في لحظات معدودة، تحول طريق المريوطية الهادئ بين قريتي "المنوات" و"أبو صير" بمركز البدرشين إلى مسرح لملحمة إنسانية اختلطت فيها ملامح البطولة بمرارة الفقد. لم يكن "سامح سعد تركي"، سائق الأتوبيس الشاب، يعلم أن مسار رحلته اليومية سينتهي بلقب "شهيد الشهامة"، بعدما قفز نحو الموت محاولاً منح الحياة لغيره. اقرأ أيضاً| رصاصة الفرح القاتلة.. طفلة البراجيل دفعت عُمرها ثمنًا ل «ساعة طيش» سقوط مفاجئ.. وصرخات استغاثة بدأت الواقعة في ساعات الصباح الأولى، حينما انحرفت عجلة القيادة من يد سائق سيارة ميكروباص، لتسقط المركبة في أعماق ترعة المريوطية. الصدمة شلت حركة المارة، والمياه بدأت تبتلع السيارة ومن فيها وسط صرخات يائسة. في تلك اللحظة، كان "سامح " يمر بأتوبيسه، ولم يتردد لثانية واحدة؛ كبح جماح محركه، وترجل مسرعاً ليقذف بجسده في المياه العكرة، مدفوعاً بنخوة لم تحسب عواقب التيار الجارف. البطل والضحايا.. صراع مع التيار روى شهود عيان تفاصيل اللحظات القاسية؛ حيث نجح "سامح" في الوصول لشخصين من ركاب الميكروباص، وحاول الإمساك بهما وسط مقاومة عنيفة من المياه وقوة التيار. يقول أحد الشهود والدموع تغلبه: "سامح كان يصارع الموت لإنقاذهم، رأيناه يمسك بهم بكل قوته، لكن التيار كان غادراً، سحبهما وسحب البطل معهما أمام أعين الجميع الذين وقفوا في حالة ذهول وعجز". حصيلة ثقيلة وجنازة صامتة انتهت المعركة غير المتكافئة مع المياه بفاجعة؛ حيث لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم، من بينهم السائق "البطل" الذي ضحى بحياته في سبيل المحاولة. وفور تلقي البلاغ، هرعت قوات الأمن بمديرية أمن الجيزة ورجال الإنقاذ النهري إلى موقع الحادث، حيث جرى انتشال الجثامين الثلاثة واستخراج السيارة المنكوبة من قاع الترعة. البدرشين تودع "أيقونة الشهامة" سادت حالة من الحزن الشديد بين أهالي منطقة البدرشين، الذين عرفوا "سامح" بأخلاقه الرفيعة وتفانيه في عمله. تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى دفتر عزاء للشاب الذي "اشترى الآخرة بدنياه"، مؤكدين أن ما فعله هو تجسيد حي لشهامة المصريين التي لا تعرف الحسابات والمخاطر. الإجراءات القانونية تم تحرير محضر بالواقعة وأُخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيقات.