في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات سياسية واقتصادية متلاحقة، استطاعت مصر أن تعيد إلى الأذهان صورتها ك واحة للسلام والاستقرار، وذلك من خلال قمة شرم الشيخ للسلام التي عُقدت بمشاركة قادة وزعماء أكثر من ثلاثين دولة ومنظمة دولية وإقليمية، احتفالًا بالتوقيع على اتفاق وقف الحرب في قطاع غزة. لم يكن الحدث مجرد لقاء سياسي، بل كان منصة عالمية لإبراز الوجه الحضاري والسياحي لمصر، حيث تحوّلت مدينة شرم الشيخ مرة أخرى إلى بؤرة اهتمام العالم، لتؤكد أنها ليست فقط مدينة المؤتمرات، بل أيضًا عاصمة السلام والسياحة الدولية. الخبراء أجمعوا على أن هذا الحدث أعاد تنشيط حركة السياحة الوافدة إلى مصر، وأثبت للعالم أن المدن المصرية آمنة وقادرة على استضافة أهم الفعاليات العالمية. وفي هذا الإطار، استطلعنا آراء مجموعة من المتخصصين في القطاع السياحي للحديث عن أثر القمة على السياحة المصرية، وكان من أبرزهم الخبيران أيمن عبد اللطيف وعلي غنيم، اللذان أكدا أن القمة شكّلت نقطة تحول استراتيجية في مسار السياحة المصرية خلال السنوات المقبلة. ◄ انعكاسات قمة شرم الشيخ على الصورة الذهنية لمصر أجمعت وسائل الإعلام الدولية على أن مشاهد القمة كانت بمثابة دعاية سياحية غير مباشرة لمصر، إذ أظهرت تقارير القنوات العالمية المدينة الساحلية في أبهى صورها، بشواطئها الخلابة وفنادقها الفاخرة وأجوائها الآمنة. كما نقلت صور القادة والرؤساء خلال القمة رسالة واضحة إلى العالم مفادها أن مصر بلد مستقر، آمن، ومفتوح أمام الجميع. هذه الصورة الإيجابية تُعد أهم ما يحتاجه القطاع السياحي المصري في الوقت الراهن، حيث تساهم في تعزيز ثقة السائحين والشركات العالمية في السوق المصري. ومن هنا جاء التأكيد من الخبراء على أن قمة شرم الشيخ لم تكن حدثًا سياسيًا فحسب، بل كانت رافعة قوية للاقتصاد والسياحة المصرية. ◄ مصر آمنة ومستقرة قال الخبير السياحي أيمن عبد اللطيف، عضو غرفة شركات السياحة والفنادق، إن استضافة مدينة شرم الشيخ لقمة السلام جاءت لتؤكد للعالم أن مصر آمنة ومستقرة، وأنها قادرة على استضافة أي حدث دولي مهما كان حجمه، في أي وقت. وأوضح عبد اللطيف أن اختيار شرم الشيخ تحديدًا لم يأتِ من فراغ، بل لأنها تمتلك مقومات متكاملة تجمع بين الأمن والبنية التحتية والفنادق العالمية والخدمات السياحية المتطورة، وهو ما جعلها مؤهلة دائمًا لاستضافة مثل هذه الفعاليات الكبرى. وأضاف: «قمة شرم الشيخ جاءت بعد فترة وجيزة من مؤتمر المناخ (COP27)، ما يعكس أن المدينة أصبحت على رأس أولويات المجتمع الدولي كوجهة للسلام والمؤتمرات، وهذا ما يمنحها ثقلًا سياسيًا وسياحيًا استثنائيًا». وأشار عبد اللطيف إلى أن انعقاد القمة في وقت قصير من التحضير يدل على جاهزية البنية التحتية واحترافية الأجهزة التنفيذية، قائلًا: التحضير للقمة لم يستغرق سوى أسابيع قليلة، ومع ذلك خرج التنظيم في صورة عالمية مشرفة. وهذا دليل واضح على مدى الأمان والاستقرار الذي تنعم به