في السنوات الأخيرة، تحولت فرنسا إلى ساحة لسلسلة من الجرائم المروعة التي تستهدف الخيول، حيث يتم العثور على عشرات الحيوانات مشوهة أو مقتولة بطريقة وحشية في مزارع ومناطق ريفية نائية، مما أثار ذعر المربين وفتحت السلطات تحقيقات مكثفة لكشف الغموض المحيط بهذه الجرائم. وتحاول الحكومات الفرنسية المتعاقبة محاولة الحد من تلك الظاهرة والسيطرة عليها، بعد أن تجاوزت خسائر المربين 20 مليون يورو بسبب نفوق الخيول أو انخفاض قيمتها التجارية، والتي منها زيادة الدوريات في المناطق الريفية، وإعطاء مكافآت مالية لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على الجناة، وصل بعضها إلى 50 ألف يورو. ورغم الجهود المبذولة، من قبل السلطات الفرنسية، تظل ظاهرة تشويه الخيول لغزاً مفتوحاً، وشكلت بسببها الحكومة الفرنسية وحدة تحقيق خاصة خلال عام 2024، إلا أن في الغالب لم يتم الإعلان عن اعتقالات رئيسية، ويرجع ذلك إلى نقص الأدلة بسبب أن معظم الجرائم تحدث ليلا في أماكن نائية. ومنذ مايو شهدت عدة قرى في ريف نورماندي جرائم وصفت بالوحشية ارتكبها من أطلق عليه جلاد الخيول الغامض، وفقا لصحيفة لوفيجارو، حيث اقتلعت عيونها، وحطمت جماجمها، وتركت لتموت، وبعد ثلاثة أشهر من البحث، أُلقي القبض على شاب واحد فقط، لكنه لا يزال صامتًا تقريبًا بشأن الحادثة. كانت أحدث تلك الهجمات ليل الخميس الجمعة في منشأةٌ لإقامة الخيول الترفيهية وخيول التحمل والخيول المُتقاعدة، بحسب صحيفة باريس نورماندي المحلية، عندما تعرّضت خمسة خيول للهجوم، أحدهم منزوع الأحشاء، وآخر فقد عينه ومصاب بجروح خطيرة، وثالث تم سلخه. وبعد خمسة أيام من اكتشاف الخيول النافقة أعلن المدعي العام في لوهافر، عن أنه تم إلقاء القبض على شخص ووضعه تحت الحراسة واحتجازه في إطار تحقيق في عدة حالات إساءة معاملة الخيول، ويتم محاكمته بتهمة ارتكاب انتهاكات جسيمة وأعمال وحشية أدت إلى نفوق خيول. تحديد هوية الجناة وأكد مكتب المدعي العام في منطقة لوهافر، أنهم واجهوا على مدى أسابيع ارتكاب انتهاكات جسيمة وأعمال وحشية أدت إلى نفوق خيول، وتم إنشاء إدارة تحقيق مشتركة، تضم أفرادا من قوات الدرك من فرق البحث لتعزيز الدوريات من أجل تحديد هوية مرتكبي هذه الأفعال. منطقة إيزير أيضا تشهد ما وصفوه بمشاهد المسلسل المُرعب بين المراعي، حيث يتم اكتشاف جثث الأحصنة ملقاة في الخنادق والأنهار مشوهة بشكل مريع ومقطوعة الأذن، وبحسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية الفرنسية والجمعيات المهتمة بحماية الخيول، تبين وجود تصاعد في تلك الجرائم. ومنذ 2020 إلى 2023، تم تسجيل أكثر من 1,200 حادثة تشويه للخيول في جميع أنحاء فرنسا، مع زيادة سنوية بلغت 30%، حيث تصاعدت الحوادث إلى 500 حالة في عام واحد فقط، خلال عام 2024، أما منذ بداية عام 2025 وحتى الأن تم تسجيل ما يقرب من 240 حادثة، مما يشير إلى استمرار المنحنى التصاعدي. جنوبفرنسا بؤرة الجرائم وتشمل الاعتداءات قطع آذان الخيول أو ذيولها وطعنها بأدوات حادة والتسميم العمدي في بعض الحالات، كما يتم العثور على بعض الجثث مُرتبة بطريقة توحي بطقوس غريبة، والتصميم من خلال استخدام مواد كيميائية مجهولة في هجمات متعمدة. أما المناطق الأكثر تضررا فيعتبر جنوبفرنسا "بؤرة" الجرائم، وتمثل 30% من الحالات، حيث تُربى الخيول بشكل تقليدي، والمناطق