بين ضفاف النيل الهادئة وأشجار المانجو العتيقة، يقف متحف "ركن فاروق" شامخًا كتحفة معمارية فريدة تروي فصولًا من التاريخ الملكي لمصر الحديثة. في قلب حلوان، المدينة ذات الطابع الصحي والمناخ المعتدل، يحتفظ هذا الركن بما تبقى من أيام المجد الملكي، ويجمع في جنباته بين أناقة القصور ودفء الاستراحات، ليصبح شاهدًا بصريًا على حياة آخر ملوك مصر، الملك فاروق الأول. اقرأ أيضًا | a href="https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4652737/1/%D9%85%D8%AA%D8%AD%D9%81-%D8%B1%D9%83%D9%86-%D9%81%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%82-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D8%AE%D9%8A%D8%B1-%D9%84%D8%A7-%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D9%84%D8%A7%D8%AF%D8%B9" title=""متحف ركن فاروق" في حلوان بخير.. لا صحة لادعاءات الحريق | صور""متحف ركن فاروق" في حلوان بخير.. لا صحة لادعاءات الحريق | صور حلوان.. مدينة القصور والهواء النقي تقع استراحة الملك فاروق، المعروفة اليوم بمتحف "ركن فاروق"، على الضفة الشرقية لنهر النيل، بالقرب من مدخل حلوان، وتبعد حوالي 25 كيلومترًا عن وسط القاهرة. وتُعد مدينة حلوان من أقدم مدن مصر وأكثرها تميزًا، حيث أسسها الوالي عبد العزيز بن مروان عام 73ه (692م) عندما أصيب بالجذام، فنقل إليها دواوين الحكم وبيت المال، وأُطلق عليها اسم "حلوان" تشبيهًا بمدينة حلوان بالعراق. تحولت المدينة مع الوقت إلى منتجع صحي بفضل هوائها النقي وجوها المعتدل، فأصبحت مقصدًا للطبقة الراقية والنخبة، ومقرًا للقصور والاستراحات، حتى باتت تُعرف باسم "مدينة القصور والسرايات"، ثم تطورت في خمسينيات القرن العشرين لتأخذ طابعًا صناعيًا بعد ثورة يوليو. من كازينو إلى قصر ملكي لم يكن موقع متحف ركن فاروق دائمًا قصرًا ملكيًا، بل كان في الأصل كازينو يُعرف باسم "سان جيوفاني"، وعندما مرّ به الملك فاروق عام 1939 أُعجب بالمكان ومناظره الخلابة، فاشتراه وأمر بهدم الكازينو، وشرع في بناء استراحة ملكية خاصة به عام 1941، واستُكمل البناء في العام التالي 1942. شُيد القصر على مساحة 11,600 متر مربع، والمبنى الأساسي يحتل 440 مترًا فقط، بينما خُصصت بقية المساحة لإنشاء حديقة غنّاء تضم أشجار المانجو والنباتات النادرة، وأُحيطت الاستراحة بسور من الحجر الطبيعي. وقد صُمم المبنى بشكل مميز يُشبه سفينة راسية على شاطئ النيل، كأنها تحمل الملك في رحلة استجمام دائمة بين السماء والماء. لمحات من الداخل.. تفاصيل ملكية في كل ركن يتكون القصر من ثلاثة مستويات: الطابق الأرضي: خُصص في البداية للخدم والمطابخ والمغاسل والمخازن، ويُستخدم حاليًا كمقر لغرف الإدارة والأمناء وقسم الترميم. الطابق الأول (الرئيسي): يُعد القلب النابض للمتحف، ويضم قاعات الاستقبال، والطعام، والمدفأة، وجناح النوم، ومجموعة من الشرفات التي تطل على النيل مباشرة. السطح (الطابق الثاني): كان يُستخدم لإقامة الحفلات الخاصة، ويطل من جهتين على النيل ومن جهتين على الحديقة. وفيه نافورة فنية تتكون من ثلاثة تماثيل لأطفال مجنّحة ينفخون في أبواق، وقد صُوّرت أمامها مشاهد من أفلام مصرية شهيرة مثل "نهر الحب". مقتنيات تروي قصصًا يحتوي المتحف على مجموعة نادرة من المقتنيات الملكية ذات القيمة التاريخية والفنية العالية، منها: لوحة فنية مكتوب عليها آية الكرسي، أُهديت للملك فاروق من أحد سكان حلوان في يوم افتتاح الاستراحة في 5 سبتمبر 1942. صورة فوتوغرافية نادرة لحفل زفاف الملك فاروق والملكة ناريمان. مهد الأمير أحمد فؤاد الثاني، آخر أبناء الأسرة العلوية. لوحة زيتية للملك فاروق وهو طفل. نموذج لكرسي خشبي يُحاكي عرش توت عنخ آمون. تمثالان للفلاحة المصرية من أعمال الفنان الفرنسي "تشارلز كوردييه". بارافان خشبي تركي من الجوز مطعّم بالعاج والصدف، عليه نقوش مستوحاة من الفن المصري القديم، منها مشهد "محاكمة الموتى". من استراحة ملكية إلى متحف عام بعد قيام ثورة يوليو 1952، صودرت الاستراحة الملكية، وأُلحقت بهيئة الآثار. وفي عام 1976، تحولت رسميًا إلى متحف يتبع قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، ليكون شاهدًا على فترة زمنية مميزة من تاريخ مصر الحديث. وفي عام 2016، خضع المتحف لعملية ترميم وتطوير شاملة، تضمنت صيانة المبنى وتجديد قاعاته وتحسين طريقة العرض المتحفي. الذاكرة البصرية الحية لا يكتفي "ركن فاروق" بعرض مقتنيات ملكية فقط، بل يُجسّد ذاكرة حية لأسلوب الحياة الملكية، ويعكس أناقة التصميم وروح الرفاهية التي كانت سائدة آنذاك. وبين مقتنياته، وحدائقه، وشرفاته المطلة على النيل، يعود الزائر إلى زمن آخر، حيث التاريخ مرسوم بدقة، والذوق الرفيع حاضر في كل زاوية. ركن فاروق ليس مجرد متحف تقليدي، بل مساحة ملكية ساحرة تنبض بروح الزمن الجميل. يروي للزائر حكاية ملك، ومدينة، وتحولات مجتمع. فهو أحد أهم المتاحف التي تحتفظ بذاكرة القصور المصرية في القرن العشرين، ويستحق أن يكون ضمن قائمة الوجهات الثقافية لكل من يرغب في استكشاف فصول من التاريخ المصري الحديث.