هي صديقتي.. وقد اعتدنا الخروج معا كل يوم جمعة لتناول طعام الغداء في النادي.. لكنها لم تأت.. أدرت رقم تليفونها المنزلي فلم ترد مثلما ظل هاتفها المحمول مغلقا طوال اليوم. وعرفت أنها دخلت المستشفي اثر نوبة هياج عصبي شديد فذهبت لزيارتها. كان باب غرفتها مواربا وعلى النافذة ستارة ثقيلة تحجب الضوء.. ما إن رأتني حتى استرخت في رقدتها ومدت يدها نحوي وعيناها على وجهي.. ضغطت بيدي قليلا على يدها فحركت شفتيها كأنما توحي بكلام لكنها لم تتكلم.. فقط انفجرت في بكاء هستيري حاد! جاء الطبيب وأعطاها حبة مهدئة لكنها ظلت تبكي بحرقة امرأة تضج بالشكوى وتفوح منها رائحة المرارة والألم بدءا من دمعتها ورعشة صوتها وطريقة تنهداتها.. امرأة محطمة تماما تنتظر لحظة موتها. رويدا رويدا بدأت صديقتي تستعيد هدوءها وتحكي عما لاقتة من زوجها منذ أصيبت بالزهايمر.. فرغم تناول الفيتامينات والمقويات التي تنشط الذاكرة.. فكثيرا ما تنسى وتختلط الأحداث والمواقف والصور والأخيلة في عقلها وتفقد القدرة على التركيز وربما تنفصل تماما عن الأشخاص المحيطين بها. كنت أعرف حقيقة مرض صديقتي لكن مالم أتخيله أبدا أن يعايرها زوجها بمرضها بعد مشوار العمر المديد والعشرة الطويلة والزواج المزمن الذي قارب عامه الأربعين.. فراح يتهمها ليل نهار بأنها فقدت عقلها تماما مثلما فقدت أنوثتها وأصبح جسدها مرفوعا من الخدمة! عندما تزوجت صديقتي كان لقاء الفراش متعة ولحظات وصل مشتعلة دافئة توقظ في جسدها الرغبة في التواصل كل ليلة بينما كان زوجها مشغولا بتجارته.. يقضي معظم أوقاته خارج البيت ويعود متعبا منهكا يتناول عشاءه ويغط في نوم عميق.. وقتها كانت تشعر باحتياجها العاطفي لشريك تتحدث معه ويسمعها.. يبدي اعجابه بملابسها وتسريحة شعرها.. يناغشها ويسكب في أذنها كلمات الغزل الرقيق.. يطاردها في المطبخ وغرف البيت ويدعوها ولو مرة واحدة لتناول العشاء في مطعم رومانسى حيث يتبادلان نظرات العشاق على أنغام الموسيقي الحالمة في ضوء الشموع.. لكنها سرعان ما اكتشفت أن حياتها الزوجية امتداد للقهر الأبوي والأخوي في مجتمع ذكوري يحرم الزوجة من حق البوح بعدم قدرتها على الاستمتاع في الفراش بل يجرم اعترافها بذلك.. بينما يمنح الزوج صكوك اتهامها بأنها باردة تحل عليها لعنة الله والملائكة إذا أغضبته جنسيا مهما بلغت درجة اضطراباته الجنسية وعجزه الجنسي! وزوج صديقتي ليس الوحيد المفتون بذاته الى درجة الهوس المرضي.. معظم الأزواج لديهم مبررات ذكورية غبية تتحول الى أسلحة ومسدسات فيطلقون النار على زوجاتهم دفاعا عن أنانيتهم البشعة ونرجسيتهم العفنة.. يعتبرون زوجاتهم مجرد أداة للممارسة الجنس في الفراش وفقا لرغباتهم التي يحضرونها بأقراص الفياجرا و المنشطات الجنسية وتدخين الحشيش وتناول الخمور وعيونهم مفتوحة على مواقع الجنس والعرى وممارسات المرضي أخلاقيا ونفسيا والشواذ!. فهذا الزوج الذي بلغ السبعين من عمره لم يرحم زوجته التي أنجبت له صبيان وب نات أفنت زهرة شبابها في تربيتهم وتعليمهم حتى أصبحت لهم وظائف وبيوت وأزواج وزوجات وأبناء.. بل يريد أن يعيش حياته الزوجية بأثر رجعي مثلما يفعل أزواج كثيرون من شباب هذا الجيل الذين يتجاهلون مشاعر وأحاسيس ورغبات زوجاتهم في الفراش لمجرد ارضاء نزعاتهم الذكورية وتتويج رجولتهم المنقوصة باعتبار الرجل السيد المطاع والمرأة مجرد جارية حتى لو لجأت للتمثيل والتزييف وتزوير ملامحها وعواطفها لتوهمه بالباطل بأنه الأسد القوي القادر على ترويضها في الفراش. بل لا يمتنع الرجل عن زوجته في سرير الزوجية من باب الرحمة واللطف والأدب.. ولكن خوفا من أن يفقدها كزوجة ويفقد احترامها له ويسقط من عينيها فقد تتهمه سرا بالعجز ويتحول السر الى فضيحة تهدد فحولته بين