قبل نحو ثلاثة أشهر؛ أصدر وزير الثقافة قرارًا بتعيين د. خالد أبو الليل نائبًا للدكتور أحمد بهى الدين العساسى، رئيس هيئة الكتاب السابق، لتكون مهمته الأساسية الإشراف على معرض القاهرة الدولى للكتاب 2026. وبعد رحيل العساسى عن الهيئة، تولى أبو الليل منصب القائم بأعمال رئيس الهيئة. وبعد أسابيع قليلة صدر قرار جديد بتكليف د. أحمد مجاهد، أستاذ الدراما والنقد بكلية الآداب جامعة عين شمس والرئيس الأسبق لهيئة الكتاب، بالعمل مديرًا تنفيذيًا للمعرض، وهى خطوة تعكس إدراك الوزير بأن الدورات السابقة عانت من إشكاليات وتحديات، تستلزم العمل على تجاوزها وصياغة رؤية أكثر كفاءة تليق بمكانة المعرض وتاريخه العريق عربيًا ودوليًا فمم عانى المعرض خلال سنواته الماضية؟ وماذا يمكن أن ننتظر فى الدورة القادمة منه؟ لجنة حيادية لتوجيه الدعوات يقول د. محمد عبد الباسط عيد إن المعرض بالشكل الذى ظهر به فى العامين الماضيين بدا وكأنه مناسبة كرنفالية يغلب عليها قدر كبير من الخفة، ويفتقد الفكرة المؤسسية. وضرب مثالًا على هذه الحالة بالمدعوين من الخارج، مضيفًا: «عادة فى المعارض المهمة؛ تتوجه الدعوات إلى الكتّاب والمفكرين ذوى الوزن الثقيل، لكن الحقيقة أنه فى الدورات الماضية لاحظنا غياب الأسماء المهمة عن المعرض، باستثناء اسم أو اسمين بالطبع، فى حين كان هناك حضور ملحوظ لأسماء عادية. ربما يكون الحل فى أن يتم تشكيل لجنة من المثقفين الحياديين، تقوم بوضع برنامج محدد للدعوات الموجهة إلى كبار الكتّاب والنقّاد والمثقفين فى العالم العربى، والدولى كذلك، وتضع خطة سنوية واضحة. ما أستشعره أن الأمر تغلب عليه الأهواء، لا أريد أن أقول المصالح الشخصية، لكن هناك هوى، وهذا الهوى قد يرتبط أحيانًا بالمصلحة الشخصية. بينما الفكرة المؤسسية تضمن ألا تُترك المسألة لشخص بعينه، ولا تترك حتى لهوى لجنة، وإنما تفرض أن يتم العمل وفق معايير ثابتة لنحدد من ندعو ولماذا هذه قضية يجب أن تكون محسومة سلفًا». يستكمل عيد: «الأمر الآخر أننا إذا دعونا كبار الكتّاب والشعراء والمثقفين من العالم؛ لا بد من توفير الدعم اللوجستى الملائم، بحيث يجدون مساحات واسعة داخل المعرض، ويتاح لهم أن يلتقوا بالمثقفين المصريين، ويحدث التفاعل المرجو. أظن أن هذا كان أبرز عيب ظهر فى المعرض لكن فى المقابل هناك نقطة إيجابية لا بد أن أثمّنها، وهى المؤتمر الذى يُعقد ضمن فعاليات المعرض فى السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، فقد حضرتُ مؤتمرًا مرة عن مصطفى ناصف ومرة عن نازك الملائكة. هذا أمر يجب تقديره، ولكن من الضرورى أيضًا ضبطه ليكون أكثر فاعلية وكفاءة، عبر وضع معايير لاختيار الأسماء ومناسبتها، ونكلّف الباحثين قبلها بوقت كاف ليعدّوا أوراقهم البحثية بشكل أدق وأشمل. أتذكر أننى وُجِّهت إلىّ الدعوة للمشاركة فى مؤتمر مصطفى ناصف قبل المعرض بعشرين يومًا فقط تقريبًا، وهذا وقت غير كاف لا بد أن تكون هناك فسحة زمنية أوسع لمراجعة الأفكار والاستعداد الجيد