تتجه الولاياتالمتحدةالأمريكية يوم بعد يوم إلى ما وصفه الخبراء بالحرب الأهلية، بعدما أصبحت منقسمة بشكل عميق، بسبب تصاعد العنف السياسي، حيث كان اغتيال السياسي الشهير تشارلي كيرك، أحدث حلقات ذلك العنف، الذي أجج الأوضاع في واشنطن وتسبب في تصاعد نظريات المؤامرة. وكان كيرك، البالغ من العمر 31 عاما، يتحدث إلى نحو 3000 طالب من تحت خيمة بيضاء صغيرة في الحرم الجامعي بجامعة يوتا فالي، عندما أصيب برصاصة في الرقبة، مما دفع الطلاب إلى الفرار، واندلعت حالة من الفوضى وبدأت عملية واسعة لمطاردة القاتل. كان الحدث جزءًا من سلسلة تعرف باسم «أثبت لي أنني مخطئا»، حيث زار المؤثر اليميني الحرم الجامعي في جميع أنحاء الولاياتالمتحدة، وتهدف إلى مناقشة موضوعات مثيرة للجدل مثل مراقبة الأسلحة وحرية التعبير وحقوق الإجهاض مع الطلاب الأمريكيين اليساريين. بدأ كيرك نشاطه السياسي عندما أطلق هو وزميل له احتجاجًا على ارتفاع أسعار الطعام في كافتيريا مدرسته الثانوية، وبعد فترة وجيزة، بدأ كيرك في الظهور على قناة فوكس نيوز وفي تجمعات الشباب، وأسس منظمة «نقطة تحول الولاياتالمتحدةالأمريكية لحشد الجمهوريين في سن الجامعة». انضمت المنظمة غير الربحية في نهاية المطاف إلى حملة ترامب الرئاسية عام 2016، وأصبحت لاحقا قوة سياسية هائلة، جمعت مئات الملايين من الدولارات على مدار العقد الماضي، وأصبح شخصية بارزة في وسائل الإعلام المحافظة وصوتًا قويًا في عدد لا يحصى من القضايا، بما في ذلك الترويج لادعاء ترامب بأن انتخابات 2020 سُرقت. كما نقلت منظمته أنصارها بالحافلات إلى واشنطن وسط التجمع الجماهيري الذي تحول إلى أعمال شغب في مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير، وكان صديقا مقربا لنائب الرئيس جيه دي فانس، ولعب دورًا مهمًا لترامب خلال حملة 2024، واستضاف العديد من الفعاليات التي كانت بمثابة تجمعات انتخابية لترامب. الحرم الجامعى بدأت الفعالية، وفقا لوسائل الإعلام الأمريكية، حوالي الساعة 12 ظهرًا بالتوقيت المحلي، حيث كان كيرك يتلقى أسئلة حول حوادث إطلاق النار الجماعي والعنف المسلح عندما تعرض لإطلاق النار في حوالي الساعة 12.20 ظهرًا، وأكدت الشرطة أن الرصاصة أصابته فى الرقبة مباشرة وتوفى في الحال. وتعقب مكتب التحقيقات الفيدرالي تحركات المسلح، الذي أطلق النار على الناشط الأمريكي، حيث تبين أنه وصل إلى الحرم الجامعي قبل الحدث بدقائق، ووصل إلى السطح عبر السلالم ومنها إلى موقع إطلاق النار، وتبين أنه كان على بعد عشرات الأمتار من المكان الذي كان المجني عليه يتحدث فيه. وفي محاولة لمعرفة المسار الدقيق للرصاصة وسرعتها، افترضت الأجهزة الأمنية أن سرعة الرصاصة كانت على الأرجح حوالي 800 متر في الثانية، وبناء على ذلك أشار فارق التوقيت منذ لحظة انطلاق الرصاصة حتى وصولها إلى كيرك الذي يبلغ حوالي 240 ميلي ثانية، مما رجح أنه كان على مسافة 140 مترًا من منصة التتويج. مطاردة القاتل فور الجريمة بدأت عملية مطاردة القاتل، من قبل السلطات الأمريكية المختلفة، والتى بدأت في الحرم الجامعي ولكنها امتدت بسرعة إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث كان الضباط في مكان الحادث في غضون دقائق، وعثر على السلاح الذى استخدمه في إطلاق النار، وهي