تحركات القاهرة الأخيرة أكدت يقينا أنها قوة إقليمية عظمى وفاعلة فى صناعة السلام والاستقرار، عقب نجاحها فى استضافة مؤتمر شرم الشيخ الدولى لوقف الحرب، الذى جمع أكثر من عشرين من قادة العالم، وأسفر عن اتفاق تاريخى لوقف اطلاق النار، بمشاركة مصر كوسيط رئيسى إلى جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية وقطر وتركيا. هذا الدور المحورى لم يكن وليد تلك اللحظة، بل امتداد لتاريخ طويل من الوساطة المصرية فى الصراعات الإقليمية، مدفوعًا برؤية استراتيجية تربط بين الأمن القومى المصرى واستقرار المنطقة، وقد أثبتت القاهرة قدرتها على جمع الأطراف المتنازعة على طاولة الحوار، وتقديم حلول واقعية تحظى بقبول دولي، وهو ما تجلى فى الإشادة الدولية بالدور المصرى الذى أنقذ قطاع غزة من الإبادة. نجاح الوساطة المصرية لم يمر مرور الكرام على الساحة الدولية، بل انعكس بوضوح فى الاستقبال الرسمى الرفيع للرئيس عبد الفتاح السيسى فى بروكسل، خلال مشاركته فى القمة المصرية الأوروبية الأولي، فقد حظيت القيادة المصرية، بتقدير كبير من قادة الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ونالت مصر استقبالًا حافلًا من قادة أوروبا تقديرًا لدورها إقليميًا ودوليًا، كما جاءت كلمة الرئيس السيسى قوية داعية إلى الشراكة المتوازنة مع الاتحاد الأوروبي، علمًا بأن القاهرة لا تتلقى تعليمات بل تبنى علاقات قائمة على منفعة متبادلة، فى ملفات كثيرة أبرزها الأمن والطاقة والهجرة غير الشرعية والاستثمار وقضايا حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، وهذا الحضور الطاغى جعل القادة فى أوروبا أشادوا بالدور المصرى الإقليمي، مع التزامهم بتعزيز التعاون فى مجالات الطاقة والتحول الأخضر. كما حظيت القاهرة بعدة مكاسب، أبرزها تعزيز الشراكة الاقتصادية والسياسية مع دول الاتحاد، دعم أوروبى واضح لمصر كمركز إقليمى للطاقة، توسيع الاستثمارات الأوروبية، الاعتراف والتقدير للدور المصرى فى مكافحة الإرهاب، فتح قنوات جديدة للحوار فى إطار احترام السيادة والتنوع الثقافي. هذا التقدير الدولى الرفيع يعكس تحولاً فى مكانة مصر على الساحة العالمية، من دولة تتفاعل مع الأحداث إلى دولة تصنعها وتوجه مساراتها، ويعود ذلك إلى الجهد المُخلص للرئيس السيسي، الذى استطاع بفكره الاستراتيجى أن يعبر بمصر والمنطقة العربية من أزمات متلاحقة، ويضعها على طريق الاستقرار والتنمية. لقد أكدت مصر أنها، صوتًا عاقلًا فى منطقة مضطربة، وقوة دبلوماسية تحظى بثقة الأطراف الدولية، بفضل قدرتها على تحقيق التوازن بين المصالح، واحترام السيادة، وتقديم نموذج للوساطة الفعالة. ومع استمرار هذا النهج تترسخ مكانة مصر كقوة للسلام والاستقرار فى الشرق الأوسط، وصاحبة تأثير متزايد فى صياغة مستقبل المنطقة.