لا يفتقر نتنياهو إلى دعم ائتلافه أكثر من الوقت الراهن، لا سيما مع طول عنق المعارضة، وارتفاع أسهمها فى بورصة استطلاعات الرأى بما يهدد تماسك الحكومة، ويدفع سيناريو الانتخابات المبكرة إلى الأمام؛ لكن هذا الواقع منح أحزاب الائتلاف مساحة واسعة فى المقابل، استغلت ضائقة رئيس الوزراء فى الاستفادة بتجاوب أكبر مع تمكين اليمين المتطرف من مفاصل الدولة العبرية، وتكريس البطش العنصرى. وبينما ظل قانون إعفاء طلاب المدارس اليهودية من الخدمة الإلزامية فى الجيش الإسرائيلى بمثابة شوكة صلبة فى ظهر نتنياهو وحكومته، انفتحت أحزاب الائتلاف على سن تشريعات، وتمرير قرارات أكثر جرأة، كرَّست قفزًا على صلاحيات مؤسسات الدولة، وأطلقت يد اليمين المتطرف فى مختلف أروقة سلطة الاحتلال. اقرأ أيضًا | جبر: إسرائيل ترفض المشروع الأممي وتتحمل مسؤولية 250 خرقا أمنيا منذ قمة شرم الشيخ وعبر هذه المساحة، جنح نتنياهو إلى تبنى رأى وزير الأمن القومى إيتمار بن جافير فى تكليف الجيش، وجهاز الأمن العام «الشاباك» بمداهمة منازل الوسط العربى «عرب 48»، بداعى البحث عن أسلحة غير مرخصة؛ وعزا الوزير المتطرف ومعه نتنياهو الخطوة إلى ما وصفاه ب«ارتفاع معدلات الجريمة لدى أبناء تلك الشريحة». وتجاهل نتنياهو عند مناقشة إيعازات بن جافير، إصرار الأخير مع بداية توليه الحقيبة الوزارية على تسليح المستوطنين ببنادق آلية متطورة، ضاربًا عرض الحائط باعتراض المؤسسات الأمنية، وتحذيرها حينئذ من مغبة تدشين «حرس ثوري»، أو قوات غير نظامية موازية. فى هذه المرة أيضًا، تماهى نتنياهو مع الوزير، رئيس حزب «عوتسما يهوديت»، حتى أنه لم يكترث بتوصيات مستشاريه القانونيين والأمنيين، الذين حذروا من ضلوع الجيش و«الشاباك» فى أنشطة عسكرية داخل المجتمعات المدنية، وأكدوا خلال إحدى جلسات المجلس الوزارى المصغر للشئون السياسية والأمنية (الكابينت) أن «أى خطوة من هذا القبيل تقود إسرائيل إلى «منحدر زلق»، ويجب أن تكون مصحوبة بآليات رقابة صارمة وإطار قانونى واضح، لمنع انتهاكات حقوق المدنيين، وتوريط إسرائيل مجددًا فى أزمات سياسية على الصعيدين الإقليمى والدولي». واعتراضًا على رأى بن جافير، دعا رئيس «الشاباك» دافيد زيني، إلى «التحلى بالمسئولية والحذر عند دمج أجهزة الأمن الداخلى فى المجال المدني». وأضاف خلال الجلسة: «يجب تفادى الحكم على كل مواطن يحمل سلاحًا بأنه إرهابي»؛ وحسب صحيفة «معاريف»، دخل نتنياهو على الخط، قائلًا: «لا تهمنى تحذيرات المستشارين القانونيين. علينا توحيد جهودنا لمكافحة الأسلحة غير القانونية الجميع سيكونون شركاء: الجيش، والشاباك، والشرطة». ورغم تباين الآراء، إلا أنه تقرر بضغط من بن جافير، استمرار التنسيق بين الشرطة والشاباك والجيش، وتقديم توصيات عملياتية إلى نتنياهو، تمهيدًا لصياغة خطة عمل شاملة، بداعى مكافحة الجريمة والأسلحة غير القانونية فى الوسط العربي. وغير بعيد عن عنصرية الائتلاف حيال كل ما هو غير يهودي، أصر إيتمار بن جافير، على تمرير تشريع فى الكنيست، يقضى بإعدام سجناء فلسطينيين وعرب، داعيًا إلى أنه «لا ينبغى تقديم هؤلاء إلى العدالة على خلفية أى جريمة» واستثنى الوزير المتطرف فى مشروع القانون الذى تقرر إرجاء مناقشته فى الكنيست، المدانين اليهود من تطبيق عقوبة الإعدام. ونقلت صحيفة «معاريف» عن بن جافير قوله: «كل من ارتكب جرائم قتل وعنف وخطف لا يستحق تسليمه إلى العدالة. هذه خطوة ضرورية للأمن القومى الإسرائيلي». وواجه التشريع المقترح انتقادًا واسعًا فى