القمة التى عقدت يوم الجمعة الماضى فى ولاية ألاسكاالأمريكية يمكن أن نطلق عليها عدة أوصاف «القمة الغامضة»، «القمة الواعدة».. أو «قمة روسيا بامتياز». هذا ما خرج به معظم المراقبين لتلك القمة وأنا منهم. انتظر الملايين نتائج القمة بترقب وأمل فى ظهور بوادر لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، لكن هذا لم يحدث!. لماذا وصفتها بالغامضة؟ لأن المؤتمر الصحفى الذى سهرنا «نظرا لفارق التوقيت» لكى نتابعه بين الرئيسين الأمريكى دونالد ترامب والروسى فلاديمير بوتين لم يُجب عن أى من تساؤلاتنا المعلقة. فالمؤتمر لم يكن مؤتمرا صحفيا، بل كان أقرب إلى أن يكون بيانا دبلوماسيا مقتضبا أدلى به كلا الرئيسين. حتى أسئلة الصحفيين لم يتم استقبالها، ولا الرد عليها. لماذا وصفتها بالواعدة؟ لأن لغة الجسد التى شاهدناها مع كلمة بوتين الذى بدا عليه السعادة والفوز بما جاء ألاسكا لتحقيقه تؤكد ذلك. فهو كسياسى محنك جاء وفى جعبته عدة أهداف يريد أن تحققها الزيارة. أولها كسر الحصار الدبلوماسى والاقتصادى، وإذابة الجليد فى علاقته مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وعودة العلاقات شبه طبيعية. فكما قال إن هذه القمة تأتى بعد أربع سنوات من عدم انعقادها بسبب الحرب. وهى واعدة كذلك بالنسبة لروسيا فى المقام الأول لأنها يمكن أن تكون الخطوة الأولى فى طريق المفاوضات لإنهاء الحرب مع أوكرانيا بالشروط التى ترضيها، وهذا بالطبع لن يتأكد إلا برجوع ترامب للطرف الثانى كما قال فى كلمته: أوكرانيا وقادة الناتو وأوروبا. لماذا وصفتها بأنها قمة روسية بامتياز؟ لأن السياق كله بداية من اختيار المكان الذى تنعقد فيه القمة (ألاسكا) له دلالة ورمزية. فقد كانت ألاسكا جزءًا من الإمبراطورية الروسية قبل أن تبيعها روسيا إلى الولاياتالمتحدة عام 1867 مقابل 7.2 مليون دولار، مما يجعلها أرضًا ذات تاريخ مشترك بين البلدين. وهذا الاختيار يعكس رغبة فى إظهار قوة روسيا وقدرتها على عقد اجتماعات مهمة على أراض كانت جزءًا من أراضيها سابقًا. وسبب آخر هو أن الرئيس ترامب المشهور بأنه متكلم منطلق، يصول ويجول فى كلماته ومؤتمراته الصحفية بحماس وكاريزما عالية، يوجه الاتهامات لكل الناس بأريحية، وأولهم طبعا الرئيس السابق جو بايدن. هذا الترامب لم يكن سعيدًا ولا منطلقا فى كلمته القصيرة جدا، وكان وجهه مرهقا، شاحبا، أى أنه لم يشعر بأنه حصل على ما أراد من هذه القمة، وأن بوتين هو الذى فعل!. بالنسبة لى أراها خطوة فى طريق المفاوضات الروسية الأوكرانية من أجل التوصل إلى اتفاق سلام برعاية أمريكية، لكنى أرى أن التحديات كبيرة أمام تلك المفاوضات التى بدأت بتلك القمة، أهمها رغبة روسيا العنيدة فى أن تتم التسوية بين البلدين بشروطها هى فقط، دون أى اعتبار للطرف الآخر فى الصراع: أوكرانيا، وأكبر دليل على ذلك هو عدم دعوة الرئيس الأوكرانى لهذه القمة!