من "الغزالة رايقة" التي خطفت قلوب الجمهور، إلى "اليوم الحلو دا" الذي أصبح عنوانًا للفرح، و"بنت أبويا" التي باتت الأغنية المفضّلة في معظم حفلات الزفاف والمناسبات، مرورًا ب"ابتدينا" مع عمرو دياب، و"لِلِّي" مع محمد منير، وغيرها من الأعمال التي حفرت اسمها كواحدة من أهم كاتبات الأغنية في مصر خلال السنوات الأخيرة. استطاعت منة القيعي أن تضع بصمتها الخاصة على الساحة الغنائية, وتؤكد أن الكلمة الصادقة قادرة على أن تصنع نجاحًا يسبق اللحن والصوت، وفي وقت قصير بدأت رحلتها بثقة وثبات، لتصبح حاضرة دائماً بأعمال مختلفة مع كبار النجوم, حيث تمتلك قدرة نادرة على التقاط التفاصيل الإنسانية وتحويلها إلى مشاعر، فتأتي بكلمات عفوية لكنها عميقة تعبر عن الناس بصدق ودفء. في هذا الحوار، تكشف منة عن كواليس أعمالها التي صنعت الفارق، وعن أحلامها وطموحاتها التي لا تزال تسعى لتحقيقها بخطوات ثابتة وإيمان كبير بما تقدمه.. متى بدأت اكتشاف موهبتك في الكتابة؟ من خلال عملي في مجال الإعلانات، ومع تطور طبيعة الإعلانات واتجاهها نحو فكرة الأغاني القصيرة، وجدت نفسي أتعلم هذا النوع من العمل بشكل أعمق، ومن خلال إحدى الإعلانات سنحت لي الفرصة للتعرف على حسن الشافعي، ومن هنا بدأت سلسلة من الأحداث التي لم تكن مخططة، لكنها وضعتني على أول خطوة حقيقية في مشواري الفني، ورغم تطوري ودخولي مجالات أخرى، لم أتوقف عن العمل في الإعلانات، فهي كانت البداية التي منحتني الخبرة والثقة. هل توقعت أن تصل أعمالك إلى أبرز النجوم بهذه السرعة؟ لم اشك لحظة في أن هذا اليوم سيأتي، فمنذ طفولتي، كان لديّ يقين بأن ما أحلم به سيتحقق يومًا ما، حتى قبل أن تتضح لي ملامح الحلم أو الطريق إليه. كنت دائمًا مؤمنة بأنها مسألة وقت، وأن النجاح ليس صدفة ولا نتيجة للحظ، بل ثمرة السعي والاجتهاد، يبقى توفيق الله هو الأساس في كل ما نصل إليه. قدمت العديد من الأغنيات التي حققت نجاحاً كبيراً.. ما العمل الذي تعتبرينه نقطة الانطلاق الحقيقية لك؟ عندما قدمت أول أغنية "يادنيا علمينا"، شعرت أن تلك هي البداية القوية، خصوصًا إنها جاءت بالتعاون مع حسن الشافعي، وقلت لنفسي: "هذه هي الخطوة الأولى في الطريق الصحيح". ومع كل إعلان جديد كنت أعمل عليه - مثل الإعلانات التي جمعتني مع شيريهان ثم إعلان مع ياسمين عبد العزيز "كسر الدنيا" - كنت أرى في كل تجربة منها محطة مهمة، فكل مرة كانت تمثل نقلة صغيرة لكنها مؤثرة. ثم جاءت أغنية "الغزالة رايقة" التي اعتبرتها مرحلة جديدة تمامًا، وبعدها أغنية "اليوم الحلو ده" التي شعرت معها بأنني أمام محطة مختلفة، وعندما جاء التعاون مع عمرو دياب، ثم مع محمد منير، أدركت أن كل محطة كانت تمهد للأخرى. فالحمد لله، أشعر أنني كنت محظوظة في كل خطوة، وأن توفيق الله كان يرافقني دائمًا. ماذا عن تجربة التعاون مع "الهضبة"؟ وكيف ترين هذه الخطوة في مسيرتك؟ منذ بداياتي كنت أحقق نجاحات وأشعر بالفخر، لكنني في الوقت نفسه كنت أؤمن أنني لم أصل بعد إلى الصورة الكاملة التي أحلم بها. أما أن أصل إلى المرحلة التي يُغنّي فيها عمرو دياب كلمات من تأليفي، فذلك كان أحد أحلامي الكبرى التي سعيت إليها طويلًا، فهي خطوة ينتظرها أي فنان. تحقق الحلم، واعتبرتُ تلك التجربة بمثابة ترقية في مشواري الفني، تمامًا كما يحدث في أي مهنة عندما ينتقل الإنسان إلى مستوى أعلى. لكن بعد كل خطوة ناجحة، تتولد بداخلي رغبة في المزيد، ولهذا أسعى في الفترة المقبلة إلى تكرار التعاون معه في أكثر من عمل، وأن تأتي السنة الجديدة وأجد أنه يطلبني بالاسم، وهذه بالنسبة لي سيكون قمة النجاح. هل هناك أعمال كنت تتوقعين لها نجاحًا أكبر مما حققته؟ ليس كل ما نقدمه يلقى نفس الصدى أو الحظ في الانتشار، كانت هناك أعمال كثيرة على مدار مشواري الفني شعرت بأنها مميزة وتستحق فرصة أفضل، لكنها لم تنل نصيبها من النجاح أو لم يتم تقديمها بالشكل الذي يبرز قيمتها الفنية، ولا أستطيع أن أحدد عملا واحدًا بعينه، لأن هناك بالفعل عددًا كبيرًا من الأغاني التي تمنيت أن تصل إلى الجمهور أكثر. لكن في المقابل، هناك أيضًا أعمال لم أكن أتوقع أن تحقق هذا النجاح الكبير، والحمد لله كانت مفاجأة جميلة أثبتت لي أن النجاح لا يُقاس دائمًا بالتوقع، بل بتوفيق الله وتفاعل الناس. إلى أي مدى تعتمدين على مشاعرك الشخصية أثناء كتابة الأغاني؟ هذا يحدث كثيرًا، فعندما تكون الأغنية مرتبطة بفيلم أو إعلان، يكون الشكل العام محدد مسبقًا سواء من المخرج أو أبطال العمل أو فريق الإعلان وبالتالي أعمل وفق رؤية معينة ومضمون واضح. لكن رغم ذلك، لا أستطيع الكتابة من دون استحضار مشاعر أو مواقف من حياتي الشخصية، حتى عندما أكتب لأحد الأفلام أجد نفسي أستعين دائمًا بتجربة مررت بها أو بموقف عشته أنا أو أحد المقربين مني، لأن هذا ما يمنح الكلمات صدقها، وأحيانًا أضيف التفاصيل لتعزيز الجانب الدرامي فيها. فالكتابة بالنسبة لي ليست مجرد تركيب كلمات على لحن، بل عملية تعبير حقيقية تستند إلى إحساس وتجربة. هل تعتبرين عدد المشاهدات على المنصات الرقمية مؤشرًا حقيقيًا لنجاح الأغنية؟ قد يكون هذا دليلا على النجاح في بعض الأحيان، لكن ليس المؤشر الأول بالنسبة لي، لأن أحياناً كثيرة لا يعكس الواقع بدقة، لأننا جميعًا نعلم أن المشاهدات يمكن التلاعب بها أو زيادتها بطرق مختلفة، كما أن توقيت طرح الأغنية يلعب دورًا كبيرًا في انتشارها، لذلك أعرف مدى النجاح الحقيقي من خلال حضور الأغنية في الشارع قبل أي شيء آخر، فعندما أسمعها من خلال الجمهور وفي الأفراح أو من خلال انتشارها في "ستوريز" على مختلف مواقع التواصل الإجتماعي، عندها فقط أشعر أن الأغنية وصلت لما كنت اتمناه. فاليوم، أصبح الوصول إلى 10 ملايين مشاهدة أمرًا طبيعيًا، لكن حين تحقق الأغنية حضورًا في الحياة اليومية للجمهور، فذلك هو النجاح الحقيقي. ما التجربة أو التعاون الفني الذي ترك أثراً خاصاً فيك؟ عملي مع الكينج "محمد منير" الذي يتمتع بطاقة إيجابية جدًا، ويمنح من حوله شعورًا بالراحة والاحترام، قضيت وقتًا ممتعًا معه لأنه لا يكتفي بالغناء أو الأداء فقط، بل يجلس ويتحدث عن الفن بشغف ويستمع باهتمام ويشاركك رأيه بصراحة وصدق، كما يروي قصصًا من رحلته الطويلة في الغناء تشعرك أنك أمام تاريخ حي،لذلك التعاون معه جعلني أشعر وكأنني أعيش في زمن مختلف. وقال لي كلمات شجعتني كثيرًا وجعلتني أشعر بأن أمامي أبوابًا جديدة تُفتح في مشواري، كانت تجربة غالية جدًا على قلبي، لأنها لم تكن مجرد تعاون فني، بل لقاء مع إنسان عظيم وأسطورة حقيقية. هل تفضلين العمل الفردي في كتابة الأغنيات أم أسلوب الورش الجماعية؟ لم يعد هناك من يكتب الكلمات ثم يرحل، أو من يلحن بعيد عن الآخرين، بل أصبح العمل قائمًا على تفاعل مستمر بين جميع الأطراف الكاتب والملحن والموزع والمطرب حتى تخرج الأغنية بالشكل الذي يرضي الجميع، من لحظة الفكرة الأولى وحتى اكتمال العمل، وهذا ما يجعل الأغنية في النهاية أكثر صدقًا وتكاملًا. كيف تتعاملين مع لحظات فقدان الإلهام أو العجز عن الكتابة؟ هذه من أكثر اللحظات المؤلمة والمرعبة بالنسبة لي، لأنني أخشى فيها أن أفقد موهبتي فعلًا، قد يرى من هم خارج المجال أن هذا أمر طبيعي يحدث لأي فنان، لكن عندما يكون الشخص في قلب التجربة، يشعر وكأن العالم يتوقف للحظة. في كل مرة يحدث لي ذلك، أشعر أنني فقدت قدرتي على الكتابة تمامًا وكأن الكلمات هجرتني، لكنني أتعامل مع الأمر بالصبر والإيمان، فألجأ إلى الله وأحاول أن أهدأ، أستمع إلى الموسيقى، أشاهد أعمالًا قديمة، وأحاول أن أستعيد شغفي من جديد، ومن الممكن أن أستعين بأصدقائي من الملحنين الذين أرتاح للعمل معهم، مثل عزيز الشافعي وأحمد طارق يحيى، وغيرهما ممن تجمعني بهم علاقة إنسانية وفنية جميلة، فنجلس ونتحدث ونستمع إلى الموسيقى معًا، ومع الوقت أجد أن الإلهام يعود تدريجيًا، وكأن الطاقة بدأت تتجدد داخلي من جديد. ما سر قدرة أغانيك على لمس مشاعر الجمهور بهذا الشكل القوي؟ حين تعبّر عن مشاعرك بصدق، كأنك تعبّر عن مشاعر الجميع، لأن المشاعر الإنسانية لا تختلف هي نفسها، مهما تغيّرت الأسماء أو الظروف، وما أشعر به، قد يشعر به شخص آخر في وقت مختلف أو بطريقة أخرى، لكنها في النهاية نفس الحالة الإنسانية. لذلك،عندما كتبت أغنية "اختياراتي"، أصبحت تريند بين الشباب والبنات وكأنها لمست شيء ما بداخلهم، وحين كتبت أغنية "بنت أبويا" فأضاءت النور حول علاقة خاصة جدًا بين الأب وابنته في مختلف المناسبات، وأيضاً أغنية "كل سنة وأنت قلبي" أصبحت تُغنّى بين الأزواج والأحبّة في مناسباتهم الخاصة. فهنا، المفارقة أن كل هذه الأغاني كانت نابعة من مواقف وتجارب شخصية جدًا، لكنها وصلت إلى قلوب الناس لأنها صادقة وواقعية نعيشها. ما أكثر التحديات التي تواجهينها في الوقت الحالي؟ لكل شخص تحدياته الخاصة، فالبعض يجد أن المنافسة هي الأصعب، أما بالنسبة لي، فأصعب ما أواجهه هو "سرعة الزمن" بكل ما يحمله من تغيّر وتسارع، فالوقت يمر بسرعة، ذوق الناس يتغير، والمشهد الفني لا يتوقف عن التطور. يظهر جيل جديد من الموهوبين ويلمع وجه جديد في الساحة يوم بعد يوم، بينما أنا أراقب الزمن وهو يتحرك، خوفاً من أن تفوتني فرصة، أو أن أبتعد عن الناس ولا أكون مواكبة بالقدر الكافي، فهو تحدي قاسي لأن الأغنية التي تنجح اليوم تصبح ماضي غدًا، والسرعة التي تخلق النجاح هي نفسها التي قد تُنهيه. هل تعتقدين أن السوشيال ميديا ساعدت في انتشار الأغاني، أم أثّرت على جودتها؟ هذا الأمر لا يزعجني إطلاقًا، بل أعتبره طبيعيًا، فكل شخص له رزقه ونصيبه، وهذه سنة الحياة، بالتأكيد السوشيال ميديا ساعدت في سرعة الانتشار أكثر من أي وسيلة أخرى، لكن في الوقت نفسه، هي أيضًا تُسهِم في انتشار "أي محتوى"سواء كان جيدًا أو لا. وأنا لا أملك تلك الحساسية تجاه فكرة أن تنتشر أغنية لا أراها على قدرالمستوى، لأن في النهاية الجمهور هو من يقرر ما يُحب ويستمع إليه. كيف يمكن للكاتب أن يوازن بين إرضاء ذوق الجمهور والاحتفاظ ببصمته الخاصة؟ لا أشغل بالي بفكرة إرضاء الجمهور أثناء الكتابة، أنا أكتب ما أشعر به بصدق، وأعبّر عما يمسني من الداخل، وأؤمن أن الكلمة الصادقة تصل إلى القلب مهما كان نوعها سواء كانت أغنية أو فكرة. كيف تختارين الألفاظ والتعبيرات بحيث تناسب شخصية المطرب وأسلوبه؟ مع مرور الوقت واكتساب الخبرة، فالكلمات التي أقوم بكتابتها لفنان ما ليست كالكلمات التي أكتبها لآخر، لأن لكل فنان شخصيته الفنية ولونه الخاص الذي يميّزه به عن غيره، ومع كثرة التعامل والتجارب، يصبح الكاتب قادراً على إدراك طبيعة كل صوت وحدود شخصيته الفنية تماماً كما يستطيع الجمهور أحياناً أن يتنبأ بالفنان الذي يمكن أن يؤدي أغنية ما بمجرد سماع كلماتها. ما الصفات التي تعتبرينها سر نجاحك في مجال ملىء بالمنافسة؟ في المقام الأول يأتي توفيق الله، فهو الأساس في كل شيء، إلى جانب ذلك الاجتهاد المستمر والإصرار على التعلم والتطور والصدق في التعبير عن المشاعر في كل كلمة أكتبها. من كان الداعم الأول لك؟ أسرتي، فوالدتي ووالدي وشقيقي وحالياً زوجي هم السند الحقيقي وراء كل ما وصلت إليه حتى الآن. هل هناك عادات أو طقوس معينة تساعدك على الإبداع؟ لا أتبع أي روتين ثابت، أحيانًا أكتب وأنا في مكان هادئ تمامًا، وأحيانًا آخرى وسط الضوضاء وبين الناس، فالإلهام يمكن أن يأتي في أي وقت وأي مكان، الأهم أن أشعر بالكلمة وبالفكرة، حينها فقط أبدأ الكتابة دون تخطيط مسبق. أين ترين نفسك مستقبلا ؟ ابتعدت قليلًا عن مجال الكتابة الغنائية، واتجهت إلى مجالات أخرى في الكتابة، مثل السينما والدراما والمسرح، أتمنى أن أكون حينها قد خضت تجارب جديدة وحققت نجاحات مختلفة في تلك المجالات، وأن أتيح لنفسي مساحة أكبر للاهتمام بحياتي الشخصية أيضًا. اقرأ أيضا: «بفكر أعتزل».. منة القيعي تثير الجدل برسالة غامضة وزوجها يرد أيا من الفنانين تتمنين التعاون معهم مستقبلًا؟ تامر عاشور، وشيرين عبد الوهاب، وأنغام وحسين الجسمي في انتظار التعاون معهم في أقرب فرصة. أخيراً.. ما الرسالة التي تتمنين أن يخرج بها الجمهور من أعمالك؟ دائما أقول عند رحيلي يومًا ما، أتمنى أن يبتسم الناس عندما يتذكرونني، ويقولوا: "كانت تفرحنا، وكان في حضورها طاقة إيجابية وبسمة جميلة، وأن يشعر من يسمعني بالسعادة والبهجة، وأن أترك أثرًا طيبًا في نفوسهم"، فأُترك ذكرى خفيفة ومبهجة في قلوب الناس.