مصطفى الريّس وتشتو السماءُ.. تصير البلدُ روبة، الأولادُ يغنون مع الرعد بوجوه وَحِلة: «الدنيا بتُنطر وعزيزة بتُنشر» لا أتذكرك سوى بالبرودة ملتفة بالبطانية الصوف، جالسة على السرير، تنظرين لى من تحت النظارات -بكل يد إبرة كروشيه- بعينيك هاتين اللتين ظلتا عمرا تزغران لى وتحدقان فى معالم وجهي، مققتِهما فى شتوية 22 وأنت تنسجين شيلانا لى وقفازاتٍ - وأنا أجهز حالي للرحيل النهائى إلى الأرض الأخرى التى لم تع بعد رائحة شتوياتك المنقوعة فى الفطير والزعتر وكنت أروح عليك وأجىء ألعب الكرة مع ولاد الجيران، نخطف بعض دقائق، قبل أن يبدأ آباؤهم ركلَ مؤخراتهم حتى آخر الشارع كى يؤدوا المواشى للغيط أصعد السطح لأمرر الظهيرةَ والكرة بين العواميد وقدمى وأهبطُ أمرُّ عليك من جديد جالسةً كما تركتك تكبين من نور عينيك فى أوانى الطهى وماكينة السينجر وتكبرين، وعند العصرية أنزل أغمس جسدى فى طين الشوارع يرجمنا أبو النجا بالحجارة وهذه المرة الخيزرانة تعرف أماكنها على ظهور العيال، قبل الغروب يعودون للحقل ليرجعوا البهائم قبل أن تُليّل الدنيا وأعود إليك مُلطخا فتقرصين فخذى وتحممين قدمى وتغسلين وجهى من الوسخِ والبكاء وتطفئين الكانون فى اللحظة الأخيرة قبل أن يحترق العشاء وفى الليالى أعرفك تنشجين فى البكاء تتذكرين العلامات الزرقاءَ التى بصمتى بها على جسدى وبالصبح أصحو فى الشارع، أحل رأسى حافيا وأُشكّل من الطمى عائلات صغيرة وأبناء يلعبون الكرة وأمهات يبتسمن من الشبابيك - وعلى صدورهن طفلاتِ أواخرِ العنقودِ - وهن يَرين أطفالهن فى الحارات يحرزون الأهداف ويُحملون على الأعناق *** ستى نجدة تعجن في الطشتِ الزمنَ وتشيد أعمدة البيت من العيش الفلاحىّ وعَنانُ بنت الشبرين التى تجلجل ضحكاتها إذا أخذتماها عميقا فى البحر ساعة الغروب تلك التى لم يكن يحلو لها اللعب بعرائس الطين إلا بأعلى بسطات سلم البيت الذى بنته ستى السورُ شبرٌ والبنت شبران وعنَانُ تتدلى رجلاها من السور تتخذ من بيت جدودنا حمارا ومن أعصاب عمرى لجامًا أنتِ تُجلسين ابنتك على سور الشرفة لأن القصيرة تريد أن تتفرج علينا نلعب، تأخذ الشارع وصغاره فى حضنها وأنا أعوم فى كوابيسى بالليل... النُنَّة شفتاها تدميان طائر رُخٍّ خطفها من أمى تغنى فى الصباح مع العصافير وتهجر بيتنا لتبنى لنفسها عُشا أعلى شجرة الكافور التى فى أول البلد قُل لى يا با: من ترك البسطة بلا سور؟ من أبقى سُلمنا مشرعا للسماء؟ لماذا يبدو... كأنكم كنتم جميعا تُبذرون الثلجَ فى رأسى الأسود قبل أوان الشتاء؟