ليست مجرد مباراة. إنها بروفة للمعارك القادمة. الأطراف كلها تشكلت: دولة قديمة تريد العودة ومد خطوط شبكاتها مع مجموعات جديدة... ومافيا تقيم جسورها كما كانت تقيمها أيام مبارك... ومجموعات شباب خرجوا من أجل ثورة الحرية... وفقدوا زملاء وأصدقاء برصاص الدولة... وتحت رعاية المافيا. المعركة عنوانها لدى الدولة القديمة والمافيا: هيبة الدولة. ولدى شباب الألتراس: القصاص. هذا هو الفرق بين العقل الذى ما زال مسيطرا على مواقع فى السلطة وبين شباب تتربى خبراتهم فى الشارع ويبحثون عن حقوقهم فى مواجهة تحالفات قديمة/جديدة. هيبة الدولة مفهوم قديم يتم ترويجه فى أجهزة الترويض والتضليل على أنه المفهوم المطلق والوحيد كما كان الطوارئ لا بديل عنه، والرئيس لا يمكن المساس به، وهيبة الشرطة أساس الأمن. مفاهيم سلطوية تتسرب عبر أجهزة الدعاية للنظام فى المدارس والتليفزيونات والصحف إلى درجة لا تجعلها مجرد مفاهيم يمكن تغييرها.. لكنها أقدار أو حقائق مطلقة. ماذا تعنى هيبة الدولة؟ هل تعنى أن العامرى وزير الرياضة يقول إن الرئيس المرسى يريد عودة النشاط الرياضى... فيعود دون أى اعتبارات أخرى؟ هل تعنى أن ينفذ القرار ولو كان خطأ أو اعتداءً على دماء لم تجفّ بعد؟ هل تعنى أن الدولة لا تُلوَى ذراعها، كما قال مستشار الرئيس للشؤون القانونية فى حوار تليفزيونى؟ المستشار والوزير والرئيس كلهم يرددون مقولات قالها مبارك وأباطرته فى كل مكان... وهم جميعا أبناء هذا الخطاب السلطوى الذى انقرض من الدول المحترمة التى تجعل هيبة المواطن هى المحترمة. عدت قبل أيام من أوكرانيا وفيها ضابط الشرطة يمنح التحية للمواطن قبل أن يطلب منه رخص القيادة أو يوقفه.. لأنه هو وأجهزته ورتبه الأعلى ورئيسه يحصلون على مرتباتهم من ضرائب هذا المواطن. المواطن سيد على الدولة. وحقّ مواطن واحد ضائع... لا يجعل للدولة هيبتها. وكم مواطنا ضاعت حقوقه منذ قتل المتظاهرين فى جمعة الغضب وحتى ثورة الألتراس على مباراة برج العرب...؟ هيبة المواطن هى التغيير المطلوب من دولة التسلط إلى دولة ديمقراطية تعرف الحدود بين الحقوق والواجبات ولا يعتبر فيها القانون أداة عقاب لا أداة عدالة. فرق كبير بين أن أشعر بأن الدولة تطبق علىّ القانون لأننى ضعيف.. وأن أكون محميًّا بنفوذ وجبروت وثروة فأجد من يحمينى ويمنحنى القلادات. لم يكن المطلوب هو وقف المباراة فى حد ذاته.. لكنها وسيلة ضغط من أجل إعادة المحاكمة والكشف عن المؤامرة التى جرت فى بورسعيد. ليست بورسعيد وحدها... ولكن من جمعة الغضب وماسبيرو حتى العباسية. أين القتلة؟ أين عدالة الثورات فى كسر أطواق النفوذ عن المجرمين المنفوخين فى مقاعد السلطة؟ العامرى وزير الرياضة يتصور أن هيبة الدولة إقامة المباراة، وهى خيبة ثقيلة لأنها تعنى ببساطة أنك نفذت قراراتك وأرضيت شبكات المصالح... وساهمت فى الغضب ضد الدولة. والمافيا التى تحرّك مرتزقة الإعلام الرياضى محدودة الذكاء لأنها تنظر نظرتها الضيقة... نظرة تربّت فى ظل نظام بلا كفاءة يطلب منها الدعم السياسى وترويض الجمهور فى مقابل منحها تراخيص بجمع الثروت. المافيا محدودة الخيال، فهى تقيم العداء بين اللعبة التى تدر عليهم الملايين بالعداء الواضح مع جمهور هذه اللعبة. من أجل مكاسب سريعة يصنعون مؤامرة جديدة لأنهم يتصورون أن خيبة الدولة ستحميهم من جديد. دولة تضيع فيها الحقوق لا هيبة لها. دولة يُحمَى فيها القتلة لا هيبة لها. دولة يحرّض فيها الضباط الأهالى ضد الألتراس لا هيبة لها. دولة تصنع حربا أهلية لا هيبة لها. دولة العدلُ فيها غريب لا هيبة لها. دولة تحشد كل إمكانياتها من أجل مباراة كرة بلا أهمية لا هيبة لها. دولة تهين مواطنيها لا هيبة لها. دولة هيبتها عند مافيا الملاعب ومرتزقة الشاشات الرياضية لاهيبة لها. ... مرة أخرى.. الهيبة للمواطن لا للدولة.