فى أمسية معطرة برائحة الفكر والثقافة، مشرقة بحوار العقول المستنيرة، قضيت أكثر من ساعتين فى أستوديو نجيب محفوظ بالمبنى التاريخى، الذى يضم بين جدرانه جبالًا من كنوز الإبداع المصرى عبر عقود طويلة من الزمن. تهمس طرقاته بحنين خاص لذكريات، حوارات، لقاءات عديدة تمت فى أستوديوهاته الإذاعية والتليفزيونية. مبنى «ماسبيرو». يكفى أن ننطق هذه الكلمة، لتفجر داخلنا عشرات الذكريات، إنه المبنى الذى اكتشف مواهب مصر فى أواخر القرن العشرين، وأنتج مئات المسلسلات، والبرامج، ونشرات الأخبار، والأغانى. إنه «البراند» الإعلامى الذى يحمل اسم مصر، ويساوى الكثير. هذا الصرح الكبير تعرض للإهمال، والنسيان، وتدهورت أحواله، وكنت كلما ذهبت لإجراء حوار، أو المشاركة فى برنامج ينتابنى الحزن الشديد على هذا المكان الذى كان منارة من منارات مصر، ورمزًا من رموز قوتها الناعمة، التى اعتبرها أهم قوة تتميز بها. لذلك أسعدنى اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بإحياء ماسبيرو مرة أخرى، تسلل الأمل إلى قلبى، فالإرادة السياسية هى أهم خطوة فى طريق الإصلاح، والنهوض. بدأ مشروع «إحياء ماسبيرو» واختار الرئيس الإعلامى القدير أحمد المسلمانى لقيادة هذه المرحلة المهمة، الصعبة، والتى تحتاج إلى الكثير من الجهد، وقبله إلى الكثير من التركيز للوصول إلى «بوصلة» رؤية واضحة تحدد أهداف ثم مسارات عملية الإصلاح الصعبة. أعود إلى الأمسية الجميلة التى دعيت لحضورها بمناسبة إعادة إصدار «كتاب ماسبيرو» عن مجلة الإذاعة والتليفزيون، هذا الكتاب كان يصدر بانتظام قبل أحداث 2011، لكنه توقف، ثم عاد للصدور عندما تولى الزميل الغالى ياسر رزق رئاسة مجلس إدارة ورئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، لكنه عاد للتوقف مرة أخرى تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها الصحف القومية الآن. فرحت جدًا بعودة هذا الإصدار الثقافى المهم عن مجلة قومية، فأنا أومن بأن الكتب التى تصدر مع جرائد أو مجلات توفر للقارئ المصرى خبزه اليومى من الثقافة والفكر بأسعار فى متناول يده، كذلك أومن بأن الاهتمام بالثقافة فى مصر هو مفتاح الحل لأكثر من خمسين بالمئة من مشاكلنا. والجميل كان اختيار المسلمانى لكتاب لمفكر ورمز مصرى محترم ومحبوب من كل التوجهات الثقافية وهو: الأستاذ رجاء النقاش، اختار كتابًا لم ينشر من قبل للراحل الكبير، تحت عنوان «إسلام بلا أحزاب» تقدمت به أسرة النقاش إليه منذ فترة، وعندما تولى رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام فكر فى إعادة إصدار «كتاب ماسبيرو» واختار كتاب النقاش ليكون تميمة تلك العودة المبشرة إن شاء الله. أما الكلام عن الكتاب المهم، وعن هذا اللقاء المفعم بالحب والأمل مع أسرة النقاش، وكلهم صديقات وأصدقاء غاليون، وقريبون جدا إلى قلبى، فسوف أتحدث عنه فى مقال آخر بإذن الله.