعصابات يمينية متطرفة، تستخدم الدين الحنيف غطاءً، تحاول به ستر جلافتها ورجعيتها وتخلفها الشديد، ولأن هذه الجماعات تدرك بالغريزة أنها ابن شرعى للبؤس الشامل بكل صوره وتجلياته المادية والعقلية والروحية، وقد ولدت من رحمه وترعرعت وتضخمت فى كنفه وتحت ظلاله الثقيلة، فهى لا تعادى الفقر وبؤس الناس بل بالعكس، تكاد تمجده وتستريح وتطمئن جدا لوجوده وتجاهد لكى يبقى ويستفحل ويتمدد أكثر وأكثر فى أحشاء المجتمع، إذ تراه بحق ضمانة حياة بالنسبة إليها، وأنها مشدودة إليه قدريًّا وتدور معه وجودا وعدما. السطور السابقة مقدمة طالت قليلا، لكى أقول إنه لا مفاجأة إطلاقا فى هذه السياسات أو بالأحرى، العربدات الاقتصادية العشوائية الخرقاء التى ترتكبها الست «جماعة الشر» منذ أن قفزت إلى حكم البلاد، وكانت النتيجة أن المطحونين البائسين يزدادون بؤسا وعدما (وعددا أيضا) كل يوم، وربما كل ساعة، حتى بدا الأمر وكأن خطة الست وبرنامجها الوحيد هما إشاعة أكبر قدر من الخراب والتأخر والإفقار فى أقل زمن ممكن، لكى تبقى قادرة على شراء الذمم والضمائر بقزازة زيت وشكارة سكر وشوية بطاطس فى كل «غزوة صناديق»! لقد بدأت كتابة سطور اليوم وفى نيتى السخرية من حكاية أرغفة العيش الحاف «الثلاثة» المدعومة التى تعطف بها الأخ وزير التموين الإخوانى على المصريين الفقراء حتى يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة وجاهزين بجوعهم للاستغفال والاستعمال من جديد فى الانتخابات النيابية المزورة المقبلة، غير أننى الآن قرفان ومسدود النفس تماما ولم يتبقِ عندى من روح الدعابة إلا ما يكفى لسؤال هذا السيد المبجل بتاع التموين وحكومته العدمانة وجماعته التعبانة فى ضميرها وعقلها: هل كان صعبا جدا عليكم أن تتسولوا من «قطر» رغيفًا رابعًا للمساكين الذين تحكمونهم بالعافية؟! أم أن السيدة الفاضلة «قطر» اشترطت إنهاء عقد شراء مصر قبل الإفراج عن هذا الرغيف المغموس بالذل؟!