يكتسب تقييم أداء الرؤية المستقبلية عُمان 2040 هذا العام 2025، أهمية محورية واستراتيجية لأنه يواكب احتفاء عُمان لأول مرة فى التاريخ بيومها الوطنى فى 20 نوفمبر، ذكرى تأسيس الدولة البوسعيدية على يد الإمام المؤسّس أحمد بن سعيد عام 1744م. ومنذ ذلك الحين، ظلّت الأسرة البوسعيدية حاضرةً فى قيادة مسيرة الدّولة، محافظةً على توازنها الداخلي، ومواجهةً لتحدّيات الخارج، مُكرّسةً قيم الاستقرار والانفتاح، مواصلةً مسيرة البناء والتجديد. يؤكّد اعتمادُ 20 نوفمبر يومًا وطنيًّا فى سلطنة عُمان الارتباطَ العميق بجذور الدولة البوسعيديّة، حيث تستحضر عُمان ذاكرتها التاريخية لتجسّد استمرارية النهج؛ فإرثُ التأسيس لم يكن لحظةً عابرةً، بل مشروعًا ممتدًّا تتواصل دلالاته فى حاضر النهضة المتجدّدة، بقيادة السُلطان هيثم بن طارق آل سعيد، من خلال رؤيته المستقبلية «عُمان 2040» والتى تمثل البوصلة التى تحدد مسارات التنمية. اقرأ أيضًا | تعزيز التعاون بين مصر وسلطنة عمان في مجالات السياحة والآثار وخلال الربع الأول من الرؤية (2021 2025) تحققت مشاريع وإنجازات تؤكد تكامل الجهود الوطنية بين مختلف القطاعات، وتلامس عزم الرؤية على النمو والريادة، وتشارك فيها الأجيال الحاضرة وتلهم الأجيال القادمة. تشير كل المؤشرات والأرقام وفقاً لتقرير وحدة الرؤية للعام 2025، إلى أن سلطنة عُمان فى طريقها نحو تحقيق نقلات نوعية فى مختلف المؤشرات المستهدفة فى «رؤية عُمان 2040» التى تكمل بعد شهرين خمس سنوات منذ انطلاقتها فى عام 2021 ما يعنى إكمال ربع المدة الزمنية للخطة. ورغم أن الربع الأول من أى خطة هو ربع تأسيسى لا يكشف عن نتائج عميقة، إلا أن سلطنة عمان حققت تقدمًا فى مؤشراتها بنسبة 74% نحو تحقيق المستهدفات كما كشفت وحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان 2040 فى التقرير الدورى الرابع للرؤية. فى محور الإنسان والمجتمع، ويشمل التعليم والصحة والرفاه والحماية الاجتماعية والمواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية، كركائز أساسية لتعزيز جودة الحياة وتمكين المواطن، تواصل سلطنة عُمان تعزيز منظومة تعليمية وبحثية متكاملة ترتكز على الجودة؛ إذ شهد القطاع التربوى تحديث المناهج بتطبيق السلاسل العالمية فى العلوم واللغة الإنجليزية وتقنية المعلومات، وتفعيل النظام الوطنى لتقويم المدارس، وتعزيز القراءة الرقمية، كما يتم تنفيذ إطار وطنى شامل للتعليم المهنى والتقنى بالشراكة مع القطاع الخاص لتزويد الشباب بالمهارات التقنية المطلوبة لمستقبل العمل. ففى التعليم العالي، ارتقت جامعة السُّلطان قابوس إلى المرتبة 334 عالميًّا بعد أن كانت فى المرتبة 362، كما دخلت 3 جامعات خاصة التصنيف العالمى لأول مرة، ما يعكس انتقال التعليم العالى العُمانى إلى المنافسة الدولية. وعلى صعيد الابتكار، تقدمت سلطنة عُمان خمس مراتب فى مؤشر الابتكار العالمى لتحلّ فى المرتبة 69، وارتفعت 60 مرتبة فى مؤشر براءات الاختراع لتصل إلى المركز 38، فيما ارتقت إلى المرتبة 47 فى مؤشر العلامات التجارية، ما يعكس تطور بيئة الابتكار وريادة الأعمال ونمو الحوافز الوطنية للبحث العلمى والتقنية. واستعرضت رؤية عُمان 2040، أولوية الرفاه والحماية الاجتماعية عددًا من الإنجازات، حيث تم تعزيز شبكة الأمان الاجتماعى عبر التوسع فى برامج الإسكان الاجتماعي، وإطلاق برنامج «إسكان» لتمويل أكثر من 61 ألف أسرة، مع تقليص فترة الانتظار