للكتابة». عرس المعارض العربية يثنى الكاتب الصحفى إيهاب الملاح، المشرف العام على النشر فى دار المعارف؛ على قرار اختيار د. أحمد مجاهد مديرًا تنفيذيًا للمعرض، حيث إن تجربته السابقة كرئيس للهيئة العامة للكتاب، تؤكد أنه صاحب قدرات إدارية ممتازة، وأحد المسئولين الثقافيين القلائل الباقين من مدرسة قديمة توارت برحيل أصحابها مثل جابر عصفور وفوزى فهمى وسمير سرحان، وغيرهم، مضيفًا: «إنتاج الهيئة فى فترة رئاسة د. مجاهد لا يختلف عليه أحد، رغم أنه كان يعمل فى ظروف صعبة وقاسية جدًا، فيها توترات واضطرابات، لكنها كانت فترة ناجحة بامتياز، أو هكذا أرى، كقارئ ومتابع مهتم ومتفاعل مع ما تخرجه الهيئة العامة للكتاب. وبالتالى استدعاؤه مرة أخرى ليكون مديرًا تنفيذيًا للمعرض، يصاحبه تفاؤل بأنها ستكون دورة مختلفة برامجيًا، وعلى مستوى الشكل العام والحضور، لأن التراجع كان كبيرًا، والفارق بين معرض القاهرة وغيره من المعارض الأحدث فى أماكن أخرى أصبح واسعًا. نحن نتحدث عن معرض يُفترض أنه الأقدم عربيًا، والأكبر، والأكثر عراقة، لكنه لم يخرج بالشكل الأمثل فى السنوات الماضية. الشىء الوحيد الذى حفظ له مكانته هو الجمهور، فالناس ما زال عندها حنين وشغف، وقد صار المعرض معلمًا من معالمها السنوية فيما عدا ذلك؛ لوجستيًا وتنظيميًا كانت المشكلات أكبر بكثير. وهنا لا أتحدث عن الإمكانات المادية فقط، فمعارض فى شمال إفريقيا ليست لديها إمكانات أشقائنا فى الخليج، لكنهم واقفون على أقدامهم، وقادرون على أن يقدموا دورات قوية يستضيفون فيها أسماء كبيرة، وينفذون برامج جيدة، ويحتفون بشخصيات. بينما نحن، وأنا آسف لقول هذا؛ تدهور حالنا، وصار الضيوف الكبار يعتذرون بسبب سوء التنظيم وعدم الاهتمام، ولم يعد المثقفون العرب يأتون كما كانوا يفعلون حبًا فى مصر وارتباطًا بها، إذ كانوا يأتون مدعوين ومحتفى بهم، وكانت القاهرة تحتضنهم وترحب بهم، وكانوا ينتظرون معرض القاهرة باعتباره (عرس المعارض العربية)». يثق الملاح فى قدرات د. مجاهد، ويتصور أن برنامج الأنشطة هذا العام سيكون محكمًا ودقيقًا، ينحاز للكيف وليس الكم، بأن تُقام برامج محدودة العدد لكن جماهيرية، وموضوعاتها جذابة، وتستضيف أسماء لها وزنها، فمصر لم تنضب أبدًا من العقول والأسماء الكبيرة اللامعة فى كل المجالات. كما أن المسألة لا يجب أن تكون مقتصرة على الأدباء والكتّاب فقط، فالفكرة تغيّرت، ولم يعد فقط من يكتب الأدب هو من يحضر المعرض، بل هناك منتجو الفكر والثقافة ومن يقدمون إسهامات للإنسانية وللعلوم والمعارف المختلفة. قد تكون الشخصية المحتفى بها شخصية علمية، مثلما حدث السنة الماضية يستطرد: «يبقى أهم شىء فى المعرض هو الكتب ودور النشر، لذا لا بد أن يكون هناك حضور قوى وفعال للناشرين، وأن يُعاملوا بمرونة، دون أن يُرهقوا أو تُثقل عليهم الأعباء أو يُعاملوا بتعالى أو صرامة، كى يتمكنوا من تقديم أعمالهم وجنى ثمار تعبهم طوال السنة. أما الجمهور؛ فهو الذى ينجِح المعرض كل سنة مهما