عرفت هذا الرجل دمث الخلق، هادئ الطباع، صارمًا حازمًا جادًا منضبطًا مدققًا ومتابعًا لكل صغيرة وكبيرة فى العمل، رابط الجأش، يتمتع بثبات انفعالى، يختار كل كلمة يكتبها أو ينطقها بعناية فائقة، ونادرًا ما تجد كل هذه الصفات مجتمعة فى شخص واحد، لكنى وجدتها فى القاضى الجليل حازم بدوى نائب رئيس محكمة النقض رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، وأنا هنا أتحدث عنه كرئيس للهيئة، وليس كقاضٍ، فلا يحق لأحد أن يمدح أو يقدح قاضيًا، وقبل أن استطرد فى الحديث عنه فإن نجاحه فى إدارة الاستحقاقات الانتخابية منذ توليه المسئولية قبل عامين، تسبق أى حديث عنه. ما دفعنى إلى الكتابة عنه، هو المحنة الإنسانية التى تعرض لها بوفاة رفيقة عمره، بعد صراع مع المرض، ولم يلحظ أيٌّ من المحيطين به فى العمل أى تغير فى أدائه، وقبل الوفاة بأقل من 24 ساعة حرص على الاجتماع بأعضاء لجنة التقييم والمتابعة - ولى شرف أن أكون بينهم - للترحيب بهم، وكان يمكن أن يوكل هذه المهمة لأحد معاونيه، وآثر أن يؤجل مراسم العزاء إلى ما بعد انتهاء عملية الاقتراع التى جرت أمس وأول أمس، لاختيار أعضاء مجلس النواب، وأدى واجبة الانتخابى وأدلى بصوته، ومارس عمله من مكتبه طوال فترة التصويت وظل متابعًا لعملية الاقتراع، والتواصل مع رؤساء اللجان فى 14 محافظة، ومن خلال الجهاز التنفيذى، للهيئة، للوقوف على مدى سريان العملية الانتخابية، وتذليل أى عقبات قد تطرأ، وأجل حزنة إلى ما بعد انتهاء عمله. هذا الرجل الذى أشاد وكرم أحد رجال القضاء فى انتخابات مجلس الشيوخ حيث تلقى نبأ وفاة والده أثناء إشرافه على إحدى لجان الاقتراع وظل ممارسًا لعمله ولم يغادر لجنته، إلى أن وصل زميل له ليستلم منه اللجنة، هو اليوم يؤجل عزاء رفيقة عمره 3 أيام حتى ينتهى من أداء واجبه. الأخلاق لا تتجزأ، هذه أخلاق قضاة ومسئولى مصر الحقيقيين، الذين لا يتعاملون مع المنصب على أنه تشريف، بل تكليف وواجب ومسئولية، تجاه الشعب والبلد، والذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ويقدمون المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية. قليل هم من يستطيعون تأجيل وكظم أحزانهم، النجاح لا يأتى صدفة ولا يتحقق دون تضحية. رحم الله الفقيدة، وألهم القاضى الجليل وذويها الصبر والسلوان.