مصر وجنوبسيناء. ◄ تأثير مباشر على حركة السياحة وأكد الخبير السياحي أن القمة انعكست فورًا على معدلات الإشغال الفندقي بشرم الشيخ التي تجاوزت 95٪ خلال فترة انعقاد القمة، موضحًا أن هذا الإقبال لم يكن فقط من الوفود الرسمية، بل شمل أيضًا سائحين أجانب توافدوا خصيصًا لمتابعة الحدث. القمة أعادت الثقة للسائح الأجنبي، لأن وجود رؤساء وملوك العالم على أرض مصر يبعث برسالة طمأنينة للسياح، فهم يرون أن المكان الذي يستقبل قادة العالم هو بالضرورة مكان آمن. وأضاف عبد اللطيف أن الأسواق الأوروبية خاصة الألمانية والبولندية والإيطالية ستشهد زيادة واضحة في أعداد السائحين المتوجهين إلى شرم الشيخ خلال موسم الشتاء المقبل، متوقعًا ارتفاعًا بنسبة 30 إلى 35٪ مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. ◄ تنشيط سياحة المؤتمرات والاستثمارات وأشار إلى أن هذه القمة ستُسهم أيضًا في تعزيز سياحة المؤتمرات والمعارض (MICE Tourism)، التي تعتبر من أكثر أنواع السياحة ربحية، حيث يبلغ متوسط إنفاق السائح فيها ثلاثة أضعاف السائح العادي. شرم الشيخ أصبحت منصة عالمية للحوارات الدولية، وهذا النوع من السياحة يفتح الباب أمام استثمارات جديدة في الفنادق، والمراكز اللوجستية، وشركات الخدمات. وأوضح أن القمة لم تؤثر فقط على حركة السياحة، بل أيضًا على الاستثمار الأجنبي في القطاع، إذ تلقت وزارة السياحة خلال الأسابيع التي تلت القمة عروضًا من شركات ألمانية وإيطالية لضخ استثمارات جديدة في منتجعات جنوبسيناء. ◄ رسالة للعالم: سيناء أرض السلام لا الصراع وختم عبد اللطيف تصريحاته بقوله: زيارة قادة العالم لسيناء هي في حد ذاتها رسالة للعالم أن هذه المنطقة لم تعد منطقة صراع، بل أصبحت منطقة سلام وتنمية. القمة نقلت صورة حقيقية عن مصر الحديثة، وعن قدرتها على قيادة الحوار والسلام في المنطقة، وهذا ينعكس مباشرة على السياحة الوافدة. من جانبه، أكد علي غنيم، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للغرف السياحية، أن قمة شرم الشيخ للسلام كانت بمثابة حملة ترويجية مجانية لمصر أمام أنظار العالم أجمع، موضحًا أن اسم شرم الشيخ تصدّر نشرات الأخبار العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي طوال فترة انعقاد القمة. وقال غنيم: "ما حققته القمة من دعاية لم يكن ليحدث حتى لو أنفقت مصر مليارات الجنيهات على الحملات الإعلانية. فظهور المدينة في الإعلام العالمي بمظهر آمن ومنظم وجميل هو أقوى وسيلة تسويق ممكنة. ◄ تأثير إعلامي عالمي ودعاية مجانية وأشار غنيم إلى أن القنوات الدولية الكبرى مثل CNN وBBC وDW الألمانية بثت تقارير عن شرم الشيخ أثناء القمة، وهو ما جعل ملايين المشاهدين حول العالم يشاهدون جمال المدينة ومرافقها الحديثة. وأوضح أن هذا التأثير الإعلامي رفع من مكانة المدينة على خريطة السياحة الدولية، خاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث زادت عمليات البحث عن شرم الشيخ على محركات الحجز بنسبة تجاوزت 