إيمان الريس فى زمن يتسارع فيه العلم، وتتزايد فيه التحديات الصحية، يبرز كتاب «Outlive: The Science and Art of Longevity» للدكتور «بيتر أتيّا» كدعوة عقلانية، وعاطفية لإعادة تعريف مفهوم العمر الصحى، لم يعد السؤال «كيف نعيش أطول؟» هو المحور، بل «كيف نعيش بشكل أفضل لأطول فترة مُمكنة؟» وهذا هو جوهر الكتاب، فى صفحات هذا العمل المثير، يجمع «أتيّا» بين الطب الحديث، والتجارب الإنسانية ليكشف عن أسرار الوقاية، ويوضح أن طول العمر ليس صدفة، بل علم، وفن يمكن تعلمه وتطبيقه من خلال التركيز على التمارين، والتغذية، والنوم، والصحة العاطفية، يرسم الكتاب خارطة طريق واقعية، ومبنية على أسسٍ علمية لكل من يسعى لحياة أكثر توازنًا وفعالية. قراءة هذا الكتاب ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية لكل من يرغب فى مستقبل صحى وملىء بالحيوية. إنه كتاب يحفّز القارئ على التفكير، ويقدّم أدواتٍ عملية لمواجهة التحديات الصحية قبل أن تبدأ، مما يجعله إضافة قيّمة لا غنى عنها فى مكتبة كل فرد يهتم بجودة حياته. إنه منهج يرتكز على الوقاية بدلاً من العلاج، ويقترح ما يُشبه «نموذج تشغيل» جديد للحياة: مزيج من الحركة الذكية، التغذية الواعية، الراحة النفسية، والانضباط السلوكى، يُترجم إلى ما يسميه «الصحة الممتدة»، حيث يسبق الأداء جودة الحياة، ولا يدعى «أتيا» وجود وصفة موحدة، بل يعترف بتعقيد التجربة الإنسانية، داعيًا القارئ لاكتشاف «نسخته المُثلى» من الصحة، بناءً على بياناته الشخصية وبيئته الحياتية. فالكتاب يثير أسئلة وجودية مثل: هل نحن نعيش حياة صحية فعلًا أم نؤجل الاهتمام بأنفسنا إلى أن تُجبرنا الظروف؟ وهل يمكن للعلم أن يمنحنا عشرين عامًا إضافيًا لا لنعيش فقط، بل لنحب، وننجز، ونستمتع أكثر؟ ينطلق «أتيّا» فى كتابه من طرح صادم: أغلبنا لا يموت من الشيخوخة، بل من أربعة قتلة رئيسيين يمكن تأخيرهم لعقود: أمراض القلب، والشرايين، السرطان، أمراض التنكس العصبى (كالزهايمر)، مقاومة الأنسولين والسكرى من النوع الثانى يسميهم «الأربعة الكبار»، ويكشف كيف أن جذورهم تمتد لعقودٍ قبل أن تظهر أعراضهم، ثم يعيد تعريف الشيخوخة، وينقل تفكيرك من العيش الطويل إلى العيش العميق. فالعديد من الناس يتمنون عمرًا طويلًا، لكنهم لا يفكرون فى جودة ذلك العمر، ويتساءل «د.أتيّا» ما قيمة أن نعيش حتى التسعين ونحن محاطون بأنابيب الأوكسجين، فاقدى الذاكرة، أو عاجزين عن النهوض؟! المفتاح إذن ليس مجرد إطالة الحياة، بل إطالة المرحلة الصحية منها أو ما يُعرف ب «هلث سباين» Health span، أى عدد السنوات التى نحيا فيها بطاقة، حركة، ووعى، هذا المفهوم هو القلب النابض للكتاب، وهو ما يجعله مختلفًا عن كتب «الشيخوخة» التقليدية. طب جديد وداعًا للطب القديم: مرحبا بميلاد «طب بفكر جديد»، يقسّم أتيّا تطور الطب عبر 3 مراحل: الطب كما يصفه المؤلف، لا ينتظر الأعراض، بل يسعى لاكتشاف الخطر قبل أن يصبح مرضًا، من خلال متابعة المؤشرات الحيوية، الجينات، ونمط الحياة. إنه انتقال من منطق: «كيف نُعالج المرض؟» إلى: «كيف نمنع المرض من الأساس؟» ويوجز الكلام فى معادلة النجاح الصحى = رؤية خطة تكتيك. لكى تنجح فى مشروع حياتك الصحية، تحتاج إلى: رؤية صحية واضحة: كيف تتخيّل نفسك فى عمر 80 أو 90؟ ما القدرات التى تريد الحفاظ عليها؟ ويضع استراتيجية ذكية تشمل: التغذية، التمارين، النوم، الفحوصات، والعافية النفسية. يركز على تكتيك يومى عملي: قرارات صغيرة تتراكم: ماذا تأكل، كيف تتحرك، متى تنام، كيف تدير التوتر، يقدم «أتيّا» نموذجًا عمليًا لما يُعرف ب«السنتارين» The Centenarian المعمرون... أى قائمة من القدرات الجسدية والذهنية التى يجب أن تحافظ عليها لتعيش حياة وظيفية كاملة بعد عمر المائة، مثل: القدرة على النهوض من الأرض دون مساعدة، المشى لمسافاتٍ طويلة، حمل أشياء ثقيلة، استخدام السلالم، التوازن على ساق واحدة، ثم يطرح السؤال التالي: هل تحيا اليوم بطريقة تسمح لك بتحقيق ذلك مستقبلاً؟ إن لم تكن، فأنت «تستدين من صحتك المستقبلية»، ثم يستعرض ماذا يخبرنا المعمّرون؟ (دروس من المُعمرين أنفسهم) ويتناول هذا الفصل دراسة لحالات المُعمّرين الذين تجاوزوا عمر ال 100، ويتعمق فى مقارنة ثلاثة عناصر: الجينات الوراثية، نمط الحياة، الحظ. ورغم أن بعضهم قد يمتلك جيناتٍ نادرة تحميهم من أمراض مثل السرطان، أو التدهور المعرفى، إلا أن الغالبية وصلوا إلى هذا العمر بصحة جيدة بفضل نمط حياة متوازن يشمل: نشاطًا بدنيًا منتظمًا، تغذية طبيعية بعيدة عن السكريات المُصنعة، روابط اجتماعية قوية، النوم الكافى، المعنى الروحى أو الهدف فى الحياة. يستنتج «أتيّا» أن الاعتماد على الجينات وحدها مغالطة خطيرة، فالجينات قد تحدد «احتمالاتك للمرض»، لكن أفعالك هى من تحسم النتيجة. ثم يستنتج فى نهاية المحور أن الشيخوخة ليست لعنة، بل نظام يمكن إعادة برمجته.» الخطر الأكبر ثم يطرح الكتاب الخطر الأكبر وهو التجاهل اليومى لمؤشراتٍ مثل: مقاومة الأنسولين، الضغط المرتفع، أو النشاط البدنى الضعيف، ذلك يُمثّل استدانة من صحتنا المستقبلية، وزيادة مكافحة الأمراض اليوم تعنى إطالة حياة صحية، وليس مجرد بقاء مؤقت، فى هذا الجزء المفصلى من الكتاب، يُطلق د.«أتيّا» تسمية رمزية على أكثر الأمراض فتكًا بالصحة بعد منتصف العمر: «الفرسان الأربعة»، وهم ليسوا مجرد أمراض، بل قوى خفية تتغلغل فى أجسادنا بصمتٍ وعلى مدى سنوات، وهي: أمراض القلب، والأوعية الدموية، والسرطان، والتدهور العصبى (كالزهايمر والخرف، متلازمة الأيض (السكرى من النوع الثانى ومقدماته) ويؤكد أن مواجهتها يجب ألا تبدأ بعد التشخيص، بل قبلها بعقود، من خلال أسلوب حياة استباقى يقوم على العلم والفحوصات الدقيقة والتغذية الواعية والحركة اليومية. أولاً: أمراض القلب - العدو الصامت: أمراض القلب هى القاتل الأول عالميًا، وغالبًا لا تعطى إنذارًا مبكرًا. المفارقة أن معظم هذه الأمراض يمكن منعها إذا بدأنا مبكرًا، وذكر التوصيات اليومية: كالمشى 30-60 دقيقة يوميًا بوتيرة معتدلة، وممارسة تمارين التحمل مرتين أسبوعيًا لتحسين قوة القلب والرئتين (مثل: الجرى الخفيف، الدراجة الثابتة، السباحة). وإجراء فحص قياس Apo B عدد جزيئات الكوليسترول الضار بكامل