بكين تحتضن 150 قيادياً عربياً في حوار حضاري تاريخي لبناء «مجتمع المصير المشترك»

شهدت العاصمة الصينية بكين انطلاق فعاليات الدورة الحادية عشرة لحوار الحضارات الصينية العربية، في حدث دبلوماسي رفيع المستوى جمع نحو 150 مشاركاً من قيادات سياسية وبرلمانية وإعلامية من 22 دولة عربية، إلى جانب ممثلين صينيين من مختلف الوزارات والجامعات ومراكز الأبحاث.
شراكة حضارية تحت مظلة "مجتمع المصير المشترك"
نظمت إدارة الاتصال الخارجي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية هذا الملتقى الحضاري تحت عنوان "تعزيز الحوار الحضاري وبناء مجتمع المصير المشترك الصيني العربي للعصر الجديد".
وشارك في الحدث الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ونائب رئيس حركة فتح الفلسطينية محمود العالول، إلى جانب نائب رئيس مجلس الشورى البحريني جمال فخرو، ونائب رئيس مجلس النواب المغربي إدريس الإدريسي، ونائب رئيس مجلس الشورى اليمني عبدالله القيوبي.
رؤية صينية طموحة للشراكة الاستراتيجية
أكد ليو هايشينج، وزير الاتصال الخارجي الصيني، خلال كلمته الافتتاحية أن هذا الحوار يأتي تنفيذاً للتوافقات المهمة التي توصل إليها الرئيس الصيني شي جين بينغ مع قادة الدول العربية في الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي بمايو الماضي، حيث طرح الرئيس الصيني آنذاك إطار التعاون الخماسي الذي رسم خارطة طريق طموحة لمستقبل العلاقات بين الجانبين.
وأشار المسؤول الصيني إلى أن الحضارتين الصينية والعربية تجمعهما روابط عميقة تتمثل في تاريخ طويل من التواصل الحضاري، وقيم متقاربة، ورسالة عصرية مشتركة، وآفاق واعدة للتعاون، مما يجعل الجانبين رائدين في تطبيق مبادرة الحضارة العالمية ورفيقي درب على هذا الطريق.
وزير دائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ليو هايشينج
المؤتمر ركيزة للشراكة الاستراتيجية
ألقى الأمين العام للجامعة العربية كلمة مهمة أشاد فيها بهذا المؤتمر الذي تحول إلى أحد الركائز الأساسية لمسار الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الجانبين، معتبراً أنه يعكس الأساس الراسخ من التفاهم العميق والتعاون البناء الذي تقوم عليه العلاقة بين الحضارتين.
وأشار أبو الغيط إلى أهمية شعار الدورة الحالية الداعي إلى استبدال لغة الصراع والرفض بلغة الشراكة والتفاهم، مشدداً على إيمان الجامعة العربية الراسخ بأن الحضارات الإنسانية تتكامل وتتلاقى، وأن قوتها الحقيقية تكمن في تنوعها، مؤكداً أهمية التمسك بمبدأ التكامل الحضاري ونبذ المقاربات الإقصائية.
التحديات المعاصرة ودور الحوار الحضاري
لفت أبو الغيط إلى التغيرات الحادة التي يشهدها العالم بوتيرة متسارعة والتي أصابته بحالة من القلق، محذراً من دور التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي في زيادة الاحتقان والترويج للآراء المتطرفة، داعيا كافة المؤسسات التي تعمل لخير المجتمع البشري للتصدي لخطاب الكراهية.
وأعرب الدبلوماسي المصري عن التقدير العميق للمبادرة الرئاسية الصينية بشأن الحضارة العالمية التي تمثل إضافة نوعية وتتوافق بدرجة عالية مع المبادئ العربية الإسلامية من تسامح واعتدال وانفتاح على الآخر.
الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط
الاستثمار في الثقافة لبناء جسور التفاهم
شدد أبو الغيط على أهمية الاستثمار المشترك في مجال الثقافة وحماية التراث، مؤكداً أن ذلك يسهم في تفكيك الصور النمطية ويساعد في تمكين الجيل القادم الذي يجب أن يتغذى بالوعي بأن التنوع مصدر قوة وأن الحوار هو السبيل الوحيد لمعرفة الآخر والانفتاح على ثقافته.
محاور لتعميق الشراكة في مواجهة التحديات العالمية
في ظل المتغيرات الدولية المتسارعة، طرح الجانب الصيني رؤية شاملة للتعاون المستقبلي تقوم على أربعة ركائز أساسية، وفقاً لما أعلنه ليو هايشينج.
تتمثل الركيزة الأولى في بناء سلام دائم يشكل أساساً راسخاً لاستمرار الحضارات وازدهارها، بينما تركز الثانية على تحقيق التنمية والنهضة المشتركة لتراكم الزخم اللازم للتقدم الحضاري، أما الركيزة الثالثة فتدعو إلى تعزيز التبادلات الإنسانية والثقافية لإطلاق حيوية الحوار بين الحضارات، فيما تؤكد الرابعة على ضرورة الدفاع عن العدالة والإنصاف لتحسين منظومة التعايش الحضاري العالمي.
نافذة فرص واعدة للعالم العربي
لفت المسؤول الصيني إلى الدورة الرابعة الكاملة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني التي انعقدت مؤخراً واعتمدت مقترحات الخطة الخمسية الخامسة عشرة، معتبراً أنها تبعث برسائل واضحة حول استقرار السياسات الصينية واستدامة النمو الاقتصادي وثبات التوقعات التنموية.
وأضاف أن التقدم المطرد للتحديث على الطريقة الصينية سيوفر للدول العربية وسائر دول العالم أسواقاً أوسع وتقنيات أكثر تطوراً وخيارات تعاون أكثر تنوعاً، كما سيضخ طاقة عصرية متجددة في التبادل الحضاري بين الصين والعالم العربي.
موقف عربي داعم ومتطلع لتعزيز الشراكة
هنأ الجانب العربي الصين بنجاح انعقاد الدورة الكاملة الرابعة، مشيداً بالإنجازات الهائلة التي حققتها الصين في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، متوقعاً أن تدفع الخطة الخمسية الجديدة عملية التحديث الصيني إلى آفاق أرحب وتفتح فرصاً جديدة للتعاون المتبادل المنفعة.
وأعرب المشاركون العرب عن امتنانهم للدعم الصيني المستمر للدول العربية، مشيدين بموقف بكين المبدئي من القضية الفلسطينية، ومعربين عن دعمهم لمبادرة الحزام والطريق والمبادرات العالمية الأربع التي طرحها الرئيس شي جين بينج.
كما أبدوا تفاؤلهم بأن القمة الثانية بين الصين والدول العربية المقرر انعقادها في الصين العام المقبل ستمنح العلاقات الثنائية دفعة قوية نحو الأمام.
جلسات حوارية معمقة حول القضايا الحيوية
شهد الملتقى نقاشات مستفيضة بين المشاركين الصينيين والعرب تناولت ثلاثة محاور رئيسية، وهي تبادل الخبرات في الحوكمة واستكشاف طرق التحديث، وتطبيق مبادرة الحضارة العالمية وتعزيز التعاون الإنساني الصيني العربي، بالإضافة إلى دور مبادرة الحزام والطريق في تقريب القلوب بين الشعوب.
وأدار حفل الافتتاح جين شين، مساعد وزير الاتصال الخارجي الصيني، فيما عقد ليو هايشينج قبيل انطلاق الفعاليات لقاءات ثنائية مع الوفود العربية المشاركة لبحث سبل تطوير التواصل الحزبي والسياسي بين الجانبين.