عبارة عن بندقية ماوزر موديل 98، عالية الطاقة تعمل بالترباس، و مزودة بمنظار، وجمع المحققون طبعة الأحذية وبصمة الكف، وبصمات الساعد للتحليل. وكشفت السلطات أن البندقية عثر عليها في منطقة مغطاة بالأشجار هرب إليها مطلق النار، وكانت المفاجأة الأولى أن الجاني ترك على أربع أغلفة رصاص على الأقل كلمات محفورة عليها إشارة تشير إلى الفاشية واشارات الإنترنت وألعاب فيديو غامضة، وكان منقوش على إحداها : «يا فاشي أمسك»! وبعد ما يقرب من يومين من المطاردة، تمكنت من القبض على القاتل الذي تبين أنه يدعى تايلر روبنسون، وهو شاب يبلغ من العمر 22 عاما، وانتشرت صوره وهو قيد الاحتجاز كالنار في الهشيم، حيث تبين وفقا للتحقيقات أن والده تواصل مع قس كنيسة كان يعرفه، والذي بدوره أبلغ عمدة واشنطن بالمعلومات التي تفيد بأن روبنسون اعترف لهم. وبحسب التقارير، أدرك الأب أن نجله ربما يكون متورطًا بعد رؤية الصور التي نشرها مكتب التحقيقات الفيدرالي، وفي اعترافاته أكد أن ابنه أصبح أكثر ميلا إلى السياسة في السنوات الأخيرة، وتبين أنه في العشاء الأخير معهم والذي سبق إطلاق النار، ذكر زيارة كيرك القادمة إلى جامعة يوتا فالي. المؤامرة المزعومة خلال العشاء تحدث المتهم عن سبب عدم إعجابه به ووجهات نظره تجاهه، وصرح لهم بأن كيرك كان مليئًا بالكراهية وينشر الكراهية، كما أنه تحدث مع زميله في السكن بعد الجريمة، كشف له خلالها تفاصيل المؤامرة المزعومة، وأنه كان يحتاج إلى استعادة البندقية والمكان الذي تركها به. وفي منزل والديه، على بعد 420 كيلومترًا جنوب غرب مسرح الجريمة، تم القبض على المتهم تايلر روبنسون، واحتجز في مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولكن حتى الآن لم يعترف بقتل المؤثر المحافظ تشارلي كيرك، ولم يتمكن المحققون من التوصل إلى السبب الذي دفعه إلى تسلق سطح الجامعة وإطلاق النار على كيرك. ومن المتوقع أن توجه اتهامات للمشتبه به بالقتل المشدد وإطلاق سلاح ناري مسببًا إصابة جسدية خطيرة وعرقلة العدالة، وفقا للشرطة، حيث تعتبر جميع هذه الجرائم اتهامات من قبل الدولة، وأكد المسئولون أنهم سيسعون إلى تطبيق عقوبة الإعدام على المشتبه به طبقا لقانون ولاية يوتا. وأصبحت تلك الحادثة، كما يقول المحللون السياسيون، نقطة تحول في التاريخ الأمريكي، حيث انتشرت موجة من الخطابات السامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والخطاب الأمريكي، مما أدى إلى تأجيج بيئة سياسية كانت بالفعل شديدة الاستقطاب، وكانت أكثر الرسائل إثارة للقلق هي تصريحات ناشطي اليمين المتطرف والسياسيين الجمهوريين والمؤثرين المحافظين حول حرب أهلية قادمة وضرورة الانتقام من اليسار. لغة التحريض وعقب الجريمة التي هزت الولاياتالمتحدة، ازداد استخدام عبارة «حرب أهلية» على وسائل التواصل الاجتماعي وفي نتائج البحث على جوجل، وكانت تغريدة الملياردير إيلون ماسك على منصة إكس لمتابعيه البالغ عددهم 226 مليونًا، بعد وقت قصير من الجريمة، قد زادت من الإستقطاب حيث قال «اليسار هو حزب القتل.. إذا لم يتركونا بسلام، فخيارنا إما القتال أو الموت». وفي أوساط المشهد السياسي الأمريكي أثار إطلاق النار موجة من الخوف، وطالب العديد من السياسيين بضرورة تعزيز إجراءات الأمن استجابةً لتزايد