الدقة، وليس فقط كميته الكلية، وعدم الاكتفاء بمقاييس الكوليسترول التقليدى، إلى جانب تناول أطعمة غنية بالألياف، قليلة السكر المُضاف، غنية بالدهون الجيدة مثل زيت الزيتون والمكسرات. والحرص على النوم من 7-9 ساعات بانتظام، لأن اضطرابات النوم ترفع ضغط الدم، وتجهد القلب. ثانيًا: السرطان - الخلية المتمردة: يرى «أتيّا» أن السرطان لا يبدأ فجأة، بل هو نتيجة تراكمات خلوية، وبيئية يمكن كشفها مبكرًا، وأكد على عددٍ من التوصيات اليومية: كالامتناع التام عن التدخين والكحول، فهما من أقوى مسببات الطفرات الجينية، والاعتماد على نظام غذائى مضاد للالتهاب: الخضراوات الورقية، التوت، الأسماك الدهنية، والكركم وممارسة الرياضة بانتظام لتعزيز الجهاز المناعى وعدم نسيان الخضوع لفحوصات الكشف المبكر المناسبة للعمر والجنس: مثل اختبار» Galleri» متعدد السرطانات، تحليل الدم للخلايا السرطانية، الأشعة المقطعية للمدخنين السابقين مع تقليل اللحوم المُصنعة، والدهون المتحولة. ثالثًا: التدهور العصبى، موت الذاكرة البطىء، الزهايمر، والخرف لا يظهران فجأة، بل يتطوران فى الدماغ على مدى 20 إلى 30 عامًا قبل التشخيص، «أتيّا» يرى أن كثيرًا من عوامل خطر التدهور المعرفى مشتركة مع أمراض القلب، فيوصى بقوة المداومة على التمارين الهوائية (المشى، الجرى، السباحة)، فهى تحفّز تدفّق الدم للدماغ وتحمى الخلايا العصبية. وتعلم مهارة جديدة، أو هواية تحفّز الدماغ (مثل: العزف، الشطرنج، القراءة اليومية)، النوم الجيد العميق، لأنه يزيل السموم من الدماغ ويقلل تراكم بروتين «بيتا أميلويد» المرتبط بالزهايمر، التقليل من السكر الصناعى، لأن مقاومة الإنسولين ترتبط مباشرة بالتدهور العصبى، بناء علاقات اجتماعية قوية، إذ تشير الأبحاث إلى أن العزلة الاجتماعية تعادل التدخين فى خطورتها على الدماغ. رابعًا: «متلازمة الأيض» البوابة الخفية: متلازمة الأيض تشمل: «ارتفاع ضغط الدم، السمنة البطنية، مقاومة الإنسولين، ارتفاع الدهون الثلاثية»، وهى غالبًا البوابة المشتركة التى تؤدى إلى بقية الفرسان الثلاثة. وأوصى بتقليل الوجبات الخفيفة الغنية بالكربوهيدرات المكررة (كالخبز الأبيض، العصائر، المعجنات). تناول الطعام خلال نافذة زمنية محددة (مثلاً 8 ساعات يوميًا، مع 16 ساعة صيام)، مما يساعد على ضبط الإنسولين، وممارسة تمارين المقاومة مرتين أسبوعيًا للحفاظ على حساسية الإنسولين وبناء العضلات، ومراقبة محيط الخصِر، والنسب بدلاً من الوزن فقط، وإجراء تحليل دورى للهيموجلوبين السكرى (HbA1c) أى مؤشرات مقاومة الإنسولين. يتبنّى المؤلف مبدأً بالغ الأهمية: لا تنتظر ظهور المرض لكى تبدأ بالوقاية، بل افترض أن العدو موجود بالفعل ويجب رصده مبكرًا. أنت لا تحتاج إلى معداتٍ معقدة أو تقنيات خيالية لتبدأ رحلة الوقاية؛ بل ما تحتاجه حقًا هو الالتزام بالعادات البسيطة المتكررة، فالدواء لا يصنع المعجزات، وإنما العادات تفعل كالمشى والنوم العميق والمحافظة على الأكل النظيف وإجراء فحوصاتٍ دقيقة فى الوقت المناسب، وتنشيط العقل، وتحريك الجسد باستمرار وسلامة الصحة النفسية ويرى