لجنة الأمن القومى البرلمانية، لكن الانتقاد جاء لأغراض بعيدة، إذ قال منسق شئون الأسرى والمفقودين، جال هيرش: «فى المناقشة السابقة، أعربت عن معارضتى الشديدة لمجرد مناقشة سن هكذا تشريع». وأوضح أن اعتراضه سابقًا وحاليًا يعود إلى أن «السجناء الفلسطينيين ورقة فى أيدى إسرائيل يمكن من خلالها مقايضتهم برهائن أحياء، كما حدث مع رهائن قطاع غزة». من جانبه، أبدى بنيامين نتنياهو موافقته على تمرير مشروع القانون للتصويت فى الكنيست. وفيما رأت دوائر فى لجنة الأمن القومى ضرورة استشارة دوائر الأمن الإسرائيلية، لا سيما جهاز الأمن العام (الشاباك)، اعترض بن جافير على ذلك، قائلًا: «لا مجال للرأى مع هذا القانون؛ لأن ذلك يعد انتهاكًا لمبدأ الردع». ووفقًا ل«معاريف»، كان حزب «عوتسما يهوديت» اليمينى المتطرف، يعتزم طرح مشروع القانون للتصويت عليه أمام الهيئة العامة للكنيست الأسبوع الجاري، إلا أنه تقرر إرجاء عملية التصويت. وتشير الصحيفة العبرية إلى أنه حال الموافقة على مشروع القانون خلال القراءة الأولى، سيتمكّن الائتلاف من طرحه للتصويت فى دورة الكنيست القادمة، حتى إذا جرى حل الكنيست الحالى قبل اكتمال الإجراءات. وقبل انعقاد لجنة النقاش البرلمانية، اعتبرت عضوة الكنيست، المبادرة لمشروع القانون، سون هار، أن «هذا التشريع اختبار لإسرائيل. كل من يقتل يهودًا لمجرد كونهم يهودًا ينال عقوبة الإعدام هذا عدل أساسى ونقطة تحول فى استعادة الردع». وكانت مقترحات مماثلة قد طُرحت فى الكنيست خلال السنوات الأخيرة بمبادرة من حزبى «عوتسما يهوديت»، و«الليكود»، لكنها لم تصل إلى مراحل متقدمة. وواجه إقرار القانون فى السابق معارضة قانونية وانتقادات دولية، خشية انتهاك الحقوق الأساسية والتداعيات السياسية المترتبة على تمريره، حسب «معاريف». وبمنظور التغوُّل على صلاحيات مؤسسات الدولة، صادق الكنيست على مشروع قانون آخر، يفرض قيودًا على حرية الرأى والتعبير، لكن الداعى إليه (وزير الاتصالات شلومو كرعى من حزب «الليكود»)، وضعه فى إطار ما يسمى ب«إصلاح المنظومة الإعلامية»، وهو نفس المصطلح الذى استخدمه اليمين المتطرف عند سن تشريع، يبيح التغول على صلاحيات الجهاز القضائي، وأطلق عليه فى حينه «الإصلاحات القضائية». وعند التفتيش فى دواعى سن التشريع الجديد، تبيَّن أنه يهدف إلى تقويض حرية المؤسسات الإعلامية والصحفية، لمنعها من تناول قضايا تتعلق برئيس حزب «الليكود» الحاكم؛ وأبرم وزير الاتصالات صفقة مع أحزاب «الحريديم»، لا سيما «شاس»، و«يهدوت هاتوراه»، للتصويت بموجبها على مشروع القانون، مقابل توسيع صلاحيات المحاكم الحاخامية على حساب صلاحيات النائب العام الإسرائيلى غالى بهاراف ميارا، التى عارضت من جانبها تمرير الخطوة؛ وأشارت، وفقًا لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، إلى أن «مشروع القانون يتضمن ترتيبات تُفاقم المخاطر على صورة الإعلام الحر فى إسرائيل. وهناك قلق حقيقى بشأن النفوذ التجارى والسياسى الكبير، والتدخل فى عمل المؤسسات الإعلامية». وفى رسالة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أبلغ النائب العام الإسرائيلى غالى بهاراف ميارا، معارضتها إقرار «قانون الإعلام»، وقالت إن المقترح «ينطوى على مخاطر حقيقية تُلحق ضررًا جسيمًا بحرية التعبير والصحافة، بالإضافة إلى سلبيات أخرى، بسبب الخوف من التدخل السياسى فى عمل الهيئات الإعلامية». إلا أن نتنياهو تجاهل التحذيرات كما فعل مع مشاريع قوانين وقرارات أخرى، صاغها اليمين المتطرف.