التهديدات بالقتل، وألغى بعضهم فعالياتهم وقالوا إنهم سيؤجلون ظهورهم العلني، وتلقى مقر اللجنة الوطنية الديمقراطية تهديدات بوجود قنابل. كانت لغة التحريض، هي السائدة منذ ذلك الوقت، على جميع منصات التواصل الاجتماعي مثل X وTruth Social وTikTok، وكذلك على القنوات الأمريكية الشهيرة مثل قناة Fox News، حيث دعت بعض الشخصيات إلى استهداف الديمقراطيين من قِبل جهات إنفاذ القانون. في المقابل، شبه آخرون الديمقراطيين بالحيوانات، وطالبوا بنشر قوات الحرس الوطني في المزيد من المدن، وأعلنوا أنهم «متطرفون»، ودعوا إلى أشكال أخرى من الإنتقام، واستعانوا مرارًا بلغة الحرب في ردود أفعالهم على مقتل كيرك، أما ترامب نفسه فقد ألقى باللوم على خطاب «اليسار المتطرف» ووعد بملاحقة أي شخص يعتقد أن كلامه قد يكون أسهم في مقتل كيرك. وهكذا تصاعدت التوترات بين الجمهوريين والديمقراطيين، جناحي الديمقراطية الأمريكية، حيث أشار سياسيون جمهوريون بأصابع الاتهام إلى اليسار في الحادثة، وأكدوا أن اليسار وسياساته تقود أمريكا إلى حرب أهلية، وأن خطاب الحرب تسلل إليهم، واصفين نصف سكان البلاد بالقتلة. اقرأ أيضا: فرقة بريطانية شهيرة تحتفل بمقتل الناشط الأمريكي تشارلي كيرك على المسرح العنف السياسي خلال العقد الماضي، شهدت الولاياتالمتحدةالأمريكية، موجة من العنف السياسي الذي ضرب المشهد السياسي الأمريكي، كان من أبرزها إطلاق نار في عام 2017، خلال مباراة بيسبول خيرية مما أدى إلى إصابة السياسي الجمهوري البارز ستيف سكاليز، زعيم الأغلبية في مجلس النواب. أيضا في أكتوبر 2018 أرسلت عدة قنابل إلى منتقدي الرئيس ترامب البارزين، حيث عثر على قنبلة بدائية الصنع أرسلت إلى الرئيس باراك أوباما في منزل عائلته، بعد ساعات من العثور على قنبلة أخرى موجهة إلى هيلاري كلينتون، وتبين أن عامل توصيل البيتزا سيزار سايوك المحب لترامب وراء ذلك واعترف بتوزيع 16 قنبلة. كما أحبطت مؤامرة اختطاف حاكمة ولاية ميشيجان جريتشن ويتمر، من قبل أعضاء جماعات الميليشيات اليمينية، حيث خططوا لاقتحام منزلها واختطافها تحت تهديد السلاح، ونقلها إلى «المحاكمة» بتهم الخيانة الزائفة ومواجهة الإعدام، والتي كانت تهدف إلى دفع أمريكا إلى صراع مسلح مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2020. اقتحام الكابيتول وكانت أحداث الشغب التي اندلعت في السادس من يناير، الأكثر شهرة في أحداث العنف السياسي التي شهدتها الولاياتالمتحدة هذا القرن، ويعتقد كثيرون أن تلك الأحداث كان من الممكن أن تؤدي إلى انقلاب، وذلك عندما اقتحمت الحشود الغاضبة مبنى الكابيتول مدفوعة بمزاعم كاذبة بأن انتخابات 2020 سرقت. ولم يسلم القضاة الأمريكيون من موجات العنف السياسي؛ حيث حاول رجل من كاليفورنيا يدعى روسكي في يونيو 2022، اغتيال قاضي المحكمة العليا المحافظ بريت كافانو في منزله في إحدى ضواحي العاصمة واشنطن، واعترف في التحقيقات أنه كان منزعجًا من نيته إلغاء قرار قضية الإجهاض التاريخية «رو ضد وايد». وفي العام نفسه اقتحم ديفيد دي بابي، منزل رئيسة مجلس النواب الأمريكي آنذاك نانسي بيلوسي، في محاولة لاختطافها، إلا أنه لم يجد سوى زوجها، واعتدى عليه باستخدام مطرقة، وعند القبض عليه اعترف أنه كان ينوي احتجاز بيلوسي وإنهاء ما اعتبره