لم يعد الذكاء الاصطناعي « AI» مجرد مصطلح تكنولوجي غامض، بل أصبح واقعًا ملموسًا في فصول المدارس المصرية، وعلى شاشات الهواتف المحمولة للطلاب، فمن التطبيقات التعليمية إلى المساعدات الذكية وبرامج المحادثة، بات الذكاء الاصطناعي جزءًا من يوميات الطفل المصري، يستخدمه البعض كوسيلة للفهم السريع وتنظيم الوقت، بينما يعتمد عليه آخرون بشكل شبه كامل في أداء الواجبات المدرسية، وبين الحماس والخوف، تتباين الآراء باختلاف المراحل التعليمية. وتكشف تجارب الطلاب عن تحول الذكاء الاصطناعي، إلى شريك يومي في رحلة التعلم، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات حول الاعتماد المفرط عليه، وحدود استخدامه الأخلاقي والتربوي. فبينما يعتبره البعض أداة للتطور، يراه آخرون خطرًا يهدد روح الإبداع الذاتي، لتبقى مسؤولية التوعية والاستخدام الواعي هي التحدي الحقيقي أمام المدارس والجامعات المصرية. شهادات طلاب المرحلة الابتدائية: «بيعرف كل حاجة» حبيبة محمد طالبة بالصف الخامس تسأل ال AI عن أية أمور تحتاج معرفتها، سواء تعليمية أو غيرها، فتقول «بسأله لو عايزة أعرف حاجة في الواجب، وساعات بسأله لو هو يعرفني أو لأ، لأني باسمع إنه بيعرف كل حاجة، بس لاقيته مش عارفني». وتستخدم ملك بالصف الخامس الابتدائي الذكاء الاصطناعي في تطبيق يعلمها الإنجليزية، قائلة «بيكلّمني كأنه شخص حقيقي ويساعدني أنطق صح، بس ببقى مش عارفة هو إزاي دايمًا بيجاوبني وبيعرف يفهمني كدة». بينما يستمتع آدم في الصف الرابع بالذكاء الاصطناعي في الألعاب، موضحًا «بحب ألعاب فيها ذكاء اصطناعي، بس ماما قالتلي ما أقولش أي معلومات شخصية وأنا بلعب عشان دا خطر ومش صح». اقرأ أيضا: تقرير دولي: شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى تفشل في تلبية معايير السلامة العالمية طلاب المرحلة الإعدادية: يساعدنا في غش الواجب من المرحلة الإبتدائية إلى الإعدادية، يرى يوسف طالب الصف الثاني الإعدادي، أن الذكاء الاصطناعي ساعده في الفهم:«بستخدم ChatGPT لما مش بفهم مسألة في الرياضيات، بيساعدني أفهم الخطوات، بس ساعات بيديني حل غلط، ولازم اتأكد من المدرس برضو». ويعترف أحمد محمد، بالصف الثاني الإعدادي بابتسامة «بيساعدنا في التسلية والبحث، وكمان في غش الواجب لما يكون صعب علينا، بس أوقات بيغشش غلط للأسف». سارة في الصف الثالث الإعدادي، ترى أن له فوائد متعددة في المذاكرة، مثل الترجمة أو شرح بعض المسائل وغيرها، لكن البعض يستخدمه بطرق خاطئة مثل غش الواجبات بالكامل، مؤكدة أن هذا بالطبع خطأ كبير لأنه يجعل الطالب غير متعلم أو فاهم لما يدرسه. أما كريم في الصف الأول الإعدادي فيقول بدهشة «كنت أعتقد أن الذكاء الاصطناعي في الأفلام فقط، لكني وجدته في كل شيء حولنا، ووجود برامجه بسهولة على الموبايل جعل استخدامه سهل جدا ومتاح في كل وقت». المرحلة الثانوية: يقتل الإبداع والموهبة توضح نور، طالبة بالصف الثاني الثانوي أنها تستخدم ال AI في تلخيص الدروس الطويلة أو المقالات، مايوفر لها وقت كبير، لكنها دائما ما تراجع ما يكتبه، للتأكد من دقته في كثير من الأحيان. أما ليلى، بالصف الثالث الثانوي، فتؤكد أن