كشف تحليل لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، عن تحول نوعي في طريقة القتال التي تتبعها روسيا في الحرب الروسية الأوكرانية، مبينة أن موسكو اعتمدت استراتيجية تعتمد على كميات هائلة من الطائرات المسيرة المتفجرة الرخيصة بغرض استنزاف دفاعات الخصم. وأفادت المجلة بأن التحول لم يعد هجمات محددة ودقيقة بقدر ما أصبح «حربًا على مدى واسع» بالاعتماد على ذخائر منخفضة التكلفة تُنتج بكميات ضخمة، ما يطرح تحديات مالية وتكتيكية لكل من أوكرانيا وحلفائها الغربيين. هجمة 7 سبتمبر.. بداية نقطة التحوّل كشفت مجلة «فورين بوليسي»، عن أن هجومًا جويًا كبيرًا شنته روسيا في 7 سبتمبر/أيلول تضمن إطلاق مئات الطائرات المسيرة والصواريخ، في ليلة واحدة وصلت فيها أعداد الطائرات المسيرة إلى مستوى قياسي. وأوضحت أن هذا الهجوم لم يقتصر أثره على الأراضي الأوكرانية، بل عبرت زياحات لاحقة حدود دول حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بما في ذلك دخول نحو 19 طائرة مسيرة إلى بولندا وإجراءات مماثلة في رومانيا، ما اضطر قوى حلفية لتفعيل مقاتلات واعتراضات جوية. استراتيجية «المعركة الرخيصة» وإغراق الدفاعات أفادت التحليلات، أن موسكو جعلت من الطائرات المسيرة الانتحارية المصنّعة بكميات كبيرة محور حملتها الجوية، بحيث تستهدف إغراق دفاعات الجانب الأوكراني بإمكانيات لا تتناسب مع تكلفة التصدي لها. والهدف، بحسب التقرير، ليس بالضرورة الضربات الدقيقة الكبيرة بل خلق استنزاف دائم للموارد والطاقات المعنوية لدى المدافعين والمدنيين، وهذا النهج يضغط على الدفاعات الأرضية والجوية ويجبر الدول المدافعة على إنفاق موارد كبيرة لاعتراض ذخائر رخيصة الثمن. ارتفاع هائل في حجم الإنتاج والاستخدام أفاد التقرير، أن وتيرة إنتاج وإطلاق الطائرات المسيرة الروسية تصاعدت بشكل كبير خلال سنوات الحرب الروسية الأوكرانية، من متوسط شهري كان يتراوح بين 150 و200 طائرة في بدايات القتال إلى نحو آلاف الطائرات شهريًا في أحدث المراحل، مع أرقام تشير إلى إطلاق عشرات الآلاف خلال العامين الأخيرين. وأكدت مصادر تحليلية بحسب مجلة «فورين بوليسي»، أن روسيا طوّرت صناعات محلية لإنتاج نسخ متعددة من طائرات «شاهد» (المعروفة أيضًا باسم «جيران» لدى بعض المصادر)، وانتقلت من الاعتماد على واردات إيرانية إلى تصنيع داخلي موسّع. الاعتماد على سلاسل توريد دولية والمكونات المهربة كشفت المجلة، أن قدرة روسيا على تكثيف الإنتاج تعتمد جزئيًا على سلاسل توريد دولية لمكونات إلكترونية، وأن تقارير ترجّح استمرار استخدام بعض المكوّنات الغربية المهربة داخل تصنيع هذه الطائرات، كما أشارت إلى توسّع منشآت إنتاج داخل روسيا، مثل مصانع في ألابوجا ومرافق إيجيفسك، حيث تُجرى تجارب على نماذج أكثر تطورًا ومدى أطول. وأفاد التقرير أن النماذج المطوّرة قد تزيد من مدى الهجوم إلى مئات أو آلاف الكيلومترات، ما يضع في متناول موسكو أهدافًا أبعد داخل أوروبا، وهذا التطور يعني أن اختراق المجالات الجوية للحلفاء لم يعد مستبعدًا عمليًا، وأن بعض النسخ يمكن أن تجتاز حدود دول غير متحاربة وربما تستهدف بنى تحتية بعيدة. موازنة التكلفة.. مشكلة الدفاع الغربي كشف تحليل مجلة «فورين بوليسي»، أن المشكلة الرئيسية بالنسبة للغرب ليست فقط إمكانية اعتراض هذه الطائرات بل تكلفة اعتراضها، فإسقاط طائرة مسيرة رخيصة بصاروخ اعتراضي باهظ الثمن أو بطائرة مقاتلة يجعل