مرت بنا أول أمس الذكرى 52 لرحيل عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين الذى شاءت العناية الآلهية أن يمتد به العمر ليسمع خبر العبور العظيم وهو فى فراش المرض من زوج أبنته د. محمد حسن الزيات وزير الخارجية الذى سجل فرحة العميد بالنصر فى كتابه الرائع «ما بعد الأيام»، اراد الله أن تحلق روح عميد الأدب للسماء بعد 22 يوماً من عبور قواتنا المسلحة لقناة السويس وتحطيم خط بارليف وكسر أنف قوات العدو المتغطرس على أرض سيناء الحبيبة، وها هى ذكرى رحيله ال 52 تحل علينا مع الذكرى 52 لاحتفالات نصر أكتوبر، وقد نشر الكاتب الكبير كمال الملاخ فى الزميلة «الأهرام» صباح اليوم التالى لوفاته أن الرئيس السادات أجل تشييع جثمان العميد لصباح 31 أكتوبر ليتم تشييع جنازته رسمياً بما يليق بقامته ومقامه ووافقت قرينته على التأجيل حتى يتسنى عودة ابنتهما السيدة أمينة حرم د. محمد حسن الزيات من نيويورك، وعودة ابنهما مؤنس من باريس. ويقول د. الزيات فى كتابه أن د. طه حسين كان يتمنى أن يسمع خبر انتصار جيشنا على العدو قبل أن يلقى ربه، وتوقع النصر باعتماد الجيش على تجنيد المتعلمين، ولهذا كانت سعادته لا توصف عندما أبلغته وهو فى عز مرضه بأن الله حقق أمنيته بنجاح جنودنا فى عبور القناة وتحطيم خط بارليف ورفع العلم فى سيناء بعد انتصارات أذهلت العالم كله. ويضيف: «فى كل وقت كان د. طه حسين يسألنى عن عدد المتخرجين من الجامعات الذين انضموا إلى زملائهم المجندين فى الجيش، لأنه كان يرى أن العلم هو أساس النهضة العسكرية، وقبل أن يفارق العميد الحياة بساعات اطلعته على رسالة وصلته من المقاتل عبد الصبور منير، أحد الشباب المتعلمين الذين كان يتحدث عنهم العميد دائما ويرى بشائر النصر فيهم، الرسالة حملت عنوان «إلى طه حسين من سيناء» كتبها طالب كلية الآداب بسطور بليغة، استوحى فيها بعض كتابات العميد، وأرسل يبلغه من الجبهة أمنياته له بالشفاء العاجل وطول العمر، ويبلغه أن سلاحه بين يديه وصدره، يكافح به لتحرير الأرض ورد الكرامة، وقال إنه ربما يستشهد فى سبيل ذلك اليوم أو فى يوم آخر، المهم أن يتحقق النصر وتعود لمصر عزتها بدماء الشهداء. ويقول د. الزيات إن المقاتل عبد الصبور منير ذكر فى رسالته أن العميد الكفيف الذى لزم بيته قبل حرب أكتوبر بسنوات، هو الذى علَّم الكفاح لقطعة السلاح، وهو الذى كان جديرًا أن يبارك ما قامت به أيدى المحاربين من حملهم للسلاح، وما كانت تضمره قلوبهم من العمل بعد النصر لإعادة بناء البلاد، واختتم رسالته بعبارة «إن كل شيء فى سماء الوطن الجميل، محمل بما منحه د. طه حسين لكل الأجيال من آصالة وعزة وفكر»، استمع العميد للرسالة التى قرأها عليه زوج ابنته ثم ابتسم، ويقول د. الزيات «اختار الله د. طه حسين إلى جواره فى 28 أكتوبر 1973 وكان لنا فى ذلك الوقت شباب متعلم يحارب فى الصحراء، سمعوا نعيه وهم لا يزالون يرابطون فى الخنادق فى سيناء». من كتاب «ما بعد الأيام»