أن التمارين الرياضية ليست مجرد وسيلة لحرق السعرات، بل هى الدرع الأقوى ضد الموت المبكر. وهو يُولى أهمية هائلة للحركة لدرجة أنه يخصص لها أكثر فصول الكتاب تفصيلًا، ويصفها بأنها: «أقرب شىء لدينا إلى إكسير الشباب.» العضلات تساوى الصحة المستقبلية، بناء الكتلة العضلية فى الأربعينيات، والخمسينيات هو بمثابة «ادخار مصرفى صحي» لما بعد الستين. فكلما زادت كتلتك العضلية وقوتك الآن، قلت احتمالية تعرضك للكسور، والسقوط، والعجز فى المستقبل. اللياقة الهوائية تساوى قلباً أطول عمرًا، تمارين الكارديو (كالمشى السريع، الركض، ركوب الدراجة) تُحسن كفاءة القلب والرئة، وتخفض من معدلات الوفاة بنسبة تصل إلى 30-40٪ وفقًا للدراسات التى يستند إليها. التوازن والمرونة يساوى الوقاية من السقوط ى.. ويعتبر السقوط فى الكِبر أحد الأسباب الشائعة للوفاة غير المباشرة، بسبب الكسور. أتيّا يوصى بدمج تمارين التوازن مثل: الوقوف على ساق واحدة، أو تمارين اليوجا. يركز كذلك على التغذية، «الغذاء ليس مجرد سعرات، بل إشارات بيولوجية.» الهدف من التغذية هو ضبط الإنسولين، لا فقط الوزن السكّرى من النوع الثانى، الذى يراه «مرضًا سلوكيًا»، يبدأ غالبًا بسنين من مقاومة الإنسولين، لهذا يُركز على تقليل الكربوهيدرات المكررة، وتناول بروتين كافٍ للحفاظ على العضلات. الصيام المتقطع: أداة ذكية لا عقيدة دينية ليس هدفًا فى حد ذاته، بل وسيلة للسيطرة على الشهية وتحسين حساسية الجسم للإنسولين. يوصى بصيام 14- 16 ساعة يوميًا، ولكن فقط إذا لم يؤثر سلبًا على النشاط أو النوم لا لحميات الحرمان... نعم للثبات طويل الأجل ، فالنظام الغذائى المثالى ليس الأكثر صرامة، بل الذى يمكنك الاستمرار عليه لعقود ضمن الجدول الأسبوعى. هذه ليست نصائح عابرة، بل سلاح استباقى ضد الفرسان الأربعة، وضمان بأن سنواتك القادمة ليست فقط أطول، بل أكثر حضورًا وجودة وبهجة. إذن فالمحور الثانى هو خارطة الوقاية، قواعد النجاة من الشيخوخة المُبكرة كل يوم نعيشه هو فرصة لتعديل مسار الشيخوخة. أنت لا تتدهور فجأة... بل ببساطة «تتآكل» دون أن تدرى. معركة السكر يؤكد المؤلف على « أن العمر الزمنى خادع، والعمر البيولوجى هو الحقيقة التى يجب أن تواجهها» ، وهنا نخلع القناع عن واحدة من أكبر أوهام الطب الحديث: أننا نعرف أين نقف صحيًا إذا أجرينا تحاليل الدم، ضغط الدم، السكر، والكوليسترول. لكن الواقع، كما يقول، أكثر تعقيدًا وخطورة: «الطب الوقائى اليوم ما زال يُشبه جهاز إنذار يحترق بعد اندلاع الحريق.» لماذا نحتاج إلى تقييم عمرنا الصحى البيولوجى؟ لأن الأعراض لا تبدأ إلا بعد أن تكون الأضرار قد وقعت، مرض القلب قد يظل صامتًا 20 عامًا، السرطان قد ينمو دون ألم. والدماغ قد يفقد خلاياه قبل أن يظهر النسيان لذلك يدعو أتيّا إلى الانتقال من «الطب التفاعلي» إلى ما يسميه «الطب الوقائى الاستباقى .proactive medicine» لكن ما هو العمر البيولوجى؟ وكيف نحسبه؟ العمر البيولوجى ( Biological Age) وهو مقياس لما يحدث داخل جسدك فعليًا — على مستوى الخلايا، الأوعية، والدماغ بغض النظر عن عدد الشموع على كعكة عيد ميلادك، وهو لا يُقاس بتقويم الميلاد، بل بمؤشراتٍ مثل: الكتلة العضلية وقوة القبضة، مستوى الالتهاب الخلوى، كثافة العظام، الصحة الميتوكوندرية (قدرة الخلايا على إنتاج الطاقة)، مرونة الأوعية الدموية، الأداء المعرفى، والتركيز، والذاكرة على سبيل المثال: امرأتان فى عمر 55 سنة: الأولى تمارس الرياضة، تنام جيدًا، تتغذى بذكاء، وتتمتع بشبكة اجتماعية قوية. الثانية تُدخن، لا تتحرك، وتعانى من توتر مزمن، عمرهما الزمنى واحد، لكن الأولى عمرها البيولوجى قد يختلف ب 10 سنوات أو أكثر. فحوصات تقليدية احذر الإفراط فى الاطمئنان بناءً على «الأرقام الطبيعية» فى التحاليل الطبية، ف «الطبيعي» فى معايير المختبرات قد لا يعنى «الصحي»، بل فقط ما هو شائع بين السكان (الذين يعانى معظمهم أصلًا من سوء نمط الحياة). «أن تكون نتائجك ضمن المعدل العام لا يعنى أنك بأمان، بل أنك على المسار الذى يسير فيه الآخرون نحو المرض.» ويطرح بدائل دقيقة ومُبكرة لتقييم المخاطر، منها: اختبار الكالسيوم التاجى (Coronary Calcium Scan) لتحديد مدى تصلب الشرايين، مؤشر VO2 Max لتقييم اللياقة القلبية التنفسية، فحص الكثافة العظمية المبكر قبل سن ال 60، تحليل CRP عالى الحساسية لتقدير الالتهابات المزمنة، مقياس النعاس أثناء النهار ( (Epworth Scale) للكشف عن اضطرابات النوم، اختبارات معرفية دورية لرصد تدهور القدرات العقلية مبكرًا. عمرك الحقيقى ابدأ من نفسك، لا من طبيبك اسأل: كم دقيقة أتحرك يوميًا؟ كم ساعة أنام؟ ما جودة علاقاتى؟ هذه المؤشرات تسبق التحاليل، اجمع البيانات الصحيحة: إذا أمكن، اطلب من طبيبك التقييم الخاص بصحة القلب والرئة VO2 Max، واختبار كثافة العظام، والتهاب CRP، وليس فقط كوليسترول الدم، قِس تقدمك كما يقيس الرياضيون: فالمعيار ليس فقط «هل أنت مريض؟»، بل «هل أنت أقوى؟ أذكى؟ أنشط من العام الماضى؟»، احتفظ بسجل صحّى شخصي: سجّل تطورات نومك، وزنك، مزاجك، أداءك العقلى، لربط الأعراض بالتغيرات. سؤال «أتيّا» الجوهرى فى هذا المحور: «إذا كان لديك فرصة لاكتشاف أين سينهار جسدك قبل أن يحدث الانهيار، هل ستنتظر حتى تتأكد؟» هو لا يقدم فحوصاتٍ فقط، بل يدعونا إلى تغيير العقلية الصحية بالكامل: من رد الفعل إلى تصميم خطة حياة. فكما نخطط لرحلة طويلة بتفاصيل دقيقة، علينا أن نخطط لرحلة الشيخوخة بنفس الحذر، إن لم يكن أكثر. النوم والتوتر يتناول هنا القاتل المزمن الصامت الهادئ: «الأمراض الأيضية، والسكرى، ومقاومة الإنسولين»، العلاقة بين مقاومة الإنسولين، والسمنة، والسكرى، والشيخوخة المبكرة. يفكك أساطير الحميات، ويشدد على فهم استجابة الجسم للطعام الصيام المتقطع ليس حلًا سحريًا، لكنه أداة مفيدة إن استُخدم بذكاء لا يتعلق الأمر فقط بعدد السعرات، بل متى وكيف تأكل. «الإنسولين المرتفع بصمت يسرق منك شبابك، وأنت لا تشعر.» «لا أحد يموت من البدانة فقط الناس يموتون من تبعاتها الكيميائية الصامتة.» ووجه نصائح عملية قائلاً: «اجعل نافذة الأكل 8-10 ساعات فقط، وتجنّب السكر، والكربوهيدرات السريعة مع مراقبة الدهون الثلاثية، وسكر الدم