أثبتت حرب أكتوبر أن الإعلام الوطني يمكن أن يكون سلاحاً استراتيجياً، وأن الكلمة قد توازي الرصاصة في تأثيرها، فقد لعبت الإذاعة المصرية دوراً حاسماً، كانت جزءا من خطة الخداع التى أربكت العدو ومنبرا للبيانات العسكرية التي انتظرها الشعب بشغف ومنصة للأغانى الوطنية التي صارت أيقونات خالدة، ووسيلة لتوحيد الجبهة الداخلية وربطها بجبهة القتال، لقد كان الميكروفون فى حرب أكتوبر سلاحاً نفسياً ومعنوياً، ساهم فى الانتصار، وأكد أن صوت مصر لا يقل قوة عن سلاحها. هكذا ستبقى الإذاعة المصرية في ذاكرة الوطن شاهداً على أن النصر لا يُصنع بالسلاح وحده، بل أيضاً بالكلمة واللحن والصوت، وفى قلب هذه المنظومة برزت الإذاعة المصرية، التى تحولت من مجرد وسيلة إعلامية إلى سلاح استراتيجى ونفسى، ساهم فى تحقيق النصر، وحفر لنفسه مكانة راسخة فى ذاكرة المصريين. ◄ الخداع الاستراتيجي عبر الأثير لم تبدأ معركة الإذاعة فى يوم 6 أكتوبر، بل قبلها بأشهر، كانت جزءاً من خطة الخداع التى أعدتها القيادة العامة للقوات المسلحة بدقة متناهية، كان الجيش يخطط للعبور، ويدرب جنوده على اقتحام القناة وتحطيم خط بارليف، كانت الإذاعة تبث برامج عادية وأغنيات عاطفية، لتوحى للعدو أن الحياة تسير بهدوء.. كما واصلت الترويج لفكرة المناورات التدريبية، وهى الرسالة التى التقطتها أجهزة المخابرات الإسرائيلية، فظنت أن الجيش منشغل بتمارين اعتيادية لا أكثر. ◄ اقرأ أيضًا | اللواء مجدى مرسي عزيز: دمرنا 20 دبابة.. وحصلنا على خرائط ووثائق هامة ◄ ميلاد صوت النصر مع حلول الثانية ظهراً تغيرت ملامح الأثير. انطلق صوت المذيع ليقرأ البيان العسكرى رقم «1»: «قام العدو فى الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم بمهاجمة قواتنا بمنطقة قناة السويس، وقد قامت قواتنا المسلحة بالتصدى له بنجاح». بهذه الكلمات القليلة انقلبت حياة المصريين والعرب، كان البيان بمثابة الطلقة الأولى فى معركة الوجدان، مثلما كان العبور الطلقة الأولى فى معركة الأرض، وما إن انتهى البيان، حتى اندفعت الجماهير إلى الشوارع تهتف لمصر وجيشها، وتنتظر بشغف البيانات التالية التى تحولت إلى مصدر ثقة وتعبئة وطنية. ◄ أصوات لا تُنسى لعب عدد من كبار الإذاعيين دور البطولة فى تلك الأيام، هذه الأصوات لم تكن مجرد مذيعين، بل تحولت إلى رموز وطنية ساهمت فى صمود الجبهة الداخلية وتماسكها. ◄ الإذاعى الراحل حمدى الكنيسى، المراسل الحربى كان صوت الجبهة، ينقل عبر الميكروفون تفاصيل المعارك من قلب سيناء. ◄ صلاح زكى بصوته القوى الجهورى، تولى قراءة البيانات العسكرية. ◄ آمال فهمى ربطت من خلال برنامجها الشهير «على الناصية» بين الجنود وأسرهم. ◄ بليغ موسيقار النصر وبينما كانت الإذاعة تعلن البيانات العسكرية كان الفن يشارك فى المعركة. ومع اندلاع الحرب، توقفت الإمكانات المادية، وتعثرت ميزانية الإذاعة فى تمويل الأغانى الوطنية، هنا ظهر دور الموسيقار الراحل بليغ حمدى، الذى فتح أبواب منزله للفنانين، وحوّله إلى ورشة إبداعية تنتج الأغانى الوطنية، وموّل العمل من جيبه الخاص، دون أن ينتظر مقابلاً مادياً. «بسم الله» غناء مجموعة من المطربين، «على الربابة بغنى» وردة الجزائرية، «عبرنا الهزيمة» شادية. «أم البطل» شريفة فاضل - إهداءً لأمهات مثلها فقدن أبناءهن الشهداء.