لم يتوقع أهالى الإسكندرية أن تمتد حملات الإزالة التى أعلنت عنها مديرية الأمن لملاحقة الباعة الجائلين، إلى أكشاك بيع الكتب فى شارع «النبى دانيال» رمز التاريخ والأصالة. الشارع يعود تاريخه إلى العصر اليونانى والرومانى، ويقع فى منطقة الحى الملكى الذى بناه اليونانيون، وأقام فيه صفوة البطالمة. حملة إزالة أكشاك الكتب أثارت استياء السكندريين، واعتبروها إزالة للتاريخ والتراث، فى الوقت الذى ترك فيه المسئولون الباعة الجائلين يرتعون فى شارع خالد بن الوليد، وشوارع ميامى والمندرة والعصافرة. يقول الدكتور أحمد غانم، أستاذ التاريخ اليونانى والرومانى فى كلية الآداب جامعة الإسكندرية: «شىء مشرف أن يكون هذا الشارع التاريخى مكاناً لبيع الكتب بأسعار مناسبة للطلاب، وكان من الأولى أن تستمر حملات الإزالة فى استهداف الباعة الجائلين فى الميادين العامة بدلاً من إزالة أكشاك يعتمد عليها الطلاب والمثقفون فى شراء الكتب». ويقول حازم أبوالمجد «31 سنة - بائع كتب بشارع النبى دنيال»، عقب هدم الكشك الخاص به: «منذ 15 سنة أبيع الكتب فى هذا الشارع، وعمرى ما سمعت إن هذا مخالف أو أننا لا بد أن نحصل على ترخيص». وروى حازم تفاصيل ما حدث معه قائلاً: «فوجئت الساعة 3 فجراً باتصال من عدد من البائعين فى الشارع يخبروننى أن الكشك أزيل، وعندما حضرت وجدت الكشك مدمراً، والكتب ملقاة على الأرض بما فيها المصاحف». وأضاف «الكشك ده بيصرف علىّ أنا وأبويا وأخويا يعنى 3 بيوت مفتوحة منه، ومعانا ترخيص منذ أكثر من 10 سنوات حصلنا عليه من اللواء عبدالسلام المحجوب وقت أن كان محافظاً للإسكندرية». وتابع «توجهنا صباح أمس إلى شرطة المرافق ففوجئنا بردهم بكل بساطة (إحنا آسفين دى كانت غلطة)، طيب أعمل إيه أنا دلوقتى الكشك ده بالكتب يساوى 10 آلاف جنيه، أجيبهم وأعوضهم تانى إزاى، وعندى بيت مفتوح وأسرة وطفلة صغيرة محتاجة مصاريف وفى الآخر بكل بساطة يقولون دى غلطة». ونفى محمد عوض حجازى «43 سنة - صاحب أحد الأكشاك»، أن تكون الحكومة أرسلت لهم تحذيراً قبل 48 ساعة من الإزالة كما ينص القانون، مؤكداً أنه لم يكن يعلم بنية الإزالة وفوجئ مثله، مثل باقى زملائه بلودرات الإزالة تدمر الأكشاك والكتب فى الثالثة فجراً بعد أن نام الجميع وأغلق أكشاكه. وقال ل«الوطن»: «بقالى 25 سنة أبيع الكتب فى الشارع، ولدى جمعية مشهرة تهدف للحفاظ على التراث القديم، وكان هذا الكشك أحد منافذ البيع الخاصة بها ويحتوى على كتب فن وأدب وسياسة وروايات وحتى قصص للأطفال». وأضاف: «لا يوجد شخص زار الإسكندرية، ولم يمر على شارع النبى دانيال واشترى كتباً من هنا». وأشار إلى أنه حرر محضراً صباح أمس برقم 4092 لسنة 2012 إدارى العطارين، ضد رئيس الحى، ومديرية إشغال الطرق، ومحافظة الإسكندرية، مؤكداً أن قيمة الكتب التى تم تدميرها بلغت 20 ألف جنيه بالإضافة إلى ثمن الكشك الذى يصل إلى 7 آلاف جنيه. ويقول اللواء خالد غرابة، مساعد وزير الداخلية، إن قوات الأمن تستهدف من حملات الإزالة إعادة الرونق الحضارى لمحافظة الإسكندرية، وليس الهدف هو إزاله أكشاك الكتب بعينها، ولم يكن هذا الشارع ضمن خطة حملات الإزالة وما حدث غير مقصود، لأن الشارع جزء من تاريخ الإسكندرية، وتراث له اسم محفور فى الذاكرة، وعلامة بارزة فى سوق الكتب ومعلم من معالم المدينة السياحية والثقافية. ومن جانبه، قال الحاج حسين إبراهيم «49 سنة - صاحب أحد الأكشاك»: «اللى حصل ده عمره ما حصل فى عصر الفساد يجى يعملوا كده فى عصر الثورة ولولا تدخل الأهالى كان زمان باقى الأكشاك كلها على الأرض دلوقتى». وقال: «إحنا من حسن حظنا أن الأكشاك بتاعتنا فى آخر الشارع، الأكشاك اللى فى الأول بس هى اللى اتكسرت بس احنا عقبال ما دخلوا عندنا كان الأهالى صحوا ونزلوا ووقفوا أدام اللودرات وقالوا للحكومة: إن الأكشاك دى مرخصة، فما كان من حملة الإزالة إلا أن اعتذرت، وتركت أكشاكنا ورحلت بعد أن دمرت عشرات الأكشاك بمدخل الشارع. وأضاف: الشارع زاخر بالمكتبات والكتب التراثية من فلسفة وأدب وتاريخ ويعد من أشهر شوارع الكتب فى الإسكندرية وفى مصر كلها «يبقى إزاى يحصل كده أنا مش عارف». فيما تضامن عدد من الشباب السكندرى مع بائعى الكتب، ورفضوا اعتذار المسئولين لما فعلوه بالتراث، مطالبين بإعادة الأكشاك لحراس التاريخ والتراث.