لأقل من ستة أشهر، وتخصيص أكثر من 200 وحدة سكنية جديدة بقيمة تجاوزت 14 مليون ريال عُماني، كما شملت الحماية الاجتماعية جميع أنواع عقود العمل، مع إلزامية تسجيل العاملين لحسابهم الخاص، وصرف معاش إضافى لأكثر من 76 ألف مستحق، إلى جانب إطلاق برامج تمكين الشباب مثل الاستراتيجية الوطنية للشباب وبرنامج سند للتطوع، وارتقت سلطنة عُمان 9 مراتب لتحلّ فى المرتبة 59 عالميًّا والرابعة خليجيًّا فى مؤشر التقدم الاجتماعي. وفى أولوية المواطنة والهوية الوطنية والثقافة، تم تدشين مجمع عُمان الثقافى والموسوعة العُمانية للناشئة، وإدراج المخطوطة العُمانية «النونية الكبرى» ضمن برنامج ذاكرة العالم لليونسكو، وإدراج برنامج سفينة التدريب الشراعى «شباب عُمان» للسّلام والحوار الثقافى المستدام وتسجيله فى قائمة أفضل ممارسات الصون للتراث الثقافى غير المادى للإنسانية فى «اليونسكو» خلال عام 2024م، إضافة إلى إدراج 17 عنصرًا فى القائمة التمثيلية للتراث الثقافى غير المادى بمنظمة اليونسكو حتى مايو 2025م فى قوائم التراث غير المادى وخمسة مواقع عالمية، كما عززت سلطنة عُمان حضورها الثقافى عالميًّا عبر قاعة عُمان فى متحف الإرميتاج بروسيا وحصولها على أفضل تصميم فى بينالى لندن للتصميم 2025، ما يعكس دمج الإبداع فى التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز الانتماء الوطني. وبشأن محور الاقتصاد والتنمية، تسعى سلطنة عُمان إلى تعزيز دور القطاعات غير النفطية فى الناتج المحلى الإجمالي، وتحسين مرونة الاقتصاد الوطنى أمام التقلبات العالمية، وشهد الاقتصاد الوطنى خلال عام 2024م ارتفاع مساهمة القطاعات غير النفطية إلى 72.8 بالمائة من الناتج المحلى مقابل 30.9 بالمائة للقطاعات النفطية مع نمو الصناعة التحويلية بنسبة 8.3 بالمائة والزراعة والأسماك بنسبة 2.8 بالمائة. كما سجل الحساب الجارى فائضًا بنسبة 1.83 بالمائة للسنة الثالثة على التوالي، متجاوزًا المستهدف -7 بالمائة، ما يعكس قدرة سلطنة عُمان على التمويل وارتفاع الاحتياطيات الأجنبية. ووفقًا للمؤشرات، زاد وزن القطاعات غير النفطية إلى 72.8%، وسجل الحساب الجارى فائضًا للعام الثالث، وتراجعت نسبة الدين العام بشكل مطمئن؛ وجميعها علامات على تشكّل «ميزانية قوة» تُتيح للحكومة هامش مناورة أوسع فى الاستثمار الاجتماعى والبنية الأساسية، وصعد الاستثمار الخاص إلى 17% من الناتج، وارتفع الاستثمار الأجنبى إلى 11.1%، مع أدوات تمويل سيادية جديدة كصندوق «عُمان المستقبل». وتواصل عُمان بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على التقنية والمعرفة، مع تحسن التصنيف الائتمانى نتيجة تراجع الديْن العام، وإطلاق صندوق «عُمان المستقبل» برأسمال مليارى ريال عُمانى لتمويل المشروعات الواعدة فى قطاعات الاقتصاد الحديثة، كما تم توقيع اتفاقية تطوير وتشغيل المرحلة الأولى للمنطقة الاقتصادية بالروضة بمحافظة البريمي، وإطلاق كود البناء العُمانى لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة فى المباني، وتطوير أكثر من 25 مبادرة اقتصادية تشمل استغلال مخلفات الصناعات التعدينية وتصنيع ألواح الطاقة الشمسية محليًّا، وإعادة تقييم الجدوى الاقتصادية للمعادن فى محافظة مسندم. وعززت سلطنة عُمان دور القطاع الخاص عبر إنشاء فريق التفاوض الوطني، وإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة، كما ارتفع حجم الاستثمار التراكمى فى المناطق الاقتصادية