من الواضح أن قنوات الاتصال والتفاهم والحوار بين المؤسسة الرياضية وجماهير ألتراس الأهلى والزمالك والإسماعيلى والاتحاد وغيرها ما زالت مسدودة، وكل طرف لا يسمع إلا نفسه ولا يؤمن إلا برأيه ورؤيته ولن يستجيب إلا لقراره، ورغبته منفردة بعيدًا عن الآخر، وهو مناخ متحفز ينذر بوقوع صدام لا يمكن لأحد أن يتكهن بعواقبه فى ظل الكارثة السوداء التى وقعت باستاد بورسعيد، فجماهير الألتراس أغلقت رأسها على عدم عودة النشاط إلا بعد القصاص للشهداء وصدور حكم المحكمة فى القضية المنظورة أمامها الآن، وهى قضية قد يطول أمدها وقد يأتى الحكم بما لا يروى غضب الألتراس ولا يشفى غليلهم على موت أصدقائهم. فى المقابل فالمؤسسة الرياضية ممثلة فى وزارة الرياضة والأندية واتحاد الكرة اتخذت قرارها بعودة الدورى رغمًا عن أنف هذا القطاع المنظم من الجماهير بعد أن استبعدته من المعادلة واتفقت على إقامة الدورى من دون جماهير تجنبًا للصدام وحرصًا على إنقاذ ما يمكن إنقاذه فى هذا النشاط الاقتصادى الذى يستوعب عددًا كبيرًا من العاملين بعضهم قطعت أرزاقهم تمامًا منذ الحادثة المشؤومة. والواضح أيضًا أن كل طرف يهرب من مواجهة الآخر، فالألتراس يرفض عودة النشاط ويلمّح دون أن يصرّح بمشكلات قد لا يتحملها من يقرر النشاط الرياضى، والمؤسسة الرياضية تسعى إلى عودة الدورى خلسة أو تحت جنح الظلام، وهو أمر يفقد الكرة متعتها وجمالها ويفتر من المنافسة التى هى لب أو عصب النشاط الاقتصادى نفسه. فالرعاة والمعلنون والقنوات الفضائية لن تدفع أموالًا فى بطولة فاترة هادئة تلفظ الناس ويخاصمها الجمهور، من الصعب أن يتحرك رأس المال للاستثمار فى كرة القدم أو تمويله بينما البطولة الرسمية تعيش على كف عفريت لا تتابع أحداث مبارياتها الجماهير بقدر ما تتابع ما يحدث من المشجعين خارج الأسوار، وقد عشت هذه الحالة فى مباراة الزمالك ومازيمبى الكونغولى فى البطولة الإفريقية، حيث انصب شغفى على متابعة ماذا تفعل جماهير «وايت نايتس» خارج أسوار استاد الكلية الحربية وقطع طريق صلاح سالم ثم احتلال كوبرى المطار لمشاهدة المباراة بينما لم تشغلنى المباراة نفسها، خصوصا أن فريق الزمالك بات من الفرق التى تدفعك إلى الملل والنفور وكراهية تشجيع الكرة أو مشاهدتها، وإذا استمرت الحال وقررت المؤسسة الرياضية لعب الدورى من دون جمهور، فإن الإثارة الحقيقية ستكون خارج الملعب ولن نحرص على مشاهدة الأهداف بقدر الحرص على مشاهدة مقاطع «يوتيوب» للجماهير خارج الملعب، وستكون أخبارها وبياناتها هى الحدث والموضوع والقصة والحكاية بينما ستتوارى نتائج المباريات والإنذارات والإصابات وأخطاء الحكام إلى ذيل اهتمام الصحف والفضائيات، أضف إلى ذلك استمرار التعامل مع جماهير الألتراس باعتبارهم «بعبع» وتجنب الحوار معهم والوصول إلى نقاط اتفاق أو حتى اختلاف واضحة تُطرح أمام الرأى العام سيحولها دون أن ندرى إلى وحش ضروس وسيخلق عداء بين المجتمع وتلك الجماعات التشجيعية لتتحول طاقتهم الشبابية وحماسهم إلى تطرف تجاه المجتمع الذى يلفظهم فى ظل تحالف المؤسسة الرياضية ضدهم وهذا هو الخطر الذى أخشى أن نقع فيه وهو تحويل مشجعى الألتراس إلى جماعة متطرفة، متجاهلين أن هذا الشباب ليس مجرد أبنائنا وإخواتنا، بل هم جزء أصيل من نسيج المجتمع وتجنبهم وتحاشى الحوار معهم سيقودنا إلى الصدام والعداء. والآن وبعد أن صار للدولة رئيس بغض النظر عن توجّهاته أو موقف جماعته من الألتراس، فإنه مجبر من خلال حكومته على الحوار مع الشباب وحسم القضايا الخلافية وعرضها على الرأى العام. فالمصارحة والمصالحة وتضييق مساحات الخلاف هى الوسيلة الوحيدة لحل تلك المشكلة، أما إغلاق باب النقاش والقول القاطع إن الألتراس يرفضون ويعاندون ويهددون ويتوعدون هو كلام مرسل يطرحه المسؤول حتى يريح نفسه ويستريح من حوارات قد تنال من هيبته أو تقلل من فرص بقائه على مقعده إذا ما اصطدم مع المتشددين فى هذه الجماعات التشجيعية. الآن علينا أن نواجه أنفسنا ومشكلاتنا ونرسم الخريطة التى تحدد دور كل طرف من يخرج عما اتفق عليه الجميع ويشاغب لفرض رأيه بالقوة، فالقانون والقانون وحده هو الفيصل.