الحدودية مع سويسرا وألمانيا، ويعتقد المحققون أن بعض الجناة قد يكونون من المختلين نفسيا الذين يستهدفون الخيول بسبب سهولة الوصول إليها في المزارع النائية. وانتشرت اتهامات نظريات المؤامرة حول تلك الظاهرة، منها وجود طوائف سرية تقوم بذبح الخيول كجزء من طقوس دينية أو سحرية، خاصة بعد العثور على رموز غريبة بالقرب من بعض الجثث، بينما يربطها المزارعين بأنها قد تكون عمليات تخويف من قبل عصابات تريد ابتزازهم أو إجبارهم على بيع أراضيهم، ويرى آخرون أنهم مراهقون يقومون بتحديات على السوشيال ميديا او جماعات عبدة الشيطان. ونظم نشطاء حقوق الحيوان مسيرات في باريس وليون تحت شعار "أوقفوا تعذيب الخيول"، حيث طالبت جمعيات مثل "Brigitte Bardot Foundation" بإدراج جرائم تشويه الحيوانات ضمن الجنايات الكبرى بدلا من المخالفات، والتي لها تأثير على الإقتصاد الفرنسى. تشريعات صارمة ولكن وعلى الرغم من ذلك، إلا أن فرنسا تعد من الدول الرائدة في مجال حماية الحيوان، حيث لديها تشريعات صارمة تجرّم إساءة معاملة الحيوانات وتضمن حقوقها، وتطورت على مر السنين، خاصة مع تزايد الوعي المجتمعي بقضايا الرفق بالحيوان وارتفاع حالات العنف ضد الحيوانات، مثل تشويه الخيول التي هزت البلاد في السنوات الأخيرة. ويُحظر تعذيب الحيوانات أو إهمالها أو التسبب في معاناتها دون مبرر قانوني، ويعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات، بسبب الأذى الجسدي أو القسوة، وغرامة تبلغ 45 ألف يورو، أما القتل العمد للحيوانات، فتصل العقوبة إلى 5 سنوات سجن إذا تم إثبات القسوة أو التعذيب، بجانب أن إهمال الحيوانات الأليفة كعدم توفير الطعام أو المأوى، يعاقب عليه بغرامات مع مصادرة الحيوان. وبعد تزايد الهجمات على الخيول، شددت فرنسا العقوبات، حيث أصبحت عقوبة تشويه أو قتل الخيول تصل إلى 7 سنوات سجن إذا ثبتت دوافع وحشية أو طقسية، إلا أنه على رغم صرامة القوانين، تواجه فرنسا تحديات في تطبيقها، مثل صعوبة مراقبة جميع حالات الإساءة في المناطق الريفية. أما على المستوى الأوروبي، فتعد ظاهرة متنامية أيضا، حيث شهدت دول بافاريا وساكسونيا السفلى بين عامي 2023 و 2025 240 حادثة، وفي بلجيكا تضاعفت الحالات 3 مرات بين 2022 و2025، مع 150 هجمة مسجلة، بينما سجلت إسبانيا 90 حالة في 2024، وشهدت المملكة المتحدة بدورها 70 حادثة. أسباب تصاعد الظاهرة وأرجع الخبراء سبب عدم حل ألغاز تلك القضايا الهائلة في كل هذه الدول، لوجود سمات مشتركة، حيث تحدث الجرائم ليلًا في مزارع نائية وعدم وجود كاميرات مراقبة، ونادرًا ما يسرق أي شئ، مما يستبعد دوافع السرقة، بجانب غياب الشهود العيان عن أكثر من 95 % من تلك الحالات. كما يعد نقص التعاون بين الدول الأوروبية في تبادل المعلومات، أحد أبرز أسباب تصاعد الظاهرة، وعدم وجود قوانين رادعة موحدة لجرائم الرفق بالحيوان، حيث تجاوزت الخسائر 50 مليون يورو منذ 2020 في أوروبا مجتمعة، وطالبوا بمناقشة إنشاء قوة عمل مشتركة لمكافحة الجرائم ضد الحيوان. ومع استمرار ارتفاع الأرقام، يطالب الفرنسيون بإجابات قبل تفاقم الظاهرة، التي تحولت إلى أزمة وطنية وأدت إلى ذعر حقيقي بين مالكيها في جميع أنحاء فرنسا التي تضم حوالي مليون حصان، وبات يراها المراقبون اختبارًا حقيقيا لقدرة الدولة على حماية مواطنيها وحيواناتهم من العنف المجهول.