كانت الظروف، لذلك علينا أن نهتم به ونيسر له أسباب الدخول والزيارة، ففكرة الطوابير ليست شيئًا مفرحًا، ومن المهم أن نهتم بالشكل الحضارى الذى يتراجع - للأسف - عام بعد الآخر، بدءًا من مستوى الخدمات كالحمامات والمرافق، وحتى السيولة فى الحركة، وتطبيق الإجراءات بيسر دون عنف أو خشونة. كما يجب أن يكون التعامل مع ضيوف المعرض ومرتاديه من كتّاب وصحفيين وإعلاميين بكل كرامة واحترام، وأن يُستعاد الإحساس بأن هذا «عيدنا الثقافى»، وأن بطاقات الدخول والدعوات لا تُدار بطريقة سرية هذه كلها إجراءات لا أتصور أنها ستُعجِز د. أحمد مجاهد، فهو يمتلك خبرة كبيرة وإدارة مسئولة». الارتباك يسبق التطوير دائمًا يتفق الكاتب عمرو العادلى مع الملاح فى تفاؤله بقرار إسناد الإدارة التنفيذية للدكتور أحمد مجاهد، فهو فى تقديره اختيار موفق، لأنه يمتلك خبرة سابقة فى إدارة الفعاليات، مضيفًا: «لا أعرف د. مجاهد بشكل شخصى، وإنما أستند فى رأيى إلى ما لمسته من قراراته وأدائه فى بعض المواقع التى تولى رئاستها. أما المعرض؛ فمعظم مشكلاته - فى رأيى - مرتبطة بالجمهور، الذى واجه صعوبة بالغة فى الدخول خلال الدورات السابقة، إذ جرى اعتماد نظام «الكيو آر كود» فى إحدى الدورات ثم أُلغى فى الدورة التالية، ووُضع أمن على الأبواب الداخلية تارة، ثم استُغنى عنه لاحقًا. وبصفتى أزور المعرض كأى زائر عادى، أواجه المشكلات ذاتها التى يواجهها الجمهور؛ من عدم توافر أماكن مناسبة لركن السيارات، أو وجود مظاهر غير لائقة أمام المعرض، مما يضعف من قيمته كفعالية ثقافية، ويجعله يبدو أقرب إلى سوق تجارى. هذه الأمور يجب ضبطها، فجزء منها يرتبط بالمسؤول عن إدارة المعرض، والجزء الآخر يدخل فى إطار الشأن العام والممارسات التى نراها فى فعاليات أخرى أيضًا. لكن رغم أن هذا التخبط فى الإجراءات يعكس ارتباكًا، إلا أننى - فى الوقت نفسه - أتصور أنه من الطبيعى أن يسبق التطوير قدر من الاضطراب، لأنه من المستحيل أن يستقيم كل شىء منذ المحاولة الأولى، خصوصًا فى فعالية كبيرة ومترامية الأطراف مثل معرض الكتاب، الذى يضم كتبًا مستعملة فى سوق الأزبكية، وجناحًا عربيًا، وأجنحة لدور نشر أجنبية». أما على مستوى التنظيم الداخلى للأجنحة، فيرى العادلى أنها شهدت تحسنًا ملحوظًا منذ عام 2015 وما بعدها، وهو أمر يُحسب للإدارات المتعاقبة على المعرض، وكذلك البرنامج الثقافى، الذى أصبح أكثر تنظيمًا فى الدورات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بحفلات التوقيع، التى صار لها أماكن محددة بوضوح، سواء داخل القاعات أو فى الساحات الخارجية، كما أصبحت الندوات والمناقشات أكثر انتظامًا، وهذا تطور مهم لم يكن موجودًا فى المعرض القديم بأرض المعارض فى مدينة نصر. يستكمل: «صحيح أن بعض الناس اعترضوا فى البداية على نقل المعرض، لكن الأغلبية تقبلت الأمر واعتادت عليه، وأصبح أكثر سهولة بالنسبة للوفود القادمة من المحافظات المختلفة. أعتقد أن المعرض فى مقره الحالى أفضل من حيث التنظيم