والحرة والصناعية إلى نحو 20.9 مليار ريال عُماني، مع توسع قطاع الطاقة النظيفة إلى 8 مشروعات للهيدروجين الأخضر. وشهدت سلطنة عُمان إطلاق خمسة تجمعات اقتصادية متكاملة لدعم الصناعات المختلفة، وإصدار المرسوم السُّلطانى لتأسيس سوق الشركات الواعدة، وإطلاق برنامج «نَزدهِر» لتطوير بيئة الاقتصاد الوطنى وتنمية القطاع الخاص والتجارة الخارجية بنسخته الثانية، كما أنشأت المكتب الوطنى لاستشراف المستقبل وقدمت 29 برنامجًا ومبادرة لتطوير القيادات الوطنية، بما يعزز الكفاءات القادرة على إدارة التحولات الاقتصادية الكبرى وتحقيق التكامل المؤسسي. ويعكس محور البيئة والتنمية المستدامة التزام سلطنة عُمان بالحفاظ على الموارد الطبيعية وتحقيق نمو اقتصادى مستدام يراعى الأجيال القادمة، وشهدت خلال عامى 2024 و2025 منجزات ملموسة على مستوى حماية البيئة والاستدامة. ففى مجال الحد من الانبعاثات الكربونية، أُنشئ مركز عُمان للحياد الصفرى لدعم مسار خفض الانبعاثات، بينما ارتفع عدد المحميات الطبيعية إلى 31 موقعًا بيئيًّا، مع إضافة خمس محميات جديدة، وتعزيز التشجير الوطنى عبر زراعة أكثر من 3.3 مليون شجرة وغرس 24 مليون بذرة، وتطوير 44 مردمًا هندسيًّا، ما أسهم فى رفع نسبة إعادة التدوير إلى 38 بالمائة. وفى مجال الطاقة النظيفة، بلغت الاستثمارات فى هذا المجال نحو 533 مليون ريال عُماني، وشملت مشروعات أمين للطاقة الشمسية، ومحطة عبرى 2، ومنح 1 و2، إضافة إلى توقيع اتفاقيتين للهيدروجين الأخضر بمحافظة ظفار، ليصل إجمالى المشروعات إلى 8 مشروعات باستثمارات متوقعة تتجاوز 6.5 مليار ريال عُمانى بحلول عام 2030م، بما يعزز التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون ومستدام، خاصة فى المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم حيث تتسارع أعمال مشروعات الهيدروجين والحديد الأخضر. وشهدت المؤشرات البيئية تقدمًا لافتًا، إذ ارتقت سلطنة عُمان 94 مرتبة فى مؤشر الأداء البيئى لتأتى فى المرتبة 55 عالميًّا والثانية عربيًّا، مدفوعة بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحياد الصفرى وتوسيع شبكة المحميات الطبيعية. وفى مجال الحوكمة والأداء المؤسسى شهدت سلطنة عُمان خلال عامى 2024 و2025 تعزيزًا ملموسًا لنظم الحوكمة والإدارة المؤسسية، بما يعكس التزام الدولة بتحسين كفاءة الأداء، وتعزيز الشفافية، وبناء ثقة المجتمع فى مؤسسات الدولة. ففى أولوية التشريع والقضاء، تقدمت سلطنة عُمان 20 مرتبة فى مؤشر مدركات الفساد لتصل إلى المرتبة 50 عالميًّا، وتم إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة وتقليص متوسط مدة الحكم فى الطعن بالمحكمة العليا من 186 يومًا إلى 136 يومًا، والربط التقنى بين النظام القضائى للادعاء العام وسجل الأحوال المدنية لحماية المستثمرين، وعلى صعيد حوكمة الجهاز الإدارى وإدارة المشروعات، تقدمت سلطنة عُمان 9 مراتب فى مؤشر تطوير الحكومة الإلكترونية لتصل إلى المرتبة 41 عالميًّا، مدفوعة بالتوسع فى الخدمات الرقمية وإطلاق منصة «تجاوب» لتعزيز التواصل مع المستفيدين. كما تم تأسيس 63 مكتبًا لمتابعة تنفيذ رؤية «عُمان 2040» فى مختلف الجهات الحكومية، وتطوير 267 خدمة حكومية تلقائية لتسهيل الوصول إلى الخدمات دون تدخل بشري، بما يعزز الكفاءة والشفافية والحوكمة والتحول الرقمي؛ لضمان مواءمة الأهداف التنفيذية مع أولويات الرؤية وتعزيز كفاءة الأداء المؤسسي.