اقترب موعد دخول محطة الضبعة النووية للخدمة الفعلية. بعد مشاركة الرئيسين السيسى وبوتين فى الاحتفال بتركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة الأولى، سيتم نفس الأمر تباعا للوحدات الثلاث الأخرى فى المفاعل، ويتم الاستعداد لتخزين الوقود النووى ليبدأ الإنتاج بعد ثلاث سنوات ويصل للقوة الكاملة خلال عامين. لم يكن الطريق سهلا منذ أن بدأنا برنامجنا النووى السلمى فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى. تعطل تنفيذ مشروع المحطة النووية «أو تم تعطيله عمدا» عدة مرات انتهت هذه المرحلة بعد الاتفاق على مشروع الضبعة مع روسيا والبدء الفعلى فى التنفيذ الذى وصل الآن إلى مرحلة متقدمة. المشروع الكبير ليس فقط لإنتاج الطاقة النظيفة والمستدامة بأرخص التكاليف «وهو هدف مهم فى حد ذاته»، لكنه مشروع تنموى متكامل يدخل بنا إلى عالم التكنولوجيا النووية واستخدامها السلمى فى كل الميادين.. من الزراعة إلى الطب، ويفتح أمام شبابنا من العلماء أبوابا جديدة للتطور والابتكار. الشراكة مع روسيا فى مثل هذه المشروعات الكبيرة كانت إيجابية جدا منذ السد العالى وتصنيع الستينيات حتى «الضبعة» والمفاعل الأحدث فى العالم والأكثر أمانا. الأهم هنا بالنسبة لنا كان الشراكة الحقيقية فى التنفيذ بسواعد مصرية ومصانع انجزت ثلث الاحتياجات بمواصفات عالمية وبكوادر علمية تثبت على الدوام كفاءتها الكبيرة، وبتأهيل لجيل جديد يدخل هذا المجال شديد الأهمية. ثم بالإدارة المصرية الكاملة للمحطة النووية التى تؤمن لنا نسبة معتبرة من احتياجاتنا من الطاقة بتكلفة لا تقارن بغيرها من المصادر الأخرى. الانفتاح على العالم أمر ضرورى، والأهم هو التركيز على ما يبنى قوتنا الاقتصادية وتقدمنا العلمى. التركيز على امتلاك الطاقة ومضاعفة التصنيع لابد أن يتكامل بامتلاك التكنولوجيا الحديثة وبتوطين الصناعة وبالقدرة على المنافسة والابتكار. الطريق من «الضبعة» ينبغى أن يمتد إلى آفاق أكبر وطموحات لا تتوقف لكى تعوض ما فاتنا، ولكى تكون جزءا فاعلا فى عالم يتطور بسرعة نحو عصر لا يمكن أن يدار بالمفاهيم القديمة بينما الصراع فيه يدور بالذكاء الاصطناعى وتطوراته الخطيرة. رغم كل المصاعب والتحديات التى تواجهنا، نثبت كل يوم أننا قادرون على البناء، وأننا نملك كل أدوات التقدم. مشروع «الضبعة» هو مثال آخر على تحدى الظروف، وعلى طموحنا المشروع لامتلاك كل أدوات التقدم وعناصر القوة فى عالم لن يعترف إلا بمن يستطيع أن يبنى قوته وأن يحميها. «الضبعة» تمثل محطة مهمة على الطريق الطويل والممتد لما هو أفضل. الشراكة مع روسيا ستتوسع والمنطقة الصناعية الروسية ستكون موضع اهتمام فى الفترة القادمة. التعاون مع روسيا كان يحقق دائما مصالح الطرفين كما هو الحال مع قوى أخرى نبادلها الاحترام ونشاركها المصالح. المهم أن نعى جيدا أننا أمام محطة رئيسية فى طريق لابد أن نستكمله رغم كل التحديات.