«سئمنا استجداء المسئولين.. وليس لنا إلا الله ندعوه لحل مشاكلنا حتى نحيا كبقية البشر»، هكذا وصف أهالى منطقة الطابية، أقصى شرق الإسكندرية، أحوالهم، بعد تجاهل شكواهم من الحياة غير الآدمية التى يعيشون فيها، والتقاعس عن تنفيذ مطالبهم من جانب الحكومات سواء فى عهد النظام السابق أو المرحلة الانتقالية، أو أول حكومة بعد الثورة، وهو ما دفع بعضهم أمس الأول للخروج عن صمتهم من أجل لقمة العيش، ليتظاهروا ويحاصروا ويمنعوا العاملين فى شركة أبوقير من الدخول، مطالبين بتعيينهم. وقد وقعت اشتباكات مع قوات الأمن أدت إلى إصابة ضابط، وتعرض العشرات من الأهالى للاختناق نتيجة القنابل المسيلة للدموع، واستمر حصار الشركة، التى قالت إدارتها إن استمرار منع العاملين من الدخول، خاصة لوحدة التبريد، قد يتسبب فى انفجار مروع لا أحد يستطيع تحمل عواقبه. «الطابية»، التى وقعت فيها هذه الأحداث، تقع فى منطقة حدودية بين الإسكندرية والبحيرة، وتضم الآلاف من المواطنين من محدودى الدخل، وتعانى من انعدام الخدمات الاجتماعية والصحية والأمنية والمرافق، ويقول أهالى المنطقة إنهم «المنسيون فى مصر» حيث يعانون من تعطل كل أشكال تطوير المنطقة بسبب التداخل فى الاختصاصات بين إدارة المحافظتين وإلقاء مسئولى كل منهما المسئولية على الأخرى. وقال الأهالى إنهم تقدموا بعشرات الشكاوى فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، دون أن يهتم بهم أحد، ثم عاودوا الشكوى مرة أخرى لحكومتى الدكتور عصام شرف وكمال الجنزورى، ورد عليهم المسئولون بأن الحكومات الانتقالية ليس من صلاحياتها تطوير وتحسين المناطق النائية والعشوائية، ثم تقدموا للمحافظة ووزارة التنمية المحلية بطلبات لتحسين أحوالهم فى عهد الدكتور هشام قنديل، لكن الأمر لم يختلف حيث كان الرد بأن الميزانية غير كافية وعليهم الانتظار.الأهالى: سئمنا استجداء المسئولين.. وليس لنا إلا الله لحل مشاكلنا لنحيا كبقية البشر الحاج عوض الشامى، صاحب محل مواد غذائية، يقول ل«الوطن»: «لا نملك أبسط الاحتياجات التى تعيننا على الحياة، نحن نعيش فى القرن الثامن عشر، ولا يشعر بنا أحد، وتحيط بنا حالة من الإحباط بسبب (كسر أملنا) فى حكومة الإخوان المسلمين التى كنا نعتقد إنها ستنحاز إلى الفقراء وتعمل على النهوض بمستوى المناطق الأكثر فقراً. و«تتنهد» سامية عبدالنعيم، ربة منزل (41 سنة)، وتقول فى نبرة يائسة: لماذا لا يشعر بنا أحد، لقد تقدمنا بطلبات لإنشاء أى وحدة صحية فى المنطقة تعمل طوال اليوم خاصة فى فترات الليل المتأخرة، حيث يقع أقرب مستشفى فى منطقة أبى قير، الأمر الذى يؤثر سلباً على صحة المواطنين وحياتهم، وبخاصة مع صعوبة وصول سيارات الإسعاف إلى المنطقة بسبب تهالك الطرق. ويضيف محمود رأفت، عامل يومية (26 سنة)، إن غالبية شباب المنطقة يعانون من البطالة بشكل يفوق أهالى بقية المحافظة، بسبب إغلاق شركات الورق والحلويات التى كان يعمل بها أعداد كبيرة منهم إثر تعرض أصحابها وإداراتها إلى مشاكل فى السيولة وحصولهم على قروض مالية من البنوك ثم إغلاق هذه المصانع وتشريد العاملين، فضلاً عن صعوبة وسائل المواصلات، واستغلال السائقين ورفع الأجرة وبُعد المنطقة عن وسط المدينة، الأمر الذى يقلل من فرص التحاقهم