60٪ بعد القمة مباشرة. ما حدث هو تسويق ذاتي لمصر. العالم شاهد قادته يجتمعون في مدينة مطلة على البحر الأحمر، بين الطبيعة الساحرة والأمن الكامل، فكانت النتيجة أن السائح شعر بالثقة والرغبة في المجيء بنفسه. ◄ انتعاش الاقتصاد المحلي وأضاف غنيم أن انعقاد القمة أنعش الحركة الاقتصادية في جنوبسيناء بشكل شامل، حيث ارتفعت نسب الإشغال في الفنادق والمطاعم، وزادت مبيعات الشركات السياحية المحلية، وانتعشت الأسواق التجارية الشعبية. وأوضح أن مدينة شرم الشيخ تحولت خلال القمة إلى خلية نحل، حيث عملت الفنادق بكامل طاقتها، وامتلأت الرحلات الجوية القادمة من القاهرة والعواصم الأجنبية. كان هناك طلب كبير على جميع الخدمات، من النقل إلى المطاعم وحتى محلات الهدايا، ما يعني أن القمة لم تكن فقط حدثًا سياسيًا، بل موردًا اقتصاديًا ضخمًا انعكس على كل العاملين في قطاع السياحة. ◄ تأثير طويل الأمد على السياحة المصرية وأوضح غنيم أن القمة ستُحدث تأثيرًا طويل المدى على السياحة المصرية، لأنها عززت الصورة الذهنية لمصر كبلد آمن قادر على احتضان العالم، قائلًا: هذه الصورة تبقى في أذهان الناس لسنوات. فحين يشاهد السائح زعماء العالم يسيرون في شوارع شرم الشيخ، سيختار هو أيضًا أن يقضي إجازته هناك بثقة واطمئنان. وأشار إلى أن مصر تمتلك الآن فرصة ذهبية للبناء على هذا الزخم، داعيًا إلى إطلاق حملة ترويجية عالمية بعنوان "مصر أرض السلام" تستغل هذا الحدث في جذب المزيد من السائحين، خصوصًا من الأسواق الأوروبية والآسيوية. لكي نحافظ على المكاسب التي حققتها القمة، يجب العمل على تحسين الخدمات السياحية، وتسهيل إجراءات الدخول، ودعم الاستثمار في قطاع النقل الجوي لزيادة الرحلات المباشرة إلى شرم الشيخ والغردقة. فالسائح لا يحتاج سوى الثقة، وقد منحته القمة هذه الثقة بالفعل. ◄ نتائج وتوصيات عامة من خلال ما رصده الخبراء والمراقبون، يمكن تلخيص أبرز الانعكاسات الإيجابية لقمة شرم الشيخ للسلام على حركة السياحة المصرية فيما يلي: 1- ارتفاع نسب الإشغال الفندقي بشرم الشيخ إلى أكثر من 95٪ خلال فترة القمة. 2- زيادة الاهتمام العالمي بمصر كمقصد سياحي آمن ومستقر. 3- تحفيز الاستثمار الأجنبي في قطاعي الفنادق والمطارات السياحية. 4- ترويج إعلامي واسع النطاق ساهم في تحسين الصورة الذهنية لمصر في الخارج. 5- تعزيز سياحة المؤتمرات وتحويل شرم الشيخ إلى عاصمة إقليمية للفعاليات الدولية. 6- انتعاش الاقتصاد المحلي في جنوبسيناء من خلال زيادة الطلب على الخدمات السياحية. 7- إطلاق موجة جديدة من الثقة الدولية في المقاصد المصرية كافة. أثبتت قمة شرم الشيخ للسلام أن مصر قادرة على الجمع بين السياسة والسياحة في آنٍ واحد، وأن استضافة حدث بهذا الحجم تُعد شهادة ثقة عالمية في أمنها واستقرارها. فمن شرم الشيخ، المدينة التي حملت راية السلام لعقود، انطلقت رسالة جديدة إلى العالم مفادها: مصر لا تصنع السلام فحسب، بل تصنع الأمل، وتفتح ذراعيها لكل من يبحث عن الجمال والأمان.