الذكاء الاصطناعي فتح أمامها باب الإبداع، وساعدها على تعلم التصميم والرسم، بالاضافة إلى استخدامه في تحسين الصور، وكذلك دورة فى المعرفة وتعلم اللغات، مشيرة إلى أن البعض يستخدمه بشكل خاطئ، مثل فبركة الصور التي تستخدم بعد ذلك في أمور مخالفة للقانون والشرع. ويشير أمجد بالصف الأول الثانوي، أنه لا يستخدم برامج الذكاء الاصطناعي، سوى في الأسئلة التي تقف أمامه فقط، مؤكدا أن الاعتماد عليه بشكل كامل، كما يفعل البعض خاطئ جدا، ويقتل الإبداع والموهبة وعمل العقل في الناس. المرحلة الجامعية: يقلص القدرة على التطبيق العملي في الجامعة، بدأ الوعي أوضح والتعامل أكثر نضجًا، فيشهد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل الجامعات انتشارًا متناميًا، إلا أن آراء الطلاب حول جدوى هذه الأدوات، وحدود الاعتماد عليها ما تزال متباينة، تعكس اختلافًا واضحًا في التجربة والممارسة اليومية، يظل الجدل قائمًا حول كيفية توظيفه بصورة تعزز التعلم دون أن تضعف دور الطالب وقدرته على التفكير المستقل. توضح مي عبدالعزيز من كلية الإعلام، أنها تعتمد على الذكاء الاصطناعي بشكل شبه كامل، قائلة: «أستعين به في تلخيص المحاضرات، وصياغة العروض، وتنظيم الأفكار، وأرى أنه يوفر الوقت ويزيد من جودة عملي الأكاديمي، شريطة استيعاب المحتوى الذي ينتجه». في المقابل، يرى محسن رائد من كلية التجارة، أن الإفراط في استخدامه ينعكس سلبًا على مهارات الطلاب:«أستخدمه كثيرًا، لكني ألاحظ أحيانًا أنني ألجأ إليه قبل التفكير بنفسي، وهو ما يجعلني متخوفًا من ضعف القدرة على التحليل». محمد عبدعظيم طالب بكلية الهندسة أشار قائلا «الذكاء الاصطناعي بالنسبة لنا أساسي، نستخدمه في البرمجة وتحليل البيانات، لكن لابد أن نكون على علم وفهم جيد بالأساس، حتى لا نعتمد عليه كليًا، وتكون النتيجة أن نتخرج دون أن تكون لدينا القدرة على التطبيق العملي في أسواق العمل». في حين تؤكد سارة عبدالفتاح من كلية العلوم تحفظها الواضح على هذه التقنيات، قائلة «أفضل استخدامه في نطاق ضيق، لأن بعض المعلومات التي ينتجها قد تفتقر للدقة، ولا بد من الاعتماد على المهارات الذاتية خاصة في التخصصات العلمية». علماء نفس: يضعف المرونة العقلية والتفكير النقدي ما سبق نماذج لما تم رصده من آراء طلاب مختلف المراحل التعليمية، حيث تباينت الآراء بين ما هو مفيد وما هو ضار، لكن الثابت في الأمر أن تقنياتت الذكاء الاصطناعي باتت جزءًا لا يمكن تجاهله من الواقع التعليمي المعاصر، وفق كما الدكتورة إيمان عبدالله استاذ علم النفس، فالكثير من الطلاب الذين تتابعهم داخل برامج علاجية، أو تعليمية يلجأون إلى هذه الأدوات لطلب خطط مذاكرة، أو كتابة موضوعات تعبير، أو تبسيط محتوى دراسي، وهو ما يطرح تساؤلات مهمة حول تأثير الذكاء الاصطناعي نفسيًا وتربويًا على المتعلمين. الذكاء الاصطناعي يقدم للطالب دعمًا معرفيًا لا يمكن إنكاره وفق توضيحات الدكتورة إيمان، فهو يساعده على فهم موضوعات صعبة، ويمنحه القدرة على التعلم الذاتي بأسلوب مبسط وسريع، خاصة في غياب من يشرح له أو يجيب عن أسئلته. كما يساهم هذا النوع من الدعم، في تحسين الدافعية والشعور بالقدرة والإنجاز، ما ينعكس على الأداء الأكاديمي والمزاج والصحة النفسية، كما يفتح أمام الطلاب آفاقًا واسعة للمعرفة والثقافة، ويتيح لهم طرح أسئلة متتابعة تقودهم لاكتساب أفكار جديدة وتعزيز الشغف بالتعلم. مضيفة أن استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل واعٍ، يمكن أن يسهم في تنمية الإبداع والتميّز، ويخفف من قلق الامتحانات، ويمنح الطلاب إحساسًا أكبر بالطمأنينة لأنهم يجدون مصدرًا سريعًا للمعلومة والدعم. رغم هذه الإيجابيات، تحذر دكتورة إيمان من أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تحوّل خطير في هوية الطالب كمتعلم، وبدل من أن يبحث الطالب ليفهم، يصبح الهدف مجرد الحصول على إجابة جاهزة، وهنا يتكون نوع من الاعتمادية المعرفية، حيث يتراجع دور الدماغ في التفكير والتحليل والتذكر، وتتحول الأداة إلى «ذاكرة خارجية» تستبدل جهد الطالب. وهذا النمط بحسب استاذ علم النفس يضعف المرونة العقلية والتفكير النقدي، ويجعل الطالب غير قادر على الإبداع من ذاته، فالطلاب لم يعودوا كما كانوا في السابق يقتبسون حديثًا أو شعرًا، أو يعيدون صياغة تجاربهم الشخصية في موضوعات التعبير، بل يحصلون على إنتاج آلي جاهز لا يعبر عن صوتهم الداخلي. تداعيات اجتماعية.. يُظهر لدى البعض مشاعر «نقص القيمة» ولفتت دكتورة إيمان إلى أن هذا التحول لا يقف عند حدود المعرفة، بل يمتد إلى المجالين النفسي والاجتماعي، فالطالب قد يشعر بوحدة وفراغ عاطفي رغم وجود أدوات «تجيبه» دائمًا، لأنها تفتقر للدفء الإنساني، كما تظهر لدى بعض الطلاب مشاعر نقص القيمة مقارنة بسرعة ودقة الذكاء الاصطناعي، ما يؤدي إلى ضغط نفسي وضعف القدرة على الصبر والتحمل. مشيرة إلى أن التربية والتعليم علّما الإنسان عبر السنين الصبر على البحث والتدرّج في الفهم، بينما توفر الأدوات الذكية إجابات فورية قد تولّد «عجلة معرفية» وقلقًا سريعًا مقابل معرفة سريعة، بالإضافة إلى أن الإفراط في استخدامها قد يخلق نوعًا من العزلة الاجتماعية، ويقلل من التواصل الوجداني بين الطلاب وبعضهم، وبين الطلاب والمعلمين والأهل، وهذا بدوره يهدد واحدًا من أهم مصادر الإبداع والتفاعل الإنساني. في ضوء ما سبق، شددت عبدالله على ضرورة إرساء وعي تربوي ونفسي لدى الطلاب والمعلمين والأهالي، فالذكاء الاصطناعي أداة تكنولوجية وليست إنسانًا، دوره أن يوسع الإدراك ويفتح الآفاق، لا أن يحل محل التفكير البشري أو يسرق رحلة البحث والمعنى من المتعلم. وتدعو استاذ علم النفس إلى تدريب الطلاب على التفكير العميق والانتباه الذهني لتقليل التشتيت، وتعزيز القيم الإنسانية مثل الإبداع والتواصل والمعنى داخل البيئة الرقمية، دمج الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة في التعلم، وليس بديلًا للجهد الشخصي، تنمية الذكاء العاطفي والتربية الرقمية لضمان التوازن بين التقنية وإنسانية الإنسان. وتختم بأن النجاح لا يجب أن يرتبط بأدوات الذكاء الاصطناعي، بل بالاجتهاد والصبر والبحث الحقيقي، فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون معينًا قويًا، لكنه لا يمكن بأي حال أن يحل محل المربّي، أو الطبيب، أو الإنسان ذاته.