في مسعى متواصل لصون الهوية الحضارية وحماية الذاكرة الإنسانية، تستعيد مصر عبر استراتيجيات دبلوماسية وقانونية فاعلة، كنوزها المهربة من مختلف بقاع العالم. ومن بين هذه الجهود البارزة، نجحت الدولة مؤخرًا في استعادة مجموعة أثرية نادرة من المتحف الوطني الهولندي في لاهاي، بعد أن ثبت أنها خرجت من مصر بطرق غير شرعية. اقرأ أيضًا | سر لم يُكشف منذ آلاف السنين.. تابوت "توت عنخ آمون" يرى النور هذه الخطوة تجعلنا نتوقف عند حجم التحدي الذي تواجهه مصر، لكنها أيضًا تسلط الضوء على التزام الدولة الراسخ بمكافحة تهريب الآثار، واستعادة تاريخها المسروق. * استعادة آثار من هولندا: تفاصيل وأهمية تسلَّمت السفارة المصرية في لاهاي من السلطات الهولندية مجموعة أثرية نادرة تضم: - تمثال أُشبتي (Ushabti) من العصر المتأخر (الحقب المتأخرة للحضارة المصرية) - جزء من تابوت خشبي مزين برسومات للإلهة إيزيس؛ - رأس مومياء بحالة ممتازة، لا يزال يحتفظ ببقايا من الأسنان والشعر. - سياق الاستعادة التحقيقات أثبتت أن هذه القطع خرجت من مصر نتيجة تنقيب غير قانوني، ولم تخرج من متاحف أو مخازن أثرية، مما يعزز الطابع الجنائي للقضية . لقد اعتبر هذا الإنجاز "غير مسبوق في العلاقات المصرية–الهولندية"، وفق ما ذكر محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الذي أكد أهمية التنسيق بين السلطات المصرية والهولندية في مواجهة الاتجار غير المشروع بالبضائع الثقافية . - السياق الزمني يرجع تاريخ هذه الاستعادة إلى عام 2024، وتم عرض القطع في احتفاء رسمي بمقر السفارة، بحضور سفير مصر في هولندا ومسؤولين من وزارة الخارجية والثقافة الهولندية . * استرداد آثار من دول أخرى: نُذر تعاون دولي متسع - أيرلندا في ديسمبر 2024، أعادت جمهورية أيرلندا للسلطات المصرية عددًا من القطع، منها توابيت خشبية ملونة ورفات مومياء وأوانٍ كانوبية (Canopic jars) تعود للفترة المتأخرة من الحضارة المصرية، بالإضافة إلى خمس قطع كارتوناج رومانية/يونانية . ورد وزير السياحة والآثار شريف فتحي بالشكر، مشددًا على هذا التعاون الثقافي والعلمي كجزء من تقوية العلاقات الثنائية . - أسترالياوالولاياتالمتحدة في مايو 2025، استعادتها مصر 21 قطعة أثرية من أستراليا تشمل تمثالًا خشبيًا أُشبتي، أجزاء من توابيت ملونة، ونِسَج من العاج المنحوت. كذلك عادت إلى القاهرة قطع من الولاياتالمتحدة، منها أغطية توابيت من الخشب المذهب، لوحة مومياء من الفيوم، وشظايا جرانيتية من معبد حتشبسوت . - الولاياتالمتحدة – محاكمة القوات القانونية في حالات بارزة سابقة، مثل التابوت الخشبي الذي عُرض في متحف هيوستن للعلوم الطبيعية، أثبتت السلطات الأمريكية من خلال مكتب المدعي العام في مانهاتن أن القطعة تم تهريبها من مصر، ما أدى إلى إعادتها في 2019 . في 2021، استُعيدت أكثر من 5,300 قطعة أثرية من مختلف أنحاء العالم، في دفعة غير مسبوقة من جهود استرداد التراث المصري . - بلجيكا – هيكل عرفن في 2015، أعيد "رجل نازل خاطر" (Nazlet Khater Man)، وهي أقدم هياكل بشرية مستعادة إلى مصر، من جامعة لوفين البلجيكية بعد اكتشاف أنه يعود لعصر ما قبل التاريخ ويحتوي على فأس دفين معه . - السويدوسويسراوالولاياتالمتحدة (منذ 2016) استعادة قطع مثل ستيلات (نقوش) من سويسرا، وأوانٍ إسلامية من الإماراتوالولاياتالمتحدة، ويد مومياء تم شحنها كأنها "أكسسوار خيالي" إلى لوس أنجلوس عام 2013 . * السياق الأوسع: استراتيجيات مصرية دولية في حماية التراث - الإطار القانوني المصري تعتمد مصر على قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته كأساس قانوني لاسترداد القطع، وتحرّيها يتم بالتنسيق بين وزارة السياحة والآثار ووزارة الخارجية والمجلس الأعلى للآثار وهيئات الادعاء العام . - الاتفاقيات الدولية منذ 1970، انضمت مصر لاتفاقية اليونسكو لمكافحة نقل الممتلكات الثقافية الممنوع، مما يعزز مواقفها القانونية في المطالبات الدولية . - حملات استرداد رمزية من أبرز القطع التي لم تُستعد بعد: حجر رشيد (Rosetta Stone) من المتحف البريطاني وتمثال نفرتيتي من برلين. وتُعتبر هذه القطع رموزًا، وقد واصل الزعيم الأثري زاهي حواس حملاته لاستعادتها. - المجتمع المدني والدبلوماسية الثقافية المجتمع الدولي -مثل Egypt Exploration Society– يشارك في استعادة بعض القطع. كما تُقام معارض متنقلة ومبادرات لتعزيز الوعي بحجم التراث المفقود وأهمية إعادة الوحدة الوطنية لهذا التراث . - ماذا تعني هذه الاستعادات؟ - تعزيز السيادة الثقافية الوطنية: استرداد القطع يعزز الهوية الوطنية ويؤكد أن التراث عنصر أساسي في سيادة الدولة. - نجاح الدبلوماسية الثقافية المصرية: تجلّى ذلك في التعاون مع عدة بلدان وسفارات، وتفعيل وساطات ثقافية وقانونية. - ردع مهربي الآثار: كل استرداد يُعدّ رسالة لمن يظن أن تهريب التراث لا يُعاقب عليه. - استمرار البضائع المتنقلة في الأسواق العالمية المزيفة أو غير المنظمة. صعوبة استعادة القطع الكبرى والرمزية مثل حجر رشيد أو نفرتيتي، بسبب ضغوط سياسية أو قانونية. الحاجة لتوطين خبرات الحفظ والترميم محليًا لاستيعاب الكميات المتزايدة من القطع المستردة. رؤى مستقبلية تتمثل في عدة نقاط: - تعزيز المشاركة الدبلوماسية مع مزيد من الدول والمؤسسات الثقافية. - إطلاق حملات دولية بمشاركة اليونسكو لإعادة عدة قطع استراتيجية. - بناء شبكات للتواصل الدولي لمراقبة سوق الآثار وضبط المعروضات المشبوهة. لقد أثبتت مصر من خلال هذه التحركات المتسلسلة من استعادة القطع من هولندا، إلى دول مثل أستراليا وأيرلندا والولاياتالمتحدة قدرة حقيقية على حماية تراثها الثقافي عبر خطة متكاملة تعتمد على القانون، الدبلوماسية، والعلاقات الدولية. وبينما يواصل العالم إثبات تأثير الأثار المصرية في الوعي الإنساني، تبقى مصر في قلب هذه المسيرة، تطالب بحقها وتمضي قدمًا بأمل العود الأبدي لتاريخها المجيد.