الأهل والجيران والخلان بعد أن فقد الرجل إيمانه بوظيفته المقدسة في الأسرة كزوج حنون عطوف وأب مسئول عن بيت وأطفال من واجبه حمايتهم والانفاق عليهم وتأمين مستقبلهم. تفرغ الرجل لارضاء نزواته وأنانيته على حساب زوجته.. وانحصر تفكيره في قهرها وكسرها والتقليل من شأنها.. يتعمد اهانتها أمام الغرباء ويكيل لها الاتهامات بالباطل.. ويشعر بالزهو والنشوة كلما حقق ما يريد ويصبو إليه. والمسألة في حقيقتها مساومة على مصلحة الرجل يهدف الى الوصول إليها بأي طريق وليس من منطلق الكرامة أو الشرف أو الفضيلة.. لا يؤرقه أن يهمل عمله ويفقد راتبه مادامت زوجته تدور في الساقية.. تعمل خارج البيت وداخله وتنفق على الأسرة.. بل أعرف أزواجا ينامون طول النهار تاركين أعمالهم ويأخذون مصروفهم اليومي من زوجاتهم.. ينفقونه على التدخين والجلوس على المقاهي وكسب ود امرأة عاهرة ترضي غرورهم ومعتقداتهم الذكورية الفجة.. وآخرين يهجرون البيت بالشهور هربا من تحمل المسئولية حتى تفاقمت مآسي هجرة الأزواج في مواسم دفع مصروفات المدارس والأعياد وكلما هلت مواعيد دفع أقساط الأجهزة الكهربية وفواتير الكهرباء والغاز والمياه والتليفونات والدروس الخصوصية. وعندما تضيق الزوجة بحياتها الزوجية وتصر على الطلاق وترفض العودة لرجل ليس فيه من صفات الرجولة وأعراضها غيره تكوينه الفسيولوجي يسارع الأهل والأقارب والأصدقاء للحديث معها ونصحها بنسيان الطلاق حفاظا على الشكل الأسري والمظاهر الاجتماعية المزيفة وحفاظا على مستقبل أطفال أبرياء لا ذنب لهم.. بل تصبح هذه الزوجة في عرف زوجها النذل “بتتبطر" على النعمة فهو قادر على امتاعها في الفراش وهي نعمة تحسدها عليها النساء اللائي يعاني أزواجهن من العجز الجنسى فيلجأون الى تعويضهن باغداق المال والهدايا.. وقد يقسم هذا الزوج لأهل زوجته زورا وبهتانا بأنه يحب زوجته وأطفاله.. وبأنه مظلوم وحالته النفسية السيئة تمنعه من مزاولة مهنته فهي تعامله بجفاء وتتجاهل رغباته في الفراش وتتهمه دوما بأنه فاشل. والحقيقة أن معظم زيجات هذا الزمان محكوم عليها بالفشل بدليل تزايد معدلات الطلاق بأرقام واحصائيات تترجم وتؤكد ما يعانيه معظم الرجال من الشيوخ والشباب من تدهور صحتهم النفسية نتيجة المفاهيم والمعتقدات المغلوطة التي تسيطر على أجسادهم قبل عقولهم منذ احتلت الأطباق الكبيرة والصغيرة أسطح البيوت والعمارات تمطرنا بفضائيات بعدد شعر الرأس تقتحم بيوتنا وتنتهك حرماتنا ومقدساتنا وتطاردنا في أحلام اليقظة والنوم.. بل تنسف عاداتنا وتقاليدنا والقيم الأصيلة التي كانت تحكم طباعنا وأخلاقنا وسلوكنا. فضائيات تحولت الى بوتيكات تعرض بضاعتها الرخيصة ليل نهار.. تروج للمفاسد والشهوات وتعدد الزوجات والمتاجرة بالصبايا القاصرات.. وفتنة الجنس والمال الحرام. والحصاد هذا الاضطراب النفسي والجنسي والعاطفي لدى المرأة والرجل.. المرأة التي تنازلت عن عرش الأمومة وتربية الأطفال واختزلت أنوثتها في الجمال المصنوع الذي يعتمد على الكريمات والبودرة والروج والنقشة التي ترسمها حول العين والحاجب والشفة.. ولون الشعر والفستان والشنطة والجزمة لمجرد الايقاع بزوج ثري يشبع شهوتها للثراء والرفاهية.. والرجل الذي يسيل لعابه طمعا في شراء وامتلاك هذا الجمال لمجرد اشباع غرائزه الحيوانية والتباهي بزوجته الجميلة بين أقرانه من الرجال!. وعندما يتعانقان في الفراش يكتشفان العطل الفني في العلاقة الزوجية الحميمة.. فتذهب الرغبة ولا يكتمل الجماع.. ليس بسبب السن أو الهرمونات إنما لأسباب نفسية وعاطفية تتعلق بكيمياء الجسد واللمسة الحانية التي تمنح الدفء الإنساني والجسدي.. وهمس الوصل الذي يأخذ الى رعشة المنتهي.. ورغبات القلب الذي تعزف دقاته سميفونية عشق الروح وتنهيدة الجسد.