والتجهيزات، وأكثر احترافية كذلك. كما أن إدخال فعاليات فنية مثل العروض المسرحية والفنون الشعبية يمثل إضافة مهمة، لأنها تجذب جمهورًا واسعًا. ولا أرى مشكلة فى أن يأتى شخص إلى المعرض دون أن يشترى كتابًا؛ يكفى أنه حضر مع أسرته وشاهد العروض، وعرف أن هناك كيانًا اسمه معرض الكتاب، وربما فى العام التالى يشترى كتبًا لأطفاله، ثم يتدرج فى القراءة. هذا فى رأيى جانب إيجابى، فمصر رغم تأخرها فى مجالات عديدة، ما زالت قادرة على تقديم عمل ثقافى مؤثر، لذلك أرى أن ما يحدث فى المعرض، رغم الملاحظات والانتقادات، يصب فى النهاية فى مصلحة الثقافة والكتاب والكتابة». فخ التكرار واستطلاع الرأى ترى الكاتبة سلوى بكر أن الإشكالية الأساسية تكمن فى التكرار، قائلة: «أساس فكرة المعارض هو عرض وبيع الكتب، هذه فكرة موجودة فى كل مكان. طبعًا نحن، مثل كل المعارض، لدينا فعاليات على هامش المعرض، ما بين ندوات تثقيفية، وندوات تعريفية بالكتب، وبمؤلفى هذه الكتب، إلى آخره. كل ذلك جميل. لكننا فى مصر نحوِّل معرض الكتاب إلى ما يشبه المولد، متضمنًا أغانى وفرق ورقص. هذا جيد جدًا، فهناك من يأتى ليشاهد فنونًا شعبية وغناءً مصريًا لكن السؤال هو: هل لدينا فعلًا أفكار جديدة؟ هل نضيف جديدًا أم نكرر؟ لأن فكرة الإضافة الإبداعية وابتكار أفكار جديدة، هى التى تجعل هذا المعرض أكثر إثارة وتفوقًا، وأكثر جدوى ثقافية. السؤال الأساسى الذى يجب أن يتمحور حوله المعرض هو؛ ما الجدوى الثقافية؟ وما مدى تأثير ما يُقدَم فيه؟ والجمهور الذى يأتى؛ هل يُدفَع إلى مناطق أرقى من مستوى وعيه الثقافى؟ وما هو مستوى رؤيته للثقافة بعد حضوره؟ كل هذه الأفكار ضرورية. أنا أتصور أن الإشكاليات موجودة، وجزء منها إشكاليات بيروقراطية، لكن الإشكالية الأكبر والتحدى الأهم هو إيجاد أشكال جديدة من التميز للمعرض. كيف تكون لدينا أفكار جديدة تجعله فى منطقة أرقى وأهم مما كان عليه فى السنوات السابقة؟». وتضيف: «أنا شخصيًا لدىّ أفكار عديدة للمعرض وكنت قد اقترحت أثناء رئاسة د. هيثم أن نقيم ندوة تحت عنوان «من كتابات المنسيين»، نأتى فيها بكتاب تراثى حضارى ونعرف به جمهورًا عريضًا قد لا تكون لديه أى فكرة عن هذه الكتب التراثية والحضارية التى صنعت الحضارة. وقد نفذت ذلك بالفعل فالأفكار كثيرة، وأظن أنها لدىّ ولدى العديد من المبدعين والمفكرين والمثقفين، لكن لا أحد يستمع لهم، ولهذا نقع دائمًا فى فخ التكرار والعناوين الكبرى التى يتم اختيارها للمعرض، إذ تكون فى أغلبها فضفاضة وعامة تتحمل أوجهًا عديدة». تختتم سلوى بكر باقتراح قائلة: «كنت أتمنى دائمًا قبل تشكيل أى لجان أن يكون هناك نوع من استطلاع الرأى. لماذا لا نستطلع رأى النخب الثقافية؟ لماذا لا نسأل المبدعين والمفكرين وأساتذة الجامعة قبل تشكيل اللجان التى تقرر من يكون فى المعرض ومن لا يكون، وما يكون موضوعه أو ندوته؟ نحن لا نملك هذا، ليس لدينا استطلاع رأى، رغم أن هذا ما سيساعد القائمين على تخطيط المعرض ووضع التصور له».