فى خطوة وصفت بأنها الأشد منذ توقيع الاتفاق النووى عام 2015، أعلنت ألمانياوفرنسا وبريطانيا، المعروفة بالترويكا الأوروبية، فى الجمعة الماضى، عن تفعيل آلية «سناب باك» لإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران فى رسالة رسمية إلى مجلس الأمن الدولى، وجاءت هذه الآلية فى قرار مجلس الأمن 2231، حيث جرى تصميمها كأداة ضغط تتيح إعادة جميع العقوبات بشكل تلقائى فى حال إخلال طهران بالتزاماتها النووية، وبموجبها، باتت إيران أمام مهلة ثلاثين يومًا فقط قبل أن تدخل العقوبات حيّز التنفيذ الكامل ما لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية جديدة. وذكرت الرسالة أن إيران فى حالة «عدم امتثال جوهرى» لبنود الاتفاق النووى، وطالبت دول الترويكا من إيران بتعاون كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتزام واضح بالدخول فى مفاوضات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وتقديم ضمانات حول مخزون اليورانيوم. اقرأ أيضًا | قاصد محمود: الصراع الحقيقي قادم بين إيران وإسرائيل والحوثيون جزء من المشهد.. فيديو القرار الأوروبى جاء بعد شهور من التوتر المتصاعد بين طهران والغرب، خاصة عقب الغارات الأمريكية والإسرائيلية التى استهدفت مواقع نووية إيرانية فى يونيو الماضى، وما تبعها من مواقف إيرانية أكثر تشددًا فى ملف التخصيب، إذ استمرت إيران فى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60٪ مع مخزون يقدر بنحو 400 كيلوجرام يكفى نظريًا لصنع 9 قنابل نووية، وبالنسبة للترويكا الأوروبية، لم يعد هذا الوضع قابلًا للاستمرار، خصوصًا مع اقتراب انتهاء صلاحية الاتفاق النووى والقرار 2231 فى أكتوبر المقبل، ما دفعها إلى تفعيل الآلية قبل فوات الأوان وفقدان الغطاء القانونى. وجاء ذلك عقب الاجتماع الذى وُصف ب»غير المثمر» فى جنيف الثلاثاء الماضى، بين وفد إيرانى برئاسة مجيد تخت روانجى ونائب وزير الخارجية كاظم غريب آبادى، وممثلى الترويكا الأوروبية، أعلن وزراء خارجية فرنساوألمانيا وبريطانيا، إلى جانب مسئولة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، أنهم أبلغوا وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو نيتهم تفعيل آلية «سناب باك». وتدخل الآلية حيز التنفيذ بمجرد أن تخطر إحدى الدول الموقعة المجلس بوجود خرق إيرانى، وبحسب الإجراءات، يجمد رفع العقوبات لمدة 30 يوماً، وصممت هذه الآلية لتعود العقوبات الدولية بشكل تلقائى لا يمكن تعطيله، الأمر الذى يجعل من «سناب باك» أداة ضغط قوية، ويمنع حلفاء طهران مثل روسيا أو الصين من استخدام الفيتو لحمايتها، باعتبار أن العقوبات سبق أن أقرت فى الماضى ثم علقت فقط بموجب الاتفاق النووى. العقوبات لا تقتصر على الجانب النووى، بل تشمل حظر بيع وشراء الأسلحة التقليدية، ومنع إيران من الحصول على التكنولوجيا النووية والصاروخية، وتجميد أصول شخصيات وكيانات مرتبطة بالحرس الثورى الإيرانى والبنك المركزى، إلى جانب قيود واسعة على تعاملاتها المالية والمصرفية وتشديد الرقابة على الشحن البحرى، ورغم أن صادرات النفط الإيرانية لن تخضع مباشرة لهذه العقوبات، لكونها واقعة بالفعل تحت العقوبات الأمريكية والأوروبية الأحادية، إلا أن إعادة فرض العقوبات الأممية ستضاعف من عزلة طهران وتزيد من صعوبة وصولها إلى الأسواق والتقنيات الحيوية. ورفضت إيران بصورة قاطعة الأساس القانونى الذى استندت إليه الترويكا الأوروبية فى تفعيل آلية «سناب باك»، واعتبرت الخطوة «باطلة وغير شرعية» وتشكل خرقًا لقرار مجلس الأمن 2231، وأكدت طهران أن هذه الخطوة تفتقر إلى المبررات القانونية والسياسية، متوعدة بالرد بما تراه مناسبًا لحماية حقوقها ومصالحها الوطنية. أمام هذا المشهد، تبدو الخيارات الإيرانية معقدة ومتشابكة، فسيناريو التصعيد يظل قائمًا، بدءًا من التلويح بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووى، وهو ما سيعنى عمليًا تحررها من الالتزامات الدولية وفتح الباب أمام سباق تسلح إقليمى خطير، مرورًا بإنهاء اتفاقية 1974 مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما يقلص بشدة من قدرة المفتشين على مراقبة أنشطتها النووية، كما يمكن لطهران توظيف أوراقها الإقليمية عبر حلفائها فى العراق واليمن ولبنان وسوريا، أو حتى التلويح بتهديد الملاحة فى مضيق هرمز، وهى ورقة استراتيجية تمس شريان الطاقة العالمى، لكنها محفوفة بمخاطر كبيرة إذ تستجلب مواجهة مباشرة مع الولاياتالمتحدة. فى المقابل، لا يُستبعد أن تلجأ إيران إلى سيناريو يقوم على الاحتواء وتقديم تنازلات محدودة، مثل خفض مستوى التخصيب إلى 20٪ أو السماح بزيارات جزئية للمفتشين، ما يمنح الأوروبيين ذريعة لتجميد تنفيذ العقوبات مؤقتًا ويفتح نافذة لمحادثات أوسع، وهذا السيناريو يتيح لطهران كسب الوقت بانتظار تبدل الظروف الدولية، خصوصًا ما بعد الانتخابات الأمريكية، دون الدخول فى مواجهة مفتوحة لا تملك مقوماتها الاقتصادية فى الوقت الراهن. أما السيناريو الثالث، وهو الأقل ترجيحًا لكنه يظل قائمًا، فيتمثل فى حدوث انفراج دبلوماسى حقيقى عبر تقديم إيران التزامات واضحة وشفافة تعيد إحياء المفاوضات وفتح قناة حوار مباشرة مع واشنطن، غير أن الشكوك الأوروبية والأمريكية فى نوايا طهران تجعل أى تنازلات محتملة عرضة لاعتبارها مجرد مناورة تكتيكية. وبين التصعيد والتسوية، تقف الأزمة النووية الإيرانية عند مفترق طرق خطير، الترويكا الأوروبية تسعى لإثبات أن لديها القدرة على فرض ضغوط فعلية قبل انتهاء صلاحية آلية «سناب باك»، فيما تراهن إيران على الزمن وعلى قدرتها فى المناورة بين التصعيد والتهدئة، ورغم أن الاحتمال الأقرب فى المدى القصير هو التوصل إلى تفاهم مؤقت يجمد الأزمة، إلا أن مخاطر الانفجار تظل قائمة فى أى لحظة، لتبقى المنطقة ومعها المجتمع الدولى أمام أزمة هى الأخطر منذ توقيع الاتفاق النووى وحتى اليوم. وقد دعت الأممالمتحدة إلى استثمار الفترة القادمة لاستئناف المفاوضات خاصة وان إيران هددت بأن تمرير العقوبات يفتح الطريق أمام آليات أخرى.