في عالم التجارب العلمية، كثيرًا ما تُكشف حقائق عن الجسد، لكن قليلًا ما تلامس الأرواح، إحدى هذه التجارب النادرة جرت في منتصف القرن العشرين داخل معامل جامعة هارفارد. حيث قاد عالم النفس الأمريكي كيرت ريكتر دراسة على الفئران ليقيس حدود التحمل، لكنه لم يكن يعلم أن ما سيثبته في النهاية، ليس قانونًا بيولوجيًا فحسب، بل درسًا إنسانيًا خالدًا عن الأمل والصبر والإيمان. - حين استسلمت الفئران بسرعة بدأ الدكتور كيرت ريكتر تجربته الأولى بوضع مجموعة من الفئران داخل إناء نصف مملوء بالماء، كانت الفئران تسبح غريزيًا محاولة البقاء على قيد الحياة، لكن المفاجأة أن معظمها استسلم وغرق بعد دقائق قليلة، رغم أن أجسادها ما زالت تملك طاقة كافية للاستمرار. دوّن الباحث ملاحظاته بدهشة: "لم تمت الفئران لأنها عجزت عن السباحة، بل لأنها توقفت عن الأمل في النجاة". - ثم أعطاها فرصة ثانية... فحدثت المعجزة في المرحلة الثانية من التجربة، أجرى ريكتر تعديلًا بسيطًا غيّر كل شيء، قبل أن تنهار الفئران من التعب، أخرجها من الماء، جففها، منحها القليل من الراحة، ثم أعادها مجددًا إلى الإناء نفسه. وهنا كانت النتيجة المذهلة: الفئران التي كادت تموت من قبل، أصبحت تسبح لساعات طويلة أطول بعشرات المرات من المرة الأولى، كأنها اكتشفت فجأة طاقة داخلية جديدة لم تكن تعلم بوجودها. كتب ريكتر في تقريره:" النجاة المؤقتة التي عاشتها الفئران، منحتها أملًا في أن الإنقاذ ممكن، فاستطاعت تجاوز ما كانت تظنه حدود قدرتها". - درس يتجاوز حدود المختبر لم يكن الهدف من التجربة معرفة قدرة الفئران على السباحة، بل فهم تأثير الأمل في سلوك الكائن الحي، فالذي عاش لحظة نجاة، يؤمن أن الإنقاذ قد يتكرر، فيواصل الصمود أكثر مما تسمح به طاقته الجسدية، وهكذا تحوّل الأمل إلى وقود نفسي أقوى من الإرهاق والخوف. - حين يصبح الأمل عبادة إذا كان الأمل بهذه القوة في تجربة صغيرة على فئران، فكيف يكون أثر الإيمان بالله في قلب الإنسان؟ حين تؤمن أن ما تمرّ به ليس نهاية الطريق، بل ابتلاء مؤقت يعقبه فرج من الله، فإنك تكتشف بداخلك طاقة لا يمكن تفسيرها بالعقل وحده. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "الأمل بالله روح القلب، وبه يحيا من كان ميّتًا باليأس"، إن الإيمان لا يُغيّر الظروف بالضرورة، لكنه يُغيّر نظرتنا إليها، فيجعلنا نرى في كل أزمة فرصة، وفي كل ظلمة وعدًا بالنور. - الأمل... ضوء لا ينطفئ حين تتأمل تجربة ريكتر تدرك أن الأمل ليس رفاهية نفسية، بل هو شرط للبقاء ذاته، فكما احتاجت الفئران إلى تذكّر أن النجاة ممكنة، يحتاج الإنسان إلى أن يُذكّر نفسه دومًا أن الله لن يتركه، إذا فقدتَ الأمل في نفسك، فاستعده بالإيمان بمن خلقك، وإن شعرتَ أنك تغرق، فاذكر أن الله هو الذي أنقذ موسى في اليم، ويُنجيك أنت أيضًا من كل بحر من الخوف أو اليأس.