لا شك فى أن الشارع السياسى فى مصر الآن بعد نجاح د.مرسى وتوليه حكم البلاد فى الأول من يوليو، ومضى عليه الآن حتى تاريخ النشر 75 يوما، وهو من المنتمين إلى الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، يعيش حالة استقطاب حادة بين تيارين سياسيين كبيرين.. هذان التياران هما: تيار الإسلام السياسى الساعى لترسيخ الدولة الدينية وغرس قواعدها من خلال التوظيف العاجل للأغلبية المزعومة فى مجلسى الشعب والشورى المنحلين والباطلين، وتيار الدولة المدنية الوطنية الديمقراطية القانونية الذى يحافظ على هوية الدولة التاريخية ووزنها الجغرافى ووحدة شعبها فى ظل أقدم مؤسسات بيروقراطية فى التاريخ البشرى. وعلى خلفية الانتخابات الوهمية التى تأسست على نظام انتخابى يجمع بين نظامى القائمة والفردى، وهو من أسوأ أنظمة الانتخابات فى العالم فى ظل صفقة المثلث الشيطانى (المجلس العسكرى – الإخوان المسلمون – الأمريكان)، وحصل الإخوان وبقية تيارات الإسلام السياسى على نحو 70٪ من مجلس الشعب، تمارس جماعات هذا التيار وفى مقدمتها الإخوان، الانفراد بالحكم وترسيخ الأخونة رغم بطلان مجلس الشعب، وفى خلال عدة أيام سيتم حل الشورى، لتذهب الأغلبية الوهمية المزعومة إلى الجحيم، كما تمارس هذه الجماعات تجبرا على التيارات الأخرى وتهاجمها بضراوة شديدة بلا مناسبة أو مبرر، إلا لأنها تؤكد عدم اعترافها بالآخر، وأنها امتداد لنظام مبارك الاستبدادى، ومن ذلك قول عصام العريان القائم: إن اليسار لم يعد له وجود، وطرح يسارا مختلفا بقيادات مختلفة، وفى هذا يتأكد أن هؤلاء يريدون معارضة على مقاسهم، وهى فى النهاية معارضة مستأنسة، كما كان نظام مبارك يفعل، ترضى بما يترك لها وتوافق على ما يراه الحزب الحاكم، وهو حزب الحرية والعدالة ومعه «النور» وغيرهما. وليس بخاف على أحد محاولاتهم الحثيثة لعودة الروح فى برلمان ميت، صدر بشأنه حكم المحكمة الدستورية فى 14 يونيو 2012م، بإعدامه نتيجة بطلان نظامه الانتخابى، وذلك كمحاولة للاستمرار فى اغتصاب السلطة وانتهاك أحكام القضاء بالالتفاف عليها، ومحاولات التأثير على أحكامه بأسلوب التعبئة الشعبية عند المحاكم لإجبار القضاة على إصدار أحكام معينة خوفا على حياتهم، وكلها وسائل ترهيب وإرهاب غير مسبوقة حتى فى نظام مبارك بكل أسف!! فضلا عن ذلك، فإنهم فى الوقت الذى يسعون إلى تفتيت الآخر وتشتيت جهوده، والتفريق بين القوى المختلفة وبث الفتنة فى ما بينها، فإن هؤلاء يسعون إلى كسب الوقت لتنظيم صفوفهم وبذل الجهود لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن تدهورت شعبيتهم نتيجة الأداء السىئ للبرلمان على مدار خمسة أشهر، ونتيجة الأداء الغامض والمتردد والمتواضع للرئيس محمد مرسى على مدار (75) يوما بلا إنجاز على الأرض، باستثناء الإصرار على السيطرة والتمكين والاستحواذ على السلطة، وفى هذا فإن الحديث يطول. وليس بخاف على أحد أن فتنة السلطة داخل المجلس العسكرى هى التى مكنت مرسى من السيطرة على الموقف، يذكرنا فى هذا بما فعله السادات فى 15 مايو 1971! ولا شك فى أن شعبية جماعات الإسلام السياسى قد تدهورت بشدة وتراجع رصيدهم فى الشارع بشكل غير مسبوق، وأن الحماس الجماهيرى لهم فى الانتخابات البرلمانية أصبح مستحيلا أن يتكرر.. ولذلك فهم يلعبون على عنصر الوقت لرأب