باتت عمليات «حقن الفيلر والبوتوكس»، أشبه بتذكرة مرور إلى عالم الجمال السريع، لكنها بمثابة تذكرة قد تكون في اتجاه واحد نحو الخطر، فلم تعد رفاهية أو خيارًا تجميليًا، بل أصبح اليوم هوسًا متصاعدًا تُغذيه وسائل التواصل الاجتماعي، والدعاية المضللة، والمراكز غير المرخصة. ورغم أن هذه الإجراءات تُسوق على أنها بسيطة وآمنة، إلا أن الواقع يكشف عن وجه آخر قاتم، تقف خلفه مآسي حقيقية تعرضت لها شابات دفعن ثمن الجمال السريع بصحتهن، وأحيانًا بأرواحهن، من بين هذه القصص ما روته البلوجر «كنزي مدبولي» عن معاناة كادت أن تُفقدها بصرها، إلى مأساة «عروس حلوان» التي لقيت حتفها إثر جلسة تجميلية خاطئة. نكشف من خلال هذا التحقيق، خيوط الخطر خلف الحقن «البسيطة»، حيث يكشف آراء الخبراء المضاعفات، وغياب الرقابة، وسهولة الانزلاق في فخ الإجراءات غير الآمنة. ◄ كنزي مدبولي: «حقنة بسيطة» كادت أن تسرق بصري كشف البلوجر «كنزي مدبولي»، عبر صفحتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أنها تعرضت لمضاعفات خطيرة، كادت أن تودي ببصرها، بعد خضوعها للحقن بمادة "الفيلر" في منطقة الأنف، تسببت المادة في مضاعفات خطيرة جداً. ولولا التدخل السريع من قبل أطباء آخرين قاموا بمحاولة إذابة المادة، لكانت قد فقدت بصرها بالفعل. تحكي "كنزي" أنها لم تكن تنوي عمل تدخل تجميلي في منطقة الأنف التى عانت من الإعوجاج، وبالرغم من تقبلها هيئتها إلا أن الطبيبة اقنعتها انها يمكن إصلاح الأمر ب "حقنه بسيطة" وسوف تتخلص من مشاكل "جيوب الأنفية للنهاية". شعرت بألم شديد عند بداية الحقن، وبعد ساعات من الحقن قوبلت شكواها من شدة الآلم بفتور ولا مبالاة من الطبيبة، ولم تتخذ التدخل الطبي المناسب مع تزايد الآلم للحالة، ولم تفصح عن اسم المركز أو الطبيبة، لكنها بادرت بالتحذير عبر صفحتها الشخصية من حقن الفيلر خاصة بمنطقة الأنف، رغم ذلك عرفت فتيات أخريات بهذا المركز لأنهن وقعن في نفس المشاكل المتعلقة بحقن مادة الفيلر. اتخذت البلوجر إجراء قانوني بعد تهرب الطبيبة من الخطأ الفادح الذي كاد أن يسبب العمي لها. ◄ مأساة "عروس حلوان": حلم الزفاف انتهى في العناية المركزة تعرضت "عروس حلوان" لحادثة مأساوية أثارت جدلاً واسعاً حول مخاطر الإجراءات التجميلية غير المدروسة، كانت هذه الفتاة تستعد ليوم زفافها، وقبل أسبوع واحد من الموعد، قررت الخضوع لجلسة تجميلية، لتجد نفسها بعد ذلك في غيبوبة عميقة، تم نقلها على الفور إلى وحدة العناية المركزة، لكن محاولات إنقاذها باءت بالفشل، وتوفيت بعد فترة قصيرة. وحسب تقرير الطب الشرعي، أن الفتاة توفيت نتيجة إصابتها بجلطة في الشريان الرئوي، إثر مضاعفات ناجمة عن خطأ جسيم في حقن مادة "الفيلر"، تلك الحكايات المأسوية تعد بمثابة إنذار حقيقي للمجتمع حول التداعيات القاتلة التي قد تنتج عن الثقة بأشخاص غير مؤهلين أو مراكز غير مرخصة ، كذلك الإجراءات التجميلية التي تبدو بسيطة يمكن أن تحمل مخاطر جسيمة إذا لم تُجرَ من قبل متخصصين مؤهلين. مأساة السعي وراء الجمال السريع قد يؤدي إلى عواقب لا تُحمد عقباها، وأن إجراءات التجميل، مهما بدت بسيطة، تتطلب خبرة طبية متخصصة ومعرفة دقيقة بتشريح الجسم، لذا تبقى حكايات الفتيات داخل أروقة صالات التجميل، شاهداً على أهمية التوعية بضرورة اختيار الأطباء والجراحين المعتمدين، والتحقق من المؤهلات العلمية والمهنية قبل اتخاذ أي خطوة قد تُعرض الحياة للخطر. ◄ المخاطر الطبية لحقن الفيلر والبوتوكس من جانبه، يوضح خالد منتصر، استشاري الجلدية بمستشفى قناة السويس، أنه ليس كل طبيب جلدية يقوم بحقن الفيلر والبوتوكس ولابد أن يكون الطبيب لديه علم قوي بالتشريح لأن حقن مادة الفيلر أو البوتوكس في مسارات الشرايين والأعصاب بالوجه، كالشريان الوجهي، قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل الغرغرينا في الجلد. وشدد على ضرورة تحري الدقة حول الطبيب، فضلاً عن إنتشارغير المختصين، مثل صالونات التجميل وتصفيف الشعر وهو ما يعد فوضى وجريمة. ◄ تخصصات الأطباء والمؤهلات المطلوبة مستكملاً وثانياً ليس كل طبيب جلدية مؤهل لإعطاء هذه الحقن، بل يتطلب الأمر دورات تدريبية متخصصة. ويُشدد على أن مجرد وجود لافتة مكتوب عليها "طبيب جلدية" ليس ضماناً كافياً. وانتقد استشاري الجلدية، بعض من يُطلقون على أنفسهم "جراحي تجميل" وهم ليسوا أعضاء في الجمعية المصرية لجراحي التجميل، مما يُشير إلى نقص في التأهيل الرسمي والمهني، مؤكدًا على أن جراحة التجميل هي تخصص دقيق داخل تخصص الجراحة، وليس كل جراح عام يستطيع ممارستها. ◄ أهمية التدقيق قبل الإجراء يشير منتصر إلي أن التجميل هو إجراء اختياري، ولذلك يجب أن تكون نسبة الخطأ فيه صفراً، على عكس العمليات الجراحية التي تُجرى لإزالة الألم أو علاج الأمراض، والتي يمكن فيها تقبل بعض المضاعفات مقابل الشفاء، وهي ضرورة التحقق من مؤهلات الطبيب. فبالنسبة لجراحي التجميل، يمكن التحقق من عضويتهم في "الجمعية المصرية لجراحي التجميل"، والتي لديها موقع إلكتروني يضم أسماء الأعضاء المسجلين. ◄ مضاعفات الحقن الخاطئ يُوضح استشاري الجلدية، أن مادة الفيلر ليست سائلة، بل هي مادة هلامية متماسكة، وعندما تُحقن في شريان ضيق عن طريق الخطأ، فإنها تتسبب في انسداد يعيق تدفق الدم، وهو ما يُعد من أخطر المضاعفات التي تؤدي موت الأنسجة وبالتالي يحدث غرغرينا. يُشير منتصر إلى أن الفيلر يأتي بدرجات مختلفة من الصلابة، حيث أن الفيلر المستخدم في الشفاه يختلف عن المستخدم في الخدود أو تحت العين، مما يؤكد على ضرورة استخدام المادة المناسبة للمنطقة المحددة. ◄ حقن الفيلر في مناطق غير الوجه ولفت إلى أن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لم توافق بعد على استخدام الفيلر في مناطق أخرى غير الوجه مثل المؤخرة، وهو ما يُعد ممارسة خطيرة بدأت تنتشر، مشددًا على ضرورة تحذير الناس من هذه العمليات، لأنها قد تسبب مخاطر جسيمة. وصحح استشاري الجلدية بمستشفى قناة السويس، بعض المفاهيم الخاطئة المتداولة، مثل الربط بين حقن الفيلر ومصطلح "مثلث الخطر" في الوجه، مؤكدا أن أي طبيب محترف يعرف جيداً مواقع الشرايين والأعصاب في الوجه، ويرسم نقاط الحقن بدقة لتجنب الأماكن الخطرة. وتابع: أما مصطلح "مثلث الخطر" يُستخدم غالباً في سياق مختلف، مثل عند وجود خُراج أو دمل في هذه المنطقة، وعند الضغط عليه قد يؤدي إلى دخول الصديد إلى شرايين المخ. لذلك، يشدد على أنه لا يجب ربط هذا المصطلح بمخاطر حقن الفيلر أو البوتوكس. وأشار إلى أن الشريان الوجهي القوي الذي قد يسبب الغرغرينا لا يقع في منطقة "مثلث الخطر"، معربا عن استغرابه من استخدام الفيلر لعلاج مشاكل في الحاجز الأنفي أو الجيوب الأنفية، مؤكداً أن الفيلر ليس حلاً طبياً لمثل هذه الحالات. يُنهي منتصر حديثه بضرورة التوعية حول أضرار حقن الفيلر، وتصحيح المعلومات الخاطئة المتداولة بين الناس، مشدداً على أن الوقاية خير من العلاج، وأن اختيار الطبيب المتخصص والمؤهل هو أهم خطوة لضمان سلامة المريض. واستعرضت الدكتورة أغاريد الجمال، استشاري الأمراض الجلدية، مخاطر حقن الفيلر والبوتوكس، مشيرة إلى أنها لا تمارس هذه الإجراءات شخصياً بسبب المشاكل التي تسببها. ◄ أضرار الحقن التجميلي والجهات غير المتخصصة وأوضحت أن هناك هوساً متزايداً بالحقن التجميلي، خاصة بين الفتيات، مدفوعاً بوسائل التواصل الاجتماعي. وتُحذر من أن بعض هذه الإجراءات تُجرى في مراكز تجميل غير طبية، بواسطة أشخاص غير مؤهلين، مما يزيد من المخاطر، مشيرة إلى أن هدف هؤلاء الأشخاص هو تحقيق المكسب المادي فقط، مما يجعلهم لا يبالون بالسلامة. وشددت على أهمية استخدام مواد حقن من شركات محترمة وموثوقة. كما تُؤكد على ضرورة إجراء "اختبار الحساسية" قبل الحقن، لأن أي مادة غريبة تُدخل إلى الجسم قد تُسبب تفاعلاً (Reaction) أو رفضاً من الجسم، مما قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة قد تصل إلى الصدمة (Shock)، أو حتى الوفاة كما حدث في بعض الحالات. ◄ مثلث الخطر" في الوجه" توضح الدكتورة اغاريد أن "مثلث الخطر" في الوجه هو منطقة حساسة تتصل فيها الأوعية الدموية في الوجه ب "الدماغ" و أي التهاب أو عدوى في هذه المنطقة قد ينتشر بسهولة إلى المخ، موضحة أن أي التهاب في هذه المنطقة يتطلب علاجاً فورياً بالمضادات الحيوية القوية لتجنب انتشار العدوى. وتُؤكد على أن أي إبرة أو مادة ملوثة تُستخدم في هذه المنطقة قد تكون خطيرة جداً.