بوظائف. وطالب ياسين عبدالتواب، موظف (55 سنة)، بإنشاء نقطة شرطة ومستشفى ومدرسة فى المنطقة، منتقداً ما وصفه ب«العنجهية» التى يرد بها المسئولون على مطالب الأهالى البسيطة، وتنصلهم من مواجهة الأخطار التى تواجه الأهالى بسبب ترعة «العمياء» التى تبتلع العديد من أطفال المنطقة لعدم وجود أى أسوار أو تأمين. وأشار إلى أن ترعة العمياء التى تسير فى منتصف المنطقة، تُعرض السكان إلى الخطر خاصة الأطفال نظراً لعدم وجود أسوار، أو احتياطات كافية على جانبى الترعة لمنع انزلاق المواطنين فيها مما أجبر الأهالى على جمع مبالغ مالية بالجهود الذاتية لإنشاء سور على جابنى الترعة لتجنب وقوع العديد من حالات الغرق بين المواطنين، لكن المحافظة لم تتعاون معهم لإنجاز المهمة.الأهالى اشتبكوا مع قوات الأمن مطالبين بالتعيين فى شركة أبوقير وقال محمد مصطفى -نجار من الأهالى- إن أهالى المنطقة يعانون بشدة بسبب مرور ترعة شركة الورق الأهلية وسط الوحدات السكنية مما يؤدى إلى حدوث العديد من المشاكل نظراً لوقوع الأطفال فى هذه الترعة، بالإضافة إلى أن مرورها وسط المبانى يؤدى إلى انهيار البنية التحتية لها. حسن ربيع، طبيب بشرى (28 سنة)، يقول: «المنطقة حائرة فى الحدود بين محافظتى البحيرة والإسكندرية، حيث يفصل بينهما كوبرى، مما يؤدى إلى حدوث العديد من المشاكل التى تواجه المواطنين عند حدوث أى حادث أو نزاع، حيث يلجأ كل مسئول من المحافظتين إلى (التنصل) من المشكلة». وانتقد شحاتة عبدالقوى، سائق ميكروباص (36 سنة)، تهالك الطرق وانعدام المرافق العامة، وعدم وجود أعمدة للإنارة، وانتشار مياه الصرف الصحى والقمامة فى الشوارع بشكل يمنع وسائل المواصلات من العمل، ويحرم السكان من التنقل مثل بقية المصريين، على حد قوله. وأكد السيد محروس، محامى الأهالى، إن كل الشكاوى التى تقدموا بها قوبلت باستخفاف بالغ من مسئولى الحى والمحافظة، الذين قالوا لهم «ومن امتى بتسألوا على المرافق ماكنتم فى الهم دا من 30 سنة ومحدش اتكلم إيه الجديد دلوقتى؟»، مستنكراً رفض أعضاء مجلس الشعب «المنحل» الاستماع إلى مطالبهم أثناء فترة عمل المجلس بتكوين مجالس إدارة للشركات المغلقة تضم ممثلا عن البنك وعن العمال وعن صاحب المؤسسة لإعادة تشغيلها مرة أخرى. ووعد وليد الكحكى، عضو مجلس الشورى فى محافظة الإسكندرية، بحل الأزمة، مؤكداً أن المحافظة تعمل فى خطة محورية لإنارة الشوارع تشمل كل المناطق والأحياء التى تعانى من عدم وجود أعمدة إنارة، فضلاً عن عمليات صرف الشوارع المتهالك، مؤكداً أن حكومات النظام السابق تعمدت ترك العشوائيات فى تدهور مستمر. من جانبه، أكد الدكتور حسن البرنس، نائب محافظ الإسكندرية، اهتمام المحافظة بحل أزمات المواطنين وبخاصة المتعلق منها بتحسين الأحوال المعيشية اليومية، مشدداً على أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من الاهتمام بالعشوائيات والمناطق ذات المطالب الملحة، لحل مشكلات الصرف الصحى والإنارة والترع. وأضاف «البرنس» أنه من الصعب إصلاح كل ما تم إفساده على مدار عشرات السنوات بين ليلة وضحاها، مؤكداً أنه بالعمل الدءوب ومشاركة الحكومة والمواطنين وكافة مؤسسات المجتمع سيتم إصلاح الأحوال وسيشعر المواطنون بالتطوير والإصلاح.