تعيش أفكار الدكتور عمارة براحة تامة فى حضن نظرية المؤامرة. وجوده يعتمد على الإيحاء دائما بأن وراء كل شىء مخططا استعماريا، غربيا، صليبيا، (أحيانا تفلت منه هذه الكلمة). بضاعته رائجة وقد خصص مقالات مجلة «الأزهر» لهجوم عنصرى على الشيعة. وهو اتجاه يضمن له الشعبية ويؤسس له منذ سنوات، وكتب مثلا فى «الأخبار» (4 يوليو 2003) عن «توحيد الأمة على المذهب السُّنِّى قبل البدء فى معركته الفاصلة لتحرير القدس». وهو هنا يشير إلى صلاح الدين الأيوبى الذى لا يمكن إغفال دوره فى تحرير القدس، كما لا يمكن محو جريمته فى إقصاء المذاهب الدينية. لكن الدكتور عمارة لعب على اعتباره رمز استعادة القدس ليمرر مشروعا عنصريا طائفيا، يقوم على القضاء على كل المختلفين ويقول بفخر: «بلغ صلاح الدين حد التشدد ضد كل الفكريات والفلسفات والأيديولوجيات المخالفة للسُّنّة، عقيدة الأغلبية وأيديولوجيتها، فقضى على دُعاة الإسماعيلية الباطنية، وأمر ابنه حاكم حلب بإعدام فيلسوف الغنوصية الإشراقية، السهروردى (1154-1191م)، لما أثاره فى مناظراته مع الفقهاء من بلبلة فكرية كانت تخلط الأوراق بين الحضارات والثقافات، فتضع زرادشت وأفلاطون مع نبىّ الإسلام. وتخلط محاورات أفلاطون مع الوحى الكلدانى بالقرآن الكريم، الأمر الذى يميّع الجبهة الفكرية باعتماد منهاج «الاشتباه والنظائر» فى وقتٍ يحتاج فيه الصراع مع الآخر إلى اعتماد منهاج «الفروق» للتميّز عن الآخر، ولملْء الوجدان بالكراهة له، كشرطٍ من شروط التعبئة والانتصار». وكأن على المسلمين السُّنة الآن أن يقتلوا الشيعة ليحرروا القدس. أو على أى أغلبية أن تتخلص من الأقليات للحفاظ على مجتمعات النقاء العنصرى (وهذا هو جوهر فكرة إسرائيل التى لا تريد على أرض فلسطين إلا اليهود). هذا هو «المفكر الإسلامى» كما يصفون محمد عمارة بحماس بالغ فى مجالات الفكر الدينى (مجلة الأزهر) والمجال السياسى (لجنة الدستور). وهو هنا يبحث عن سلطة توازى السلطات السياسية. يستمتع بالرجوع إليه وتدليله لمشاعر التعصب والتطرف. الدكتور عمارة يستمتع بسلطة الفتوى وإصدار الأحكام على الآخرين، ولا بد له من أعداء يقصيهم ويخرجهم عن الصف ليحشد خلفه جنودا يقولون «آآآه» إعجابا بكل ما يقوله.. وكلما كفّر الدكتور أكثر ازداد معجبوه ومؤيدوه.. وهو عندما يلعب على رمز مثل صلاح الدين الأيوبى. اختزلته الدعاية الناصرية فى: موحِّد العرب ومحرر القدس وحذفت من سيرته العداء لمذهب إسلامى والتخلص من أتباعه بوحشية، لا يفعل سوى أنه يعطى المبرر الشرعى للطغاة. تحت شعارات وهمية براقة. لن يحاسب أحد صدام حسين، لأنه أباد الأكراد ما دام يحاول توحيد أمته فى مواجهة العدو.. وكذلك كل حاكم شيعى يبيد السُّنة.. أو حكومة مسيحية تطرد المسلمين.. أو يهود ينهون سيرة الشعب الفلسطينى. عقلية الإقصاء والعنصرية لا دين لها. إنه الشيخ الذى يبرر استبداد الديكتاتور. يتفرغ الشيخ لملاحم من نوع «الحرب الدينية» و«التبشير الشيعى» و«تحريف التوراة»، وللبحث عن «ضحية» يوجه إليها سهام التكفير ليخرج بطلا. إلى أين ستؤدى هواية الدكتورة عمارة فى العبث فى الكتب الصفراء القديمة لاستخراج فتاوى الكراهية والتمييز الدينى.. وهوايته تنتقل من لجنة الدستور إلى الأزهر؟ هوايته لها سحر قاتل، تسهم فى صنع غوغاء يعبدون أصحاب هذه الفتاوى بعد قليل باعتبارهم مخلصين ومنقذين وزعماء دينيين.. غوغاء ينتظرون الدفاع عن مقدس، أو الانتقام من عدو، وها هو عدو جاهز، أتباع دين آخر، وشركاء يزاحمون على فتات تبقى من موائد مصاصى الدماء، سحر التطرف يجبر الأزهر، على محاولة ملء الفراغ، لتبدو سلطة دينية افتراضية فى دين لا يعترف بالسلطة الدينية. وحكيت من قبل واقعة قريبة لم يمر عليها سنوات قليلة حين أعدمت وزارة الأوقاف نسخ كتاب الدكتور عمارة «فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية». الدكتور المشترِك فى كتابة الدستور يقول بصراحة إن المسيحيين (يستخدم الكتاب التعبير القديم: النصارى) كفرة ملحدون.. أموالهم ودماؤهم مستباحة. وهى فتوى تقال منذ سنوات على منابر المساجد. وفى جلسات اجتماعية. ترسخت فى الوعى مع تراكمات السنين وانتشار عقل القبيلة الذى ينفى الآخر. ويقصى جارك ما دام لا يشبهك. ويضعك على قائمة الاغتيال إذا خرجت عن «الصورة» التى يرسمها المجتمع لنفسه من وحى أفكار تمنع التفكير. ولن تندهش بعد ذلك إذا حذفت كلمة «الإسلام» من بين كلمات الدكتور عمارة وستتخيل على الفور أنه يقرأ بيانا للحزب النازى أو يلقى واحدة من فرمانات مدير إصلاحية الأحداث