منى ربيع بيت الشمس هو مكان حرفيًا يشع بالنور؛ هو باختصار وحدة علاج الأطفال فى مستشفى الأمراض النفسية بالعباسية، هناك يقدم العلاج النفسي للأطفال من سن 6 سنوات وحتى 12 عامًا خاصة الأطفال الذين يعانون من الإصابة بفرط الحركة، الخدمات العلاجية تقدم بأسعار رمزية جدا للطفل والأسرة، يقوم على بيت الشمس مجموعة من الأطباء المتخصصين فى تعديل السلوك حتى الانتهاء من تأدية رسالتهم بتوصيل الطفل وأمه لبر الأمان، ما هي حكاية بيت الشمس؟!، ولماذا علاج الأطفال داخل هذه المستشفى التي مجرد ذكر اسمها ربما تُلقى بظلالها على الآباء والأمهات خوفا على ابنائهم؟! لذلك تواصلنا مع الدكتورة الشابة آية أمين اخصائي العلاج النفسي ومدير وحدة علاج الاطفال بمستشفى الامراض النفسية بالعباسية والتي اجابت عن كافة تساؤلاتنا في السطور التالية. *من الحالات المنتشرة التي نسمع عنها الفترة الأخيرة هي اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه عند الأطفال هل فعلاً هذه من أكثر الحالات التى تتردد هنا في «بيت الشمس»؟ بالضبط اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه من الحالات الشائعة جدًا عند الأطفال والطفل يكون عنده صعوبة واضحة في التركيز، ويتحرك طول الوقت، ومش بيقدر يلتزم بالقواعد بسهولة سواء في البيت أو المدرسة. *ما هي العلامات التى تجعل الأسرة أو المدرسة تبدأ تشك إن الطفل مصاب ب ADHD؟ أهم العلامات إن الطفل يبقى مش قادر يقعد فترة طويلة، ينتقل من نشاط للتاني بسرعة، وينسى حاجات كتير، يقاطع الآخرين، ودايمًا بيظهر إنه مشغول أو متململ والمعلم في المدرسة عادة هو أول شخص يلاحظ هذا، أن الطفل يواجه صعوبة في تركيزه في الدروس أو يحل الواجبات، لذا على الأم ألا تتأخر فى علاجه. *كيف تشخص الحالة بشكل رسمي؟ التشخيص يكون من خلال تقييم شامل يجريه الطبيب النفسي للأطفال المصابين بفرط الحركة، بمشاركة الأهل والمدرسة، اولا نجمع معلومات عن سلوك الطفل في البيت والفصل، ونستخدم مقاييس تشخيصية معتمدة مهمة جدًا نفرّق بها بين النشاط الطبيعي للأطفال وبين الاضطراب، والاضطراب هنا لا يأتي للاطفال كلها بنفس النسبة فهناك اضطراب بسيط وآخر متوسط وثالث شديد. *بالنسبة للعلاج كيف يتم التعامل مع الأطفال الذين يعانون من اضطراب فرط حركة وتشتت الانتباه؟ العلاج يكون متعدد المحاور حيث نبدأ أولا بالعلاج السلوكي:نعلّم الطفل استراتيجيات تساعده ينظم وقته ثم نشتغل مع الأسرة حتى تعرف كيف تتعامل مع الطفل من غير ما تزود الضغط عليه، أيضا نقوم بعمل تدريبات تساعد الطفل يركز ويكمل نشاطه حتى النهاية، وفي بعض الحالات الأعراض فيها شديدة، ممكن الطبيب يقرر استخدام علاج دوائي، وذلك يتم تحت متابعة دقيقة جدًا. *هل هناك دور للمدرسة في الخطة العلاجية؟ طبعًا لازم المدرسة تتعاون، لأن الطفل يقضي وقتا طويلا هناك مهمتنا نشرح للمدرس إزاي يعطى تعليمات بسيطة، ويقسم المهام الصغيرة للطفل، ويمنحه استراحات قصيرة بين الأنشطة ايضا التعاون بين البيت والمدرسة يجعل نسبة التحسن أسرع وأوضح. *هل لديكم قصص نجاح لأطفال تحسنت حالتهم مع العلاج؟ نعم هناك أكثر من حالة مثلاً كان عندنا طفل يواجه صعوبة كبيرة في المدرسة بسبب فرط الحركة، لدرجة إن المعلمين كانوا شايفينه «مش مركز وخارج عن السيطرة»، بعد ما بدأنا معاه علاج سلوكي ومعها خطة دوائية بسيطة، مع التزام الأسرة والمدرسة، مستوى تحصيله ارتفع، واصبح عنده ثقة في نفسه. *هذا يوضح إن التدخل المبكر يفرق جدًا؟ بالضبط كل ما الأسرة تتحرك بسرعة وتطلب مساعدة، الطفل يتحسن بشكل أسرع، وهذا ينعكس على كل حياته بعد كده. *هناك أسر تتعامل مع الطفل الذي لديه فرط حركة على أنها شقاوة تحتاج إلى تأديب ودائما ما تتعرض الأسرة لانتقادات طول الوقت مثلا نعت الطفل أنه «غير متربي» مما ينعكس على تعاملهم مع الطفل؟ بالفعل هذا يحدث كثيرا لذلك يجب أن يفهم الجميع الفرق بين الشقاوة وعدم التربية واضطراب فرط الحركة، للأسف الأم طول الوقت تكون مضغوطة والانتقادات التي توجه للأسرة طول الوقت تجعلها متحفزة للطفل في أي سلوك يفعله، لذلك يجب أن يفهم الجميع أن طفل فرط الحركة ليس طفلا «قليل الأدب» أو مهمل لكنه يحتاج دعمًا ومعاملة خاصة حتى نصل به الى طريق النجاة، طفل فرط الحركة هو طفل مختلف فقط، أرجو أن نكف عن توجيه الانتقادات المستمرة للأم والأب حتى لاينعكس ذلك على الأسرة ككل. *هناك امهات يعانين طول الوقت ولا يعرفن كيف يتصرفن مع أطفالهن ويصبحن عصبيات وبالطبع ينعكس ذلك على نفسية الطفل؟ فعلا هذا يحدث وتصبح الأم طول الوقت في حالة من التوتر والضغط العصبي وتفرغ ذلك في الطفل لذلك نحن لدينا هنا قسم الصحة النفسية للمرأة نحول إليه الأمهات اللاتى يحتاجن إلى دعم نفسي ويساعد ذلك كثيرا في العلاج. *ماذا يحدث اذا لم يعالج الطفل في الوقت المناسب؟ سوف يصبح شخص مهزوز غير واثق في نفسه ليس لديه أي مهارات اجتماعية. *هل هناك إحصائيات عن الإصابة باضطراب فرط الحركة؟ نعم 5 ٪ من الأطفال من سن 6 ل18 سنة يعانون من اضطراب فرط الحركة وهذه ليست نسبة قليلة لأن للاسف سلوك هؤلاء يؤثر على غيرهم. *كيف بدأت فكرة بيت الشمس في مستشفى الامراض النفسية بالعباسية؟ تجيب الدكتورة آية امين قائلة: نحب أن نوضح للناس أن «بيت الشمس» مش مجرد اسم أو فكرة، لكنه مكانا حقيقيا داخل مستشفى الأمراض النفسية لعلاج الأطفال. *ممكن أعرف أكثر عن المكان وعن الخدمات التى يقدمها؟ «بيت الشمس» هو قسم أو مساحة علاجية للأطفال داخل المستشفى الهدف منه؛ أن يبقى مكانا آمنا، فيه أنشطة وجلسات علاجية تساعد الأطفال أن يتعافوا ويتعاملون مع الصعوبات النفسية اللي يمرون بها. *ماهي نوعية الحالات التي تتردد على «بيت الشمس»؟ جميعهم أطفال حتى سن 12 عاما يعانون من اضطرابات سلوكية أو نفسية مثل القلق، الاكتئاب، صعوبات في التكيف، وأحيانًا حالات من صدمات نفسية وحالات أخرى تعاني من اضطرابات فرط الحركة أو التوحد أو صعوبات التعلم والتخاطب وهنا في بيت الشمس نوفر لهم برامج علاجية مناسبة لكل حالة. *كيف تتم تلك البرامج؟ تقول الدكتورة آية: هناك برامج فردية، واخرى جماعية، الفردية عبارة عن جلسات مع الأخصائي النفسي، واخصائي تعديل السلوك وتتم مع الطفل وولي الأمر، أما البرامج الجماعية تقسم الاطفال إلى مجموعات وينفذون فيها أنشطة مثل اللعب، الرسم، الموسيقى، وتمارين تعبيرية تساعد الطفل يخرج اللي جواه من غير ضغط. *ما هو دور الأسرة في رحلة علاج الطفل هنا في «بيت الشمس»؟ تجيب الدكتورة أية قائلة: دور الأسرة أساسي جدًا لأننا نعتبر إن العلاج لا يقتصر فقط على الطبيب أو اخصائي تعديل السلوك وحدهما ولكن لابد أن يشارك في ذلك الأهل لأنهم جزءا من العملية، لذلك تقوم بعمل جلسات إرشاد أسري، نشرح فيها للأهل كيف يتعاملون مع الطفل، وكيف يوفرون له بيئة داعمة في البيت. اقرأ أيضا: أول لعبة الكترونية مصرية لمساعدة الأطفال المصابين بفرط الحركة *معنى ذلك أن هناك تعاونًا بين الفريق العلاجي والأسرة؟ بالضبط يجب أن يكون هناك تعاون لانه من غير تعاون الأسرة، العلاج يكون ناقصا لان فى أوقات كثيرة سلوكيات الطفل تكون مرتبطة بجو البيت نفسه، وبالتالي أي تغيير لازم يبدأ من المنزل. *وهل تواجهون صعوبات في هذه النقطة؟ تصمت الدكتورة آيه قليلا ثم تجيب قائلة: طبعًا هناك بعض الأهالي نجد لديهم صعوبة في تقبل فكرة إن طفلهم يحتاج علاجًا نفسيًا، وهذا يرجع لثقافة مجتمعية تجعل هناك خجل أو رفض لكن مع الوقت والشرح، معظمهم يتجاوب خاصة عندما يرى التحسن في نفسية الطفل. *من واقع خبرتك ما هي التغييرات التى تحدث للأطفال بعد فترة وجودهم في «بيت الشمس»؟ الحقيقة التغيير يكون واضحًا؛ الطفل في البداية عندما يأتي يكون قلقا وأحيانًا عدوانيا، بعد فترة من العلاج والجلسات النفسية مع الإرشادت التي نعطيها للأسرة، تتحسن صحة الطفل النفسية ويصبح أهدى، ويعرف يعبر عن نفسه، ويقدر يتواصل بشكل أحسن مع من حوله أيضا التحصيل الدراسي يتحسن لما حالته النفسية تستقر. *معنى ذلك أن العلاج النفسي للأطفال للمصابين مثلا بفرط الحركة أصبح ضرورة؟ بالضبط هناك فكرة مغلوطة إن الطفل «لسه صغير ومش فاهم»، لكن الحقيقة أن الطفل يشعر ويتعرض لضغوط مثله مثل الكبار تمامًا، ولو لم يعالج مبكرا، المشكلات والضغوطات تكبر معاه. *وهل هنا في بيت الشمس يتم الاعتماد فقط على جلسات العلاج النفسي، أم يكون هناك تدخلات أخرى؟ هناك بعض الحالات، تحتاج دعما دوائيا تحت إشراف الطبيب النفسي للأطفال، لكن الأساس عندنا هو العلاج النفسي والسلوكي. *من هم فريق العمل في «بيت الشمس» الذين يقدمون الخدمات النفسيه للأطفال؟ نحن هنا لدينا فريق عمل متكامل، لدينا أطباء نفسيين متخصصين في علاج الأطفال والمراهقين، وأخصائيين نفسيين، وأخصائيين اجتماعيين، وكل واحد فيهم لديه دور يعرفه جيدا والجميع يعمل وفق منظومة واحدة. *معنى ذلك أن الطفل لا يتعامل مع شخص واحد لكن مع فريق كامل؟ بالطبع وهذا ما يميز المكان، إن كل جانب من جوانب شخصية الطفل يتم دراسته ومتابعته جيدا. *ماهي الأنشطة التى تكون قريبة لقلوب الأطفال وتؤثر فيهم بسرعة؟ الرسم والموسيقى والأعمال اليدوية أكثر لان الطفل يجد في الورقة والقلم طريقة يعبر بها عن اللي مش قادر يحكيه بالكلام، والموسيقى تساعد جدًا في تهدئة التوتر وتحفيز مشاعر إيجابية. *هل هناك أمثلة من قصص النجاح هذه تمت بفضل العلاج داخل «بيت الشمس»؟ هناك حالات كثيرة أثرت فينا مثلاً كان في طفل جاي عنده صعوبة شديدة في الكلام والتواصل مع زملائه كان منعزل جدًا، ويتهرب من أي نشاط جماعي مع الوقت وبالعلاج باللعب والرسم بدأ يشارك، وأول مرة نسمعه يتكلم قدام المجموعة كانت لحظة مؤثرة جدًا، ايضا طفلة صغيرة كانت تعاني من قلق شديد بسبب مشاكل أسرية، في البداية خافت تدخل المكان لكن بعد أسابيع من جلسات العلاج والدعم من الفريق، أصبحت أكثر ثقة في نفسها وأصبحت تأتي وهي سعيدة. *ماهي أكبر التحديات التى تواجهكم في «بيت الشمس»؟ التحدي الأكبر هو الوصمة الاجتماعية لانه مازال يوجد أناس كثيرين تخاف أو تتردد في الذهاب لمستشفى الصحة النفسية بسبب ما يردده البعضمستشهدين بما يرونه في الأفلام، وأن المرضى النفسيين منطلقين في المستشفى ويرتكبون أفعالًا غريبة، وطبعا هذا يؤثر على الأطفال لأنهم محتاجين دعم من غير خوف أو خجل. *معنى ذلك أن التوعية المجتمعية مهمة مثل العلاج نفسه؟ بالضبط، لو المجتمع تقبل فكرة إن الصحة النفسية مثل الصحة الجسدية، تكون استجابة المريض أسرع، وهذا دور الأسرة في المقام الأول. *وجدت وانا في الاستراحة أن الأطفال الذين يتلقون العلاج من كافة المستويات الاجتماعية وحتى البيئات الشعبية وهذا يجعلنا نتفاءل كثيرا؟ تصمت الدكتورة آيه قليلا ثم تجيب قائلة: فعلا ما يحدث اليوم يجعلنا نتفاءل، هناك أسر بسيطة بدأت تفهم فكرة العلاج النفسي للأطفال فيأتون بأطفالهم لتلقي الجلسات السلوكية ويحضرون أيضا جلسات الارشاد الاسرى كما ان الدولة وفرت لعلاج بجنيه واحد فقط. *واضح أن «بيت الشمس» ليس فقط مكانا علاجيا، لكنه أيضا يؤدي رسالة فى المجتمع؟ بيت الشمس موجود داخل مستشفى الامراض النفسية بالعباسية منذ حوالي 10 سنوات تقريبا ورسالته الأساسية،أن الطفل من حقه يعيش بصحة نفسية سليمة تمامًا مثل صحته الجسدية نحن نريد أن نصل للناس إن العلاج النفسي للأطفال ليس عيبًا، وأن أي مشكلة ممكن تتحل لو اتعالجت بدري.