فسادًا حكوميًا. ودخل دونالد ترامب نفسه تلك السلسلة الدموية من العنف؛ حيث تعرض لمحاولتي اغتيال، كان أشهرها تعرضه لإطلاق النار في تجمع انتخابي في يوليو 2024 عندما أطلق عليه توماس ماثيو كروكس البالغ من العمر 20 عاما النار وأصابه في أذنه، وبحسب سكاي نيوز، كانت الصورة الشهيرة وهو يلوح بيده سببا في فوزه. الهجمات السياسية وشهد عام 2025 عددًا مضاعفًا من الهجمات السياسية؛ حيث وقع خلال الأشهر الستة الأولى من العام نحو 150 هجومًا، وهو عدد أكبر بنحو مرتين مقارنة بنفس الفترة في عام 2024، كان أشهرها في مايو الماضي عندما أقدم ناشط مؤيد للفلسطينيين على قتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن. وفي شهر يونيو، قتل قومي مسيحي سياسية ديمقراطية كبيرة وزوجها في ولاية مينيسوتا، وجرح ديمقراطيا آخر، بينما في يوليو هاجمت مجموعة تضم ما لا يقل عن 11 مسلحًا يرتدون ملابس سوداء عسكرية مركز احتجاز للمهاجرين في تكساس، كما قتل ضابط شرطة في أغسطس عندما أطلق مسلح مهووس بنظريات المؤامرة النار على مقر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في أتلانتا. كما تعرض مقر الحزب الجمهوري في نيو مكسيكو للاحتراق بشكل متعمد، بينما أجبر حاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو وعائلته على الفرار في منتصف الليل خلال عيد الفصح بعد أن أشعل شخص متعمدا النار في منزلهم في أبريل 2025، وأيضا كان الملياردير الأمريكي إيلون ماسك وشركاته هدفا للمتظاهرين وأعمال التخريب. الطبيعة الحديثة من جانبهم اجمع عدد من الخبراء السياسيين؛ أن العنف السياسي ليس وليد اليوم، فإن تاريخ الولاياتالمتحدة يحمل أحداثًا دموية، من الحرب الأهلية إلى اغتيال رؤساء وناشطين مثل مارتن لوثر كينغ وروبرت كينيدي، لكن الطبيعة الحديثة لهذا العنف مختلفة، حيث تحولت من أعمال فردية أو صراعات محددة إلى ظاهرة منتشرة ومبررة أيديولوجيا. ويروا أن اقتحام مبنى الكابيتول الأمريكي، كان لحظة مفصلية كشفت النقاب عن عمق وبشاعة تحول خطير في المشهد السياسي الأمريكي، حيث تطور الخلاف من حوار إلى مواجهة، ومن المواجهة إلى تحريض، وأخيرا إلى عنف مادي، مشيرًا إلى أن العنف لم يبدأ في ذلك اليوم ولم ينتهِ عنده. وأضافوا أيضا؛ أن العنف السياسي تحول من هامش المجتمع إلى وسيلة مقبولة لبعض الجماعات للتعبير عن غضبها أو فرض أجندتها، وما نراه اليوم هو نتيجة عقود من التآكل المتعمد لثقة الجمهور في المؤسسات والإعلام والقضاء والنظام الإنتخابي الأمريكي، وظهور شبكات التواصل الاجتماعي التي تخلق واقعًا موازيًا لكل مجموعة. من وجهة نظرهم في الولاياتالمتحدة؛ أن الخصم السياسى أصبح لا يُنظر إليه كمعارض له رأي مختلف، بل كخائن أو عدو للشعب أو فاسد يجب إزالته بأي وسيلة، وشددوا على أن هذه العملية المسماة «التجريد من الإنسانية» هي الخطوة الأولى والأهم نحو تبرير العنف الذي لا يقتصر على طرف واحد، وإن اختلفت معدلاته ودوافعه. كما أضافوا أن السياسة التي تقف وراء هذا العنف نادرا ما تكون مدفوعة بأجندة محددة، وغالبا ما تكون غير متماسكة وفردية، مشددًا على أن التهديد الرئيسي في العنف السياسي في الولاياتالمتحدة اليوم يأتي من المتطرفين المنفردين، وليس الميليشيات المنظمة فيما يشبه مقدمات للحرب الأهلية.