المعادلة الاقتصادية غير متوازنة. لذلك، باتت الدول تضطر للبحث عن وسائل اعتراضية أقل كلفة وموائمة لحجم التهديد. تجارب أوكرانيا الميدانية وحلول أقل كلفة أفادت التقارير أن أوكرانيا طورت استجابات عملية، وهي: استخدام مدفعية مضادة للطائرات متحركة، وطائرات مسيرة اعتراضية، وحتى تجارب على تقنيات ليزرية للطرد، كلها حلول أرخص من استعمال صواريخ باهظة الثمن. كما تحسّنت قدرات أوكرانيا الإنتاجية للمنصات المسيرة المحلية بدعم ورشات تطوعية وشركات خاصة ومبادرات حكومية، ما زاد من تنوع منظوماتها المسيرة ومكنها من الرد بفعالية على تهديدات محددة. صعود الطائرات FPV وربطها بالاستخدام التكتيكي أفاد التقرير أن طائرات FPV (التحكم عبر منظور الشخص الأول) أصبحت أداة رئيسية لأوكرانيا على الخطوط الأمامية في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تُستخدم كذخائر دقيقة ورخيصة لشل المدرعات والمدفعية والمعاقل. وغالبًا ما تقترن هذه الطائرات بطائرات استطلاع في طبقات أعلى لتقليل زمن الاستهداف، مما يجعل ضرب الهدف مممكنًا في دقائق بعد رصده. كما لجأت كييف لتقنيات مقاومة للتشويش، منها طائرات موصولة بكابلات ألياف ضوئية لقطع الاتصال الإلكتروني وتأمين السيطرة. ضرب البنى التحتية والقدرات بعيد المدى لدى أوكرانيا أفاد التقرير، أن أوكرانيا ركزت بدورها على استهداف بنى تحتية استراتيجية في العمق الروسي — مصافٍ، ومستودعات، وقواعد لوجستية — بهدف خنق السلاسل اللوجستية الروسية وإضعاف اقتصادها العسكري. وقد حققت كييف نجاحات في ضرب أهداف بعيدة المدى، مما يبيّن تحولها نحو القدرة على عمليات هجوم استراتيجي تحديدية رغم التحديات التي يفرضها اتساع الأراضي الروسية. نمطان في إطلاق الطائرات المسيرة كشف التقرير، أن روسيا توزع هجماتها المسيرة بين ضربات روتينية يومية لإبقاء الضغط مستمرًا، وهجمات جماعية منسقة تضم آلاف الذخائر تُقترن أحيانًا بصواريخ كروز وباليستية لكسر الدفاعات. التحليل أوضح، أن تزايد وتيرة هذه الهجمات أدى إلى ارتفاع المتوسط الشهري والأسبوعي لأعداد الذخائر المُطلقة مقارنة ببدايات الحرب. التأثير النفسي والهدف من الاستنزاف أفاد التحليل وفقًا ل مجلة «فورين بوليسي»، أن الهدف لا يقتصر على تدمير البنى العسكرية بل يمتد إلى خلق حالة من الخوف والإرهاق بين المدنيين وفرض تكاليف سياسية واقتصادية على مؤيدي أوكرانيا،. فالصورة العامة للصفارات والإنذارات الليلية والاضطراب المستمر تُضعف من قدرة المجتمع المدني على الصمود وتزيد من الضغوط على الحكومات الداعمة لليل. فعالية «الشاهد» من زاوية الأرقام والتكتيك أشار التقرير، إلى أن فعالية بعض نماذج «شاهد/جيران» في إصابة الأهداف بدقة تظل متدنّية — معدلات إصابة منخفضة تاريخيًا — لكن الفعالية تُقاس الآن بوظيفة جديدة، ألا وهي: القدرة على الاستنزاف والاختراق بفضل الكثرة. كما لفت إلى تحسن إجرائي وتكنولوجي في النسخ الأحدث وارتفاع نسبة اختراقها للدفاعات مقارنةً بالنسخ الأولى. وااختتم التقرير بأن روسيا أوجدت شكلاً جديدًا من الحروب غير المباشرة القائم على الذخائر غير المكلفة والعدد الكبير، ما فرض على الدول المدافعة إعادة التفكير في موازين التكلفة والفعالية. وأن هذه «المعركة الرخيصة» تُجبر حلفاء أوكرانيا على تطوير وسائل دفاعية أقل تكلفة وأكثر قابلية للتوسع، وإلا فستبقى المعادلة الاقتصادية تصب في مصلحة من يمتلك قدرة إنتاجية هائلة وبسعر منخفض..