هذه الفجوة الكبيرة بينهم وبين الشعب، ولعل المعايشة بين صفوف الشعب لأى مراقب محايد تؤكد ذلك. وعلى الجانب الآخر، تتشكل الآن عدة أشكال وحدوية توافقية تضم التيارات السياسية الرئيسية، فها هو تجمع يشمل القوميين بمختلف أنواعهم وفصائلهم، تحت مسمى «التيار الشعبى»، وها هو تجمع آخر يشمل فصائل اليسار تحت مسمى «التيار الثالث أو تجمع اليسار» وها هو تجمع يشمل فصائل التيار الليبرالى تحت مسمى «الأمة المصرية»، بخلاف التكتل الجديد المتمثل فى حزب الدستور بقيادة د.البرادعى. وكثيرا ما ناديت بذلك خلال الثورة وبعدها، أن التيارات الأربعة الرئيسية، وهى: (القومى – اليسارى – الليبرالى – الإسلامى) تحتاج إلى توحيد أنفسها، وتشارك السلطة فى الفترة الانتقالية بإعداد دستور يحفظ للأمة وحدتها وللشعب مصالحه العليا ويحقق طموحاته بعد ثورته المجيدة فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطنى، ولكن الإخوان المسلمين انفصلوا واستقووا وتكبروا وتجبروا واستعلوا على القوى السياسية الأخرى، واستعانوا بآخرين للانفراد بالسلطة وفضلوا الانتخابات على الدستور لممارسة تجبرهم دون مراعاة للثورة ودماء الشهداء والمصالح العليا، وفى هذا أسوأ أنواع «الأنانية السياسية». لذلك فإن الجهود المبذولة الآن لتوحيد القوى السياسية المدنية فى تيار واحد فى مواجهة جماعات تيار الإسلام السياسى مسألة مهمة قد تؤدى مهمتها الوطنية، حتى لا ينفرد فصيل سياسى بالسلطة فيعيد عقارب الساعة إلى النظام الاستبدادى الذى كان فى قمته فى عهد حسنى مبارك المخلوع، فتوحيد القوى المدنية سيجنب البلاد شرور عدم الاستقرار والاستبداد، ويقود البلاد إلى وحدة الأمة وتجنب ثورة جديدة، ويدفع البلاد إلى مرحلة جديدة من التطور الديمقراطى. وقد بدأ «التيار الشعبى» المبادرة ونظَّم نفسه، كأول التجمعات التوافقية، حيث تأسس مجلس أمناء التيار مكون من مئة شخصية سياسية مهمة، وتم اختيار مكتب تنفيذى بقيادة الشباب، وذلك تحت رعاية مؤسس التيار، حمدين صباحى، المرشح الرئاسى الشعبى الثورى، الذى حصد ما يقرب من خمسة ملايين صوت انتخابى.. ودعا التيار الشعبى إلى مؤتمر وطنى حاشد فى 21 سبتمبر المقبل فى ميدان عابدين، الذى وقف فيه عرابى وجنده فى مواجهة الخديو توفيق، ليقول له: «لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا، ولن نستعبد بعد اليوم». وفى تقديرى أن المبادرة العملية تشجع على الانطلاق إلى الأمام، وفى الوقت نفسه تبذل الجهود لتجميع الأطراف السياسية المدنية الأخرى، ليكون ميدان عابدين شاهدا على التاريخ مرة أخرى، فى تجميع القوى السياسية الوطنية الحية، حرصا على حرية الوطن، وحفاظا على وحدته ومصالحه العليا. كما أننى أرى أن أى تأخير من القوى المدنية فى المشاركة فى هذه المبادرة سيعطى الفرصة للخصم السياسى (جماعات الإسلام السياسى) للفتنة، فاعقدوا العزم على وحدة القوى السياسية المدنية، وليكن ميدان عابدين مكانا يجمعنا جميعا لتوليد مصر الثورية الحقيقية، التى تجسّد مطالب الثورة إلى واقع عملى حقيقى.. لذلك أرى أن الحشد الشعبى وتجميع جميع القوى المدنية فى 21 سبتمبر سيكون حدثا تاريخيا بكل المعايير، واشهدى يا مصر، والله الشاهد على كل جهد وطنى حقيقى. الثورة مستمرة.. وسننتصر بإذن الله.. ولا يزال الحوار متصلا ومستمرا.