التراكمى كل 3 أشهر». ويغوص الكاتب فى عمق الأمراض المزمنة المرتبطة بالتمثيل الغذائى وهى أمراض لا تقتل بشكل مباشر، لكنها تقوّض البنية الأساسية للصحة عامًا بعد عام. التمثيل الغذائى (Metabolism) التمثيل الغذائى هو الطريقة التى يحوّل بها الجسم الطعام إلى طاقة. ويجعل الإنسان يمارس حياته بكفاءة، وبصحة. لكن عندما يختل، يبدأ «الانهيار البطىء» بصمت: تبدأ الدهون تتكدّس فى الكبد والعضلات. يصبح الإنسولين غير فعّال. يرتفع السكر فى الدم دون أعراض واضحة. ويتحوّل الجسم إلى بيئة مثالية لمرض السكرى، السرطان، وأمراض القلب. لماذا مقاومة الإنسولين هى المحرّك الخفى لكل شىء؟ مقاومة الإنسولين (Insulin Resistance ) تعنى أن خلايا الجسم لا تستجيب لهرمون الإنسولين كما يجب، مما يجعل البنكرياس يُفرزه بكمياتٍ أكبر، هذه الحالة تقود إلى: ارتفاع السكر فى الدم، التخزين المُفرط للدهون، التهاب مزمن منخفض الدرجة. تسارع الشيخوخة من هم المعرضون لخطر مقاومة الإنسولين؟ ولماذا لا تظهر الأعراض مبكرًا؟ الغالبية العظمى من الناس الذين لا يعلمون أنهم فى خطر، لأن الأعراض لا تكون واضحة إلا بعد سنوات. ومن المؤشرات الخفية: تراكم دهون البطن، الرغبة المستمرة فى الأكل، النعاس بعد الوجبات، ارتفاع ضغط الدم- الكوليسترول غير المتوازن-ارتفاع الثلاثى - (انخفاض الكوليسترول الجيد HDL) أكثر من 88% من الأمريكيين (وأغلب سكان العالم الصناعي) يعانون شكلاً من اضطراب الأيض. لماذا فحوصات السكر التقليدية تخدعنا؟ يشير «أتيّا» إلى أن اختبار السكر الصائم أو HbA1c لا يكفيان لاكتشاف الخطر مبكرًا. السكر قد يكون طبيعيًا ، بينما الجسم يغرق فى مقاومة الإنسولين! لذا، يُوصى باستخدام أدوات أدق: اختبار تحمّل الجلوكوز OGTT، تحليل الإنسولين الصائم، قياس السكر المستمر (CGM)، معادلة تقيّيم التوازن بين الإنسولين والجلوكوز. العلاج قبل الدواء نركز هنا على أربعة محاور متكاملة: التغذية الذكية: تقليل السكر المضاف، والكربوهيدرات المكررة، واختيار الكربوهيدرات بطيئة الامتصاص (حبوب كاملة، بقوليات، خضراوات) البروتين فى كل وجبة كذلك استخدام الدهون الصحية (زيت الزيتون، الأفوكادو، المكسرات) والصيام المتقطع (كأداة وليس عقيدة). الحركة المستمرة: تمرين المقاومة لبناء العضلات (تحسّن استجابة الإنسولين)، المشى بعد الوجبات يخفض السكر، تمارين (HIIT ) مقاومة الإنسولين تتحسن بشدة بعد كل جلسة. النوم والاسترخاء: قلة النوم تزيد مقاومة الإنسولين، الإجهاد المزمن يرفع الكورتيزول ويخرب التمثيل الغذائى والنوم 7-8 ساعات ليلية ثابتة هو حجر الأساس لأى تغيير، الوعى والبيئة: التركيز على تكوين عادات مستدامة، الدعم الاجتماعى والعائلى مهم وإجراء تقييم مستمر: «هل طعامى يخدمنى؟ هل نشاطى كافٍ؟ هل طاقتى حقيقية؟». توصيات يومية تناول بروتينك أولاً قبل باقى الطعام، وامشِ 10 دقائق بعد كل وجبة، ونام فى غرفة مظلمة وباردة، راقب سكرك بجهاز قياس مستمر لو أمكن لا تعتمد على الجوع كمؤشر: الجوع فى مقاومة الإنسولين مُضلل، ولا تترك جسمك فى وضعية جلوس لأكثر من 60 دقيقة متواصلة، النوم الجيد ليس ترفًا، بل عملية صيانة عصبية يومية. النوم العميق يزيل السموم من الدماغ كما أن التوتر المزمن يطلق الكورتيزول الذى يُسرّع الشيخوخة ، فالتوتر اليومى بلا تفريغ... هو انتحار بطىء من الداخل.» كما اقترح روتيناً يومياً. النوم فى نفس الوقت يوميًا، تقليل الشاشات قبل النوم بساعة مع ممارسة التأمل أو التنفس العميق 10 دقائق مساءً. لا تفقد ذاتك: «لا أحد يخشى أن يعيش طويلًا، لكن الكل يخشى أن يعيش طويلًا بعقل مفقود.»، فى هذا المحور الخامس العميق والمُقلق، يسلط أتيّا الضوء على العدو الخفى الذى يُهاجم الذاكرة والهوية معًا: الزهايمر، وأمراض التنكس العصبى المرتبطة بالعمر، هذه الأمراض لا تقتل مباشرة، لكنها تسلب جوهر الإنسان: أفكاره، ذكرياته، استقلاله، وكرامته. هل الزهايمر حتمى؟ الخبر السيئ: تزايد عدد المصابين به مع تقدم متوسط العمر. أما الخبر الجيد - والمفاجئ: الزهايمر ليس قدرًا حتميًا، فقدان الإدراك ليس نتيجة حتمية للشيخوخة، بل غالبًا نتيجة تراكم بطىء لعوامل يمكن التحكم بها لعقود. ولكن كيف يبدأ الانهيار العقلى؟ التنكس العصبى لا يحدث فجأة، بل يتراكم بصمت: نجد أن البلاكات البروتينية تتراكم فى الدماغ ببطء والإنسولين المقاوم يعطّل طاقة الدماغ فمن ثم يحدث التهاب مزمن يضعف الأعصاب ويؤدى الى قلة النوم التى تمنع تنظيف الدماغ ليلاً، فيحدث الضغط العصبى الذى يقتل الخلايا العصبية حرفيًا. لذلك فإن أتيّا يدعو إلى مفهوم جديد: «ابدأ الوقاية من الزهايمر فى الأربعين... لا بعد السبعين.» لكن ما العلامات المُبكرة للانحدار الإدراكى؟ نسيان الأسماء والأماكن بشكل متكرر، وضعف التركيز وسرعة التشتت بالإضافة الى فقدان الحافز أو الانطواء التدريجى مع صعوبة فى اتخاذ القرارات أو الحسابات وبطء فى التفكير أو الاستجابة .. المفارقة أن هذه الأعراض قد تظهر بعد فوات الأوان إن لم تُلتقط مبكرًا بفحوصاتٍ متخصصة حتى نمنع هذا فعلينا إجراء فحوصات لتحديد الخطر مبكرًا. الصحة العاطفية ومحور أخير يتحدث عنه د.«أتيّا» وهو المحور الذى يخرج فيه الكاتب من المختبر، ليقف معك أمام المرآة. إنه المحور الذى لا تُقاس فيه المؤشرات الحيوية بالأرقام، بل تُقاس بما يُبقى القلب نابضًا والروح مشتعلة. فى هذا الفصل الإنسانى والعلمى، يفتح أتيّا ملف أخطر سرقة تحدث ببطء: فقدان الإدراك الزهايمر لا يبدأ فى الستين، بل قبل ذلك بعشرين عامًا. التمارين الهوائية، النوم، والغذاء تلعب أدوارًا حاسمة فى الوقاية «كل دقيقة تركضها، تحقن دماغك بأمل جديد.» ويصل بنا المؤلف إلى أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن القلب أو الدماغ. القلق، الوحدة، وانعدام الهدف، يختصرون العمر بصمت. «ما قيمة العيش طويلًا، إذا كنت تعيشه دون مغزى؟» العلاج النفسى، العلاقات العميقة، والشعور بالمعنى... تطيل الحياة. «عش بقوة، ولكن عش بحب. لأنه فى نهاية المطاف، لا أحد يُخلِد، إلا أثره.» الطريق إلى عمر طويل لا يمر فقط عبر الكيلومترات التى تركضها، ولا السعرات التى تتحكم بها، بل عبر اللحظات التى تحب فيها بصدق، وتعيش بمعنى، وتتقبل نفسك كما هى.