«ولد لكى يطير» عبارة نقشها النمساوى فيليكس بومجارتنر على ذراعه ليرسخ بروحه حبّه للتحليق بين السحاب. لهذا لم يكن من المستحيل أن يدخل الرجل ذو الأعوام الثلاثة والأربعين التاريخ من أوسع أبوابه باعتباره أول إنسان يحطم سرعة الصوت فى قفز حر. الرجل، الذى يحسده الكثيرون على رباطة جأشه بعد قفزه من حافة الفضاء، هو فى الواقع يحمل بداخله شغفاً غير متناهٍ بالطيران منذ نعومة أظافره، ونجح فى القفز لأول مرة بالمظلة فى سن السادسة عشرة قبل أن ينضم للجيش فى قوات المظلات الخاصة؛ الأمر الذى ساعده على صقل مهارته فى القفز ليتحول بعد ذلك إلى قافز حر محترف يقيم عروضاً خاصة. وفى تسعينات القرن الماضى، قرر بومجارتنر مد نشاطه الرياضى ليبدأ القفز من الأماكن الثابتة بالمظلة؛ الأمر الذى ساعده فى تحسين أسلوبه فى القفز الحر من مسافات شديدة الارتفاع. ومن أبرز الإنجازات والأرقام القياسية التى أحرزها المغامر النمساوى حصوله على لقب بطل العالم فى القفز من مكان ثابت عام 1997، ليحقق بعدها بعامين رقماً قياسياً عالمياً فى أعلى قفزة من مكان ثابت من فوق برج «بتروناس» (1479 قدماً) بالعاصمة الماليزية كوالالمبور. وفى عام 2004، قفز بومجارتنر داخل كهف «مارمت» بكرواتيا الذى يصل عمقه إلى 623 قدماً، وفى عام 2007 ضرب رقماً قياسياً جديداً فى القفز من مكان ثابت بعد قفزه من أعلى مبنى فى العالم آنذاك، برج «تايبيه 101» بتايوان، الذى يصل ارتفاعه إلى 1669 قدماً. وعكف الرجل بعدها طيلة الخمس سنوات الماضية على إجراء العديد من الاستعدادات لتحقيق حلمه فى القفز من الفضاء كان أهمها التدرب على القفز من أماكن مرتفعة مع مدربه لوك إيكينز للتأكد من حصوله على جسم قوى يمكّنه من تحمل بدلة القفز التى تعمل بالضغط. وكان من المقرر أن يقفز المغامر فى التاسع من أكتوبر، إلا أن الرياح القوية فى سماء المكسيك أجلت حلمه التاريخى لمدة خمسة أيام. وفى فجر الرابع عشر من أكتوبر الجارى بدأت عملية نفخ البالون، وارتدى بومجارتنر بدلته، وتم وضعه داخل كبسولة مضغوطة أُلحقت بالبالون، وبمجرد وصوله للارتفاع المطلوب أجرى 39 خطوة أمان قبل أن يفتحها وينزلق خارجها ليبدأ سقوطه الحر. ويروى بومجارتنر تلك اللحظة التاريخية قائلاً: «تمنيت أن يرى الجميع ما شاهدته فى لحظات الهبوط الأخيرة.. الأمر كان فائقاً للخيال»، مضيفاً: «حينما تقف فى الجزء العلوى من العالم تدرك مدى تواضعنا وأننا لا نتمنى أى شىء سوى الحياة.. لقد أنجزت المهمة».