منذ لحظة انطلاق الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائى الخميس- بدا واضحًا أن المهرجان اختار أن يعود بقوة بعد عام من التوقف، متسلحًا بشعاره الأبدى «سينما من أجل الإنسانية»، ومتزامنًا مع حدثين وطنيين كبيرين هما قمة السلام فى شرم الشيخ والافتتاح المنتظر للمتحف المصرى الكبير، هذه المصادفة الرمزية جعلت من حفل الافتتاح لوحة تتجاوز فكرة الاحتفاء بالسينما إلى تأكيد أن الفن فى مصر هو رافد من روافد قوتها الناعمة، وجسر للسلام الإنسانى. اقرأ أيضًا | «الجونة» وبرنامج الأغذية العالمي يطلقان فعالية "الرياضة من أجل الإنسانية" جاء الحفل مزيجًا مدروسًا من الأناقة البصرية والحميمية الإنسانية، بدأ بعزف السلام الوطنى المصرى، فى لحظة أعادت للجمهور الإحساس بالانتماء والاعتزاز، قبل أن يقود الإعلامى أنس بوخش بصوته الهادئ دفّة الحفل بسرد صوتى يربط فقراته بخيط من الدفء والتأمل. اطلالات النجمات على السجادة الحمراء « يسرا، هند صبرى، منى زكى، منة شلبى، ليلى علوى، أمينة خليل ، شيرين رضا ، تارا عماد، مى عمروغيرهن» لم يكن مجرد استعراض للأناقة، بل تجسيد لصورة مصر السينمائية المتجددة التى تجمع بين الأصالة والتجديد، أما النجوم «حسين فهمي، آسر ياسين، عمرو يوسف، ماجد الكدوانى، إياد نصار وغيرهم» فقد شكلوا حضورًا داعمًا يؤكد وحدة الوسط الفنى حول مهرجان يمثل بيت السينما المصرية والعربية. جاءت كلمة المهندس نجيب ساويرس بمثابة بيان فلسفى لتوجه المهرجان فى مرحلته الناضجة لم تكن مجرد تحية لضيوف الافتتاح، بل رؤية فكرية تربط بين الفن والإنسان، بين الحلم والواقع. حيث قال»: آمنا منذ البداية أن السينما أكثر من مجرد فن، فهى لغة عالمية تكشف جوهر الإنسان وتعكس آلامه وأحلامه، وتمنحه القدرة على تخيّل واقعٍ أكثر عدلًا ورحمة «، فى هذه العبارة تتجسد روح المشروع الثقافى للجونة: السينما كوسيلة للتغيير لا كترفٍ جمالى، وكمنبرٍ للعدالة والرحمة فى زمنٍ تمزقه الحروب والانقسامات، إنه خطاب يضع الجونة فى صفّ المهرجانات ذات الرسالة الإنسانية «مثل كان وبرلين» لكنه يمنحها خصوصيتها المصرية المتجذّرة فى فكرة السلام والإبداع. أما كلمة المهندس سميح ساويرس بدت امتدادًا لخطاب أخيه، لكنها أكثر تجسيدًا للمعجزة الواقعية: كيف تحوّلت صحراء البحر الأحمر إلى مدينة نابضة بالثقافة والفن؟.. استعاد سميح بداياته قبل 35 عامًا حين كانت الجونة فكرة، ثم صارت مدينة تمتلك هوية حضارية خاصة، مؤكّدًا أن السينما كانت جزءًا من هذا الحلم الحضارى، وأشار إلى الدور الحيوى لمنصة «سينى جونة» التى فتحت الأبواب أمام جيلٍ جديد من المخرجين العرب، محوّلة المهرجان من حدث نخبوى إلى مختبر لصناعة المستقبل السينمائى العربى. لحظة تكريم منة شلبى بجائزة الإنجاز الإبداعى حملت بُعدًا وجدانيًا خاصًا. قدمتها يسرا بكلمات مشبعة بالفخر، فى مشهد يرمز إلى تسليم الشعلة بين جيلين من نجمات السينما المصرية. كلمة منة بدورها كانت مؤثرة، إذ تحدثت عن الامتنان، وذكرت أسماء كبار المبدعين الذين شكلوا وعيها الفنى، مهدية الجائزة إلى والدتها زيزى مصطفى والمخرج رضوان الكاشف، فى لحظة أكدت أن الفن ذاكرة ممتدة عبر الأجيال. فى فقرة موسيقية مبهرة، قدّمت لى لى فريد والطفلة عائشة السويدى مزيجًا من الأغنيات العالمية بلغات متعددة « الإيطالية والفرنسية والهندية والعربية « لتجسدان فعليًا روح الانفتاح الإنسانى للمهرجان. استعاد مهرجان الجونة فى افتتاح دورته الثامنة روحه الأصلية بعد سنوات من الجدل والتحديات، مؤكّدًا أنه مشروع مصرى برؤية كونية ، بين الحضور العالمى والأداء المنظم والرسائل الرمزية فى الكلمات والموسيقى، بدا المهرجان وكأنه يقول:»قد تتغير الأزمان، لكن تظل السينما هى الحلم الذى يربط الإنسان بالإنسان».