بنص قانون الانتخابات فإن كسر حاجز الصمت الانتخابى جريمة يعاقب عليها بالغرامة من عشرة آلاف إلى مائتى ألف جنيه، والحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر .. وعليه وفقا لما جرى بالأمس من عمليات خرق واضحة من مرشحين بعينهم، وفى حالة ما إذا احترمت اللجنة العليا للانتخابات قانونها ودافعت عن كرامتها، من المحتمل أن تأتى النتائج برئيس جديد تكون زيارته الأولى إلى السجن لقضاء العقوبة. لقد كان الجدل والخلاف يدوران حول تعريف الصمت الانتخابى، وضبط مصطلح خرقه، وهل ينسحب على المرشح ذاته، أم يطبق على أعضاء حملته .. وهل يطبق القانون على المرشح أم على الحملة، وها نحن أمام من المرشحين من يحسم الجدل ويفك الالتباس ويظهر على الهواء مباشرة فى حالة خرق صارخ للصمت الانتخابى، وممارسا فعل (جريمة) انتهاك قانون الصمت الانتخابى بشخصه، بما لا يدع مكانا للغموض، وللشك، ويغلق الباب أمام الاجتهاد والاحتمالات. وقد سارعت اللجنة العليا بتقديم بلاغ إلى النائب العام ضد هذا الاختراق الغشيم للقانون، لكن قبل أن تتفاءل بأن اللجنة ستتمسك بدفاعها عن كرامتها وعن القانون، عليك أن تتذكر جيدا أنها اللجنة نفسها التى تحدت القانون الخاص بحرمان مرشح من خوض الانتخابات، رافضة تطبيق العزل بكل بسالة حتى تسمح له بخوض الانتخابات. والثابت أن هذه اللجنة «المقدسة» أسبغت على هذا المرشح الخارق حماية وحصانة، وفرضت سياجا يحول دون امتداد القانون إليه، ومن هنا فإن المشكلة ليست فى القانون، وإنما فى اختراع هذه اللجنة على نحو يجعلها فوق الدستور وأعلى من القانون ذاته، ما يجعلها فوق المساءلة والحساب فى حالة استخدامها لحقها «شبه الإلهى» فى التعامل مع القانون بشكل مطاطى، يرتخى أمام مرشح بعينه، ويكون مشدودا وصارما وباترا مع الآخرين. وفى وسط هذه العتمة يبقى القضاء المصرى هو شعاع الضوء الوحيد فى هذه المغارة الانتخابية، وأحسب أن مبادرة «قضاة من أجل مصر» التى أطلقها أجلاء من رجال العدالة المستقلين، على رأسهم المستشار زكريا عبد العزيز، هى الملاذ الأخير والوحيد للمصريين فى ظلام العملية الانتخابية الحالك.. وقد أكد مئات من القضاة أنهم سيكونون صوت الحق والحقيقة، والشاهد الذى يرى كل شىء، ويعلنه للمصريين، كى لا يتم اغتصاب إرادة الجماهير فى سراديب وكهوف مظلمة. إن حركة «قضاة من أجل مصر» بهذا التشكيل وهذه الرؤية لمراقبة الانتخابات، والتى تقوم على نشر أكثر من 1500 مراقب، يتابعون التصويت داخل اللجان، ويعلنون نتائج الفرز أولا بأول من اللجان الفرعية، هى ضمير مصر وعينها على انتخابات شاب إجراءاتها الكثير من دوافع القلق والريبة. وكما كان تيار الاستقلال القضائى فى الصفوف الأولى من تيار التغيير والثورة على الاستبداد والعطن السياسى فى 2005، فإن مصر تنتظر ما هو أكثر من هؤلاء النبلاء المستقلين فى 2012.