على امتداد الساحل الشرقي لمصر تقف جبال البحر الأحمر شامخة، حارسةً لأسرار عمرها ملايين السنين، تحمل في صخورها قصة الأرض الأولى، وفي أوديتها مفاتيح ثروة طبيعية لم تُستغل بعد بالشكل الأمثل. تمتد هذه السلسلة الجبلية بطول أكثر من ألف كيلومتر من خليج السويس شمالًا حتى حدود السودان جنوبًا، لتشكل أحد أبرز المعالم الجغرافية في مصر، وأحد أقل المناطق اكتشافًا على خريطة السياحة المحلية. إن جبال البحر الأحمر تُعد من أقدم التكوينات الصخرية في العالم، حيث يعود عمر بعض صخورها إلى أكثر من 600 مليون سنة، ما يجعلها متحفًا طبيعيًا مفتوحًا يضاهي أشهر المحميات الجيولوجية العالمية. ليست الجبال مجرد صخور صامتة، بل مخزن للثروات. فالمنطقة تحتوي على معادن استراتيجية مثل الذهب والفوسفات والحديد والجرانيت، وقد استخرج المصري القديم الذهب من مناجمها قبل آلاف السنين، وهو ما تؤكده النقوش الأثرية المنتشرة في الصحراء الشرقية. ورغم المناخ الصحراوي القاسي، تحتضن جبال البحر الأحمر حياة برية نادرة، من بينها الوعول الجبلية والغزلان وأنواع متعددة من النسور والطيور الجارحة، بالإضافة إلى نباتات طبية تستخدم حتى اليوم في العلاج الشعبي. وعلى الرغم من هذا الثراء الطبيعي، لا تزال جبال البحر الأحمر بعيدة عن الاهتمام السياحي الحقيقي، إذ يقتصر النشاط السياحي في المنطقة على الشواطئ، بينما تظل الجبال خلف الستار، دون استثمار في سياحة السفاري أو السياحة البيئية. ويحذر خبراء البيئة من أن التعدين العشوائي والزحف العمراني يمثلان أكبر تهديد للمنطقة، مطالبين بوضع استراتيجية وطنية لحماية الجبال وتحقيق تنمية مستدامة توازن بين الاستثمار والحفاظ على الطبيعة. جبال البحر الأحمر لا تطلب سوى نظرة إنصاف... نظرة تعيد إليها مكانتها على خريطة السياحة والبحث العلمي، وتُخرج كنوزها من الصمت إلى النور